قصة قصيرة
*** فضول امرأة ***
لن تنسى أبدا الكابوس الذي عاشته بداية الأسبوع الماضي، طنين السين يؤرقها.
لماذا فعلتها؟
تبحث عن الجيم فلا تجد ما تقول،إنها ترهَبه كما ترهب ظلمة القبر، من قال لها أن تزور صديقتها بمحلها الخاص ، يومها جَلَسَت تثرثر بعصبية ، تترتشف قهوة مرة المذاق وقد انتثر رذاذها هنا و هناك ، حركة لسانها و تلمظ شفتيها منساقان مع حركة رأسها و يديها وقد نفَذ صبر صاحبة المحل وهي تحاول جاهدة أن تهون عليها الأمر بكل ما أوتيت من حكمة معهودة ” لن يتغير الحال ! ”
كدأبها أدارت رأسها ثلاثا ورفعت يديها إلى السماء مرددة
” حسبنا الله ونعم الوكيل فيها…”. دون جدوى حاولت تغيير الموضوع ، تتذكر حين دخل زبون جديد غير وجهتها و سلب عقلها، إنه زوج صديقتها المهاجرة ، سألته بكل لهفة عن حالهم و حال ابنهما المشلول سام كيف أصبح وما فعلت به الأيام؟
أجابها مستغفرا :
– آه، توفي.
نزل عليها الخبر كالصاعقة، لم تكن تنتظر هذه الإجابة فهي من قدمت بيديها لأمه خلطة رعوانية عجيبة تقوّم ظهره ، و ترفع مناعته.
بين حنق واستغراب تبادلا بعض الأحاديث قبل أن يقتني أغراضا ثم يمضي إلَى حالِ سَبِيلِهِ.
ظلت طوال الوقت تفكر في حال صديقتها الثكلى المكلومة وقد استغربت البرود الذي تكلم به زوجها على غير عادته معها وكيف تجاهل الحديث عنها .
قررت البحث عن رقم صديقتها لتقدم واجب العزاء وتفك بعض الألغاز فالمقابلة باردة بعد طول غياب .
اتصلت بها مرات ومرات وبالُها مَشْغُولٌ بامرأة العجائب صويحبتها الخمسينيّة التي ما فتئت تتجمَّل ، بل تُفرط في زينَتها و أناقة هندامها حسب ما عاينته في مواقع التواصل الاجتماعي ، تساءلت،كيف لم تكترث لفقيدها ولزوجها السبعينيّ و الكل يعلم شدة تعلقها بهما.
يجيبها صوت جهوري أجش :
_من معي، آه أظنك تريدين فاطمة، إنها نائمة الآن ولن تتمكن من التواصل معك إلا في الغد، سأخبرها لاحقا، شكرا على الاتصال.
كانت تنتظر بفضول سيارة الأجرة لتقلها إلى حيث ستعرف كل التفاصيل ، متناسية همومها و شكاويها التي لا تنتهي، لكنها لم تستقر على رأي بعد.
غادرت محل صديقتها و قد تملكتها الهواجس وأخذها التفكير إلى شرور العالم و مفاجآته ، إلى أن تذكرت شقيقة فاطمة فعرجت إلى بيتها متلهفة لمعرفة المزيد.
– لمْ يَخب ظنك يا أخيّتي.
فقد وجدت صديقتها ملقاة على الأريكة فاقدة الوعي، مصفرة الوجه غائرة العينين بجسد متهالك قد خربته المنبهات و المسكنات وعقاقير التلف العصبي.
توجّهتا إلى الحديقة وتبادلتا أطراف الحديث ، لتكشف لها أختها مرارة الواقع الذي عاشته وتعيشه بعد حادثة تعكر حالة المسكين بسبب تناوله علاجا تكتمت عن مصدره ،
ارتبكت الزائرة وتلعثمت عند سؤالها عن صحة فاطمة.
استطردت أختها:
– لا نعلم من أين تأتي البلاوي؟ كيف لعقل أختي المتزن أن يقبل بخلطات و خزعبلات تعتمدها بديلا عن أرقى التقنيات الحديثة و الاكتشافات الطبية، إن زوجها المعتوه قد رفع ضدها قضية يتهمها فيها بمحاولة قتل ابنها كي ترتاح من عناء الاهتمام بكل شؤونه، لم تستوعب أعصابها هول المصائب ، فانفلتت وهاهي ملقاة كخرقة قميئة لا تعي ما يدور حولها، اطلبي لها لطف الرحمان. لقد خسرت شبابها و عملها وعائلتها بسبب من غدر بابنها و سممه، فعادت من مهجرها ذليلة مسكينة، ترتجي شفقة زوجها حتى تعود إلى بيتها الذي أفنت في إنشائه شقاء السنين.
عادت تجر أذيال الخيبة، تحدث نفسها منهارة
– ” من كان يظن أن الموازين تنقلب، وتصبح فاطمة المغرورة المتأنقة ذات الكبرياء و الأنفة بلهاء منكوبة، وأنا كنت أبحث لها عن طرق النجاة أضحيت متهمة بجريمة قتل ابنها وربما تصبح القضية محبوكة فأدخل السجن؟! استأهل أستأهل “.
تركت كل ما بيديها من شؤون و راحت تبحث عن مخرج ، سرحت بِأفْكَارِها بعيدا ،انتفض جسدُها مرتعبا حين تخيلت نفسها مصفدة بالأغلال اِتَّسَعَت حدقتاها و انتفخت أوداجها
لاطمة خديها ، ماذا ينتظرني يا ترى؟!
لَيْلَةٌ شديدة الوَطْأَة، اِنقَلَبَت حالُها فيها بسبب فضولها.
وَلَجَت غرفة الجلوس فِي انكسار و أتون أفكارها يلتهب ،نظرت برَهْبَة و خشوع إلى الساعة الحائطية المعلقة على الجدار الأبيض المقابل ثم ثنت رجليها ، ربعت يديها ، سحبت الغطاء الأبيض المنقط بدوائر حمراء متناسقة كلون الدم .
في غفوتها تدلى لها حبل غليظ من السقف و أخذ يقترب
تَكوَّرت في هُدُوء الليل على غير عادتها مستسلمة .
استرجعت وعيها، تعوذت وقامت لصلاة الفجر ، قبل أن تداهمها طرقات متتالية لباب سجن النساء ،
_ زيارة، زيارة…
سيدة بن جازية تونس
Discussion about this post