مختارات ..
=-=-=-=-=
الماورائية أو ماوراء الطبيعة (Mitaphysics ) ..
(2 )
د.علي أحمد جديد
وللوقوف على تجربة ميتافيزيقية يمكن لأحدنا أن يسأل نفسه عن تجارب عاشها ولامسها في حياته :
هل شعرت يوماً بأنك تفكر في شخصٍ ما وبعد لحظات تكتشف أنه يقفُ أمامك؟!..
أو هل فكرت بصديقٍ غائب تفتقده.. وتُفاجأ بعد دقائق باتصاله؟!..
وهل تساءلت لماذا تشعر الأم – تحديداً – بما يحدث لأبنائها رغم أنهم بعيدون عنها في المسافة أميالاً طويلة ولا تراهم ؟!..
كل هذا ليس وهماً أو خرافة .. لكنه في ( البارانورمولوجيا أو الباراسيكولوجي) حقيقةً محتملة الحدوث .
(الباراسيكولوجي أو ما وراء الطبيعة و النفس) هو علم حديث بدأ في نهاية القرن التاسع عشر وهو يبحث في الظواهر النفسية والذهنية الخارقة التي تحدث لبعض الأشخاص ، والتي عجز العلم الذي كان معروفاً وقت ذلك عن إيجاد تفسير لها .. ولم يصل العلماء إلى حقيقة تفسيرها سواء بأدوات علم النفس التقليدية أو عن طريق التحليل النفسي . ولجأ المهتمون إلى دراسة الظواهر بطريقة الفيزياء الحديثة . وكانت أهم الظواهر التي يدرسها : (التخاطر Telepathies) ، و(التحريك عن بعد Telekinesis) ، وكذلك (الاستبصار Clairvoyance) ، و(الخروج من
الجسد Astral Projection) بالإضافة إلى محاولات الاتصال بكائنات غير منظورة (Spiritism) !.
ولأن الأسئلة تؤجج التوق إلى المعرفة ، فقد أطلق (ماكس سوار) تسمية (الباراسيكولوجي) لأول مرة عام 1885م ، تبعه (جوزيف راين) وزوجته ليؤسسا لأول مختبر من هذا النوع في (جامعة ديوكDuke ) عام 1934م ، وفي عام 1969م تم الاعتراف بالجمعية الباراسيكولوجية من قبل (الجمعية الأمريكية للعلوم) وأصبحت (الباراسيكولوجية) علماً يُدرس في الجامعات العريقة .
لأنه توجد داخل كل إنسان قدرات خاصة (تقل أو تكثر) تبعاً لتركيبته العضوية والنفسية ، فإذا كان كل مافي الكون يشع بما فيه دماغ الإنسان وجسمه الحي الذي يرسل ذبذباته (ألكتروماكنتك) ومعها أشعة (ألفا 10) وأشعة (غاما) ، وحين تتشابه هذه الذبذبات مع ذبذبات إنسانٍ آخر يتم التوافق بينهما بطريقة الاتصال بين طرفين (مرسل Decoding) و(مستلم Incodin) . وفي الواقع ثبت أنه لا يمكن لأحد أن يعرف أسرار (الروح) ويسبر أغوارها وإنما يمكن الإحاطة بشيء من تأثيرات الروح بدليل :
“ويسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربي”
كما أن هذه القدرة لا يمتلكها شعبٌ دون آخر لكنها موجودة عند جميع الشعوب خاصة لدى البوذيين والهنودالحمر والهنود حيث تختزن أجسادهم تلك القوى المشعة بالتأمل العميق مع إجراء بعض التمارين الروحية التي تعمل على تركيز الذهن والتأثير في الآخرين .
ويجرّب العلماء والباحثون دائماً فتح الصناديق (المغلفة) لإيجاد تفسير منطقي للاحداث الغامضة .. وآخر ما توصلوا إليه هو أن (الغدة الصنوبرية) التي تقع في نهاية القسم الأوسط من الدماغ والتي مازالت وظيفتها العلمية مجهولة حتى اليوم هي بمثابة (هوائي) وعن طريقها يتسلم الإنسان أو يرسل من وإلى العالم الخارجي كل رسائله الذهنية ، ويأتي سر حجمها لدى الطيور بشكل خاص ، إذ يصل إلى عشرة أضعاف حجمها لدى الإنسان ، وعن طريقها تستدل الطيور إلى أعشاشها !.
والغريب أن كل هذا التفسير لم يَحمِ علم (الباراسيكولوجي) من الشكوك ولم تعصمه من سهام المنتقدين وخاصة أهل التدين منهم .. واطلقوا عليه تسميات عديدة منها (علم الخوارق) ، (علم النفس الغيبي) وأخيراً(قدرات الساي) وذلك لالتباس الأمر على البعض باستخدام لفظ (العلوم الغيبية) وهو ما ينتج عنه سوء الفهم والخلط بينها وبين مفهوم (الغيب الديني) في الأذهان ، إذْ أن معنى كلمة (غيبية) هي مصطلح يطلق على العلوم (الخفية)أو (الكامنة) ، ونظراً لأن قوانينها ومعادلاتها لم تكتشف كاملة فهي ما تزال في ثنايا (الغيب) . والكلمة الواحدة قد يكون لها معنى ما في القاموس ثم تستخدم استخداماً دارجاً مغايراً ، وكذلك قد تستخدم استخداماً ثالثاً مختلفاً تماماً . وهذا ما ينطبق على لفظة (غيبية) والتي تستخدم من قبل علماء الديانات على تعددها واختلافها بأنه علم يختص الخالق وحده بمعرفته ولذلك يتم استخدام مصطلح (العلوم الماورائية) إضافة إلى مصطلح (القوى الخفية) رغم ما يحتويه ذلك من إثارة للخيال .
ورغم كل تشكيك ، وجدت علوم(الباراسيكولوجي) الاهتمام داخل أهم المنشآت السرية في أمريكا والدول العظمى ، فمنذ الخمسينيات لم يكن (الروس السوفييت) يعترفون بالعلوم الماورائية غير أنهم في العام 1954م اكتشفوا تسريباً للمعلومات كان يتم عن طريق إجراء تخاطر ذهني مع العاملين في غواصة تحت الماء !.. وبعد سقوط طائرة (التوبيليف) استعانت (المخابرات الأمريكيةCIA) بأحد المدربين في علوم (الماورائيات) فأدخلوه في غيبوبة وبالتدريج تمكنوا من جمع معالم الصورة ومعرفة مكان الطائرة والوصول إليها قبل أن يصل إليها خبراء ال (KJB) الروس .
وفي أوكرانيا تم العثور على مختبر عسكري كان يستعمل مولدات خاصة لتدمير صحة الرئيس الروسي السابق(يلتسين) ، كما استخدم الرهبان في فيتنام هذه القدرات أثناء الحرب الأمريكية الفيتنامية في الستينيات ، وفي الثمانينيات استخدمها الرئيس الأمريكي (كارتر) لمعرفة وضع المحتجزين في السفارة الأمريكية في طهران ، كما درب السوفيت رجال الفضاء على التخاطر الذهني للاستعانة بهم في حال حصول عطل ما في المركبة الفضائية !.
ولم يكن التجسس المجال الأوحد لإبراز هذه القدرات .. وبات استخدامها شائعاً في تجارب الاستشفاء (العلاج بالطاقة) وهو أشهر الطرق الماورائية المستخدمة اليوم .
ومن خلال محاولة دراسة الأنظمة الفكرية للانسان ، وتأثيرها على نحو كبير في رسم الشخصية والسلوك والتركيبة النفسية ، تم اكتشاف الدور الضخم الذي تلعبه الأنظمة الفكرية في صياغة السلوك والتغيرات البيولوجية والحياتية . وكانت الدراسات النفسية والبرمجيات العصبية في بحث الموضوع السبب الرئيس لإحلال الأفكار بأفكار معاكسة في حل المشكلات الصحية أو النفسية التي تشكل عائقاً في الحياة ، والتي يتم إدارتها من خلال التأملات والعلاجات التي تعتمد علم النفس كالتنويم المغناطيسي مثلاً .
وقد ظهرت آثار إيجابية لذلك بعد ممارستها .وثمة دراسات حول ما إذا كان من الممكن إيجاز الأمر بالأنظمة الفكرية وإصلاحها وحسب أم أن لما نشهده في الحياة أبعاد أخرى تؤثر بحياة الفرد الصحية والفكرية والنفسية أيضاً . وهي مازالت محاولات لفهم التركيبة الشاملة التي تحكم مجموع الصفات والأفكار والسلوك لكل فرد .
ونلاحظ أن شخصين يعيشان في بيت واحد وتحت ظروف حياتية واحدة ومع ذلك لا يتأثران بنفس القدر ولا يتفاعلان بالفعل او بردة الفعل بنفس الطريقة بالمواقف المشتركة التي يتعرضان لها ، بل قد تأتي نتيجة بعض المواقف لدى كل منهما على النقيض من الآخر ، الأمر الذي يعني أن ثمة عوامل كامنة تؤثر في الأنظمة الفكرية ، وهي وحدها الحاكمة في الأمر .
وهذا من منطلق تراكمية العلم ، فإن أفضل الجوانب التي تحيط بالشخصية البشرية إنما هي نزرٌ يسير من إجمالي العلم المتعلّق بها ، ومن جهة أخرى فإن توصل العلم لاكتشاف ماهية بعض الأمور لا يعني الإحاطة الكاملة أو التامة بها ، ولا يعني الوصول بما يكفي لحقيقتها ، فإن الحقيقة المطلقة لا يعلمها إلا الله تعالى وحده ، والتي هي تلك الحقيقة التي تربط كافة العلوم بعضها ببعض لأنها تخفي أكثر بكثير مما يتم التوصل إليه .
والصحيح أنه مازال هناك قصور كبير في العلم رغم تزاحم البحوث وتطور الوسائل والأساليب والأدوات ، ورغم تراكميته على مدى التاريخ البشري ، وصار من الضرورة البحث فعلياً في كثير من الجوانب المتعلقة بتفرد كل شخص عن غيره مهما كانت درجة التشابه قريبة ، وهو ما جعل منه تركيبة وتوليفة متفردة !!! وذلك يعني ضرورة البحث في الأطر الروحانية ، وسببية الماورائية والتي تحمل في طياتها اكتشافات واسعة حول الروح والنفس البشرية وقوانين الكون وتفاعلاته غير المرئية .. وهي أمور رغم تبقى رغم التأكيد على تطورها العلمي إلا أنها لم تفِ بما يكفي ، وأن الأنظار لم تتجه إليها إلا بنسبة بسيطة من الناس من العلماء ومن الصفوات الفكرية والروحية .
إن دراسة وفهم وتفسير الماورائيات ما زالت بحاجة لكثير من المهتمين والباحثين الذين يكرسون حياتهم لسبر أغوار هذا العالم وفهمه بإعطاء العلم أهمية بالغة قد تستغرق زمناً ممتداً من عمر البشرية ، وماذلك إلا للوصول إلى حقيقة لغز الإنسان نفسه وتفسيره .
Discussion about this post