مختارات …
=-=-=-=-=
الغضب ( Anger) ..
د.علي أحمد جديد
(الغضب) هو أحد المشاعر الإنسانية الأساسية ، وهو شعور أساسي صحي وطبيعي ، ويجب الإلمام ودراسة توجيهه بطريقة صحيحة ، وهو لايختلف بشيء عن شعور السعادة أو الحزن أو القلق أو الاشمئزاز ، أو غيرها من المشاعر الإنسانية .
وهناك أنواع مختلفة من الغضب قد تسبب إفساد العلاقات والإضرار بالصحة ، لأن الغضب (العارم) يؤدي إلى إفراز هرمونات التوتر المصاحبة وإلى تدمير الخلايا العصبية في مناطق الدماغ المرتبطة بالتفكير والذاكرة .
والغضب بطبيعته عاطفة إنسانية أساسية يختبرها كل فرد ، لأن العواطف جزء لا يتجزأ من كيان الإنسان ، وعادةً ما ينجم غضبه عن جرح عاطفته التي هي أساس تكوينه النفسي . وقد يصف البعض الغضب بأنه شعور انفعالي غير سار يحدث عند التعرض لمكروه أو إصابة ، أو نتيجة لسوء المعاملة ، أو المعارضة الاستفزازية بالرأي ، وكذلك عند مواجهة عقبات تمنع تحقيق الأهداف الشخصية .
يختلف معنى الغضب مابين شخص وآخر سواء في شكله ، أوأسبابه واستمراريته ، أوبطريقة تجسيده والتعبير عنه ، وربما حتى مدى الاعتراف بوجوده ، لأن البعض قد يدرك غضبه وأسبابه ونتائجه بشكل واعٍ وجيد ، بينما يفشل البعض الآخر في التعرف على شعوره بالغضب عند حدوثه .
وبالطبع فإنه لكل فرد الحق في الغضب ، وقد يكون الشعور بالغضب صحياً ومبرراً ، وعندها يكون الغضب عاطفة مفيدة للعمل وعامل تحفيز في مواجهة انتهاك الحقوق والحرية أوعدم الاحترام .
ويختلف الغضب في طبيعته عن العدوان أو العنف ، لأن الغضب عاطفة إنسانية داخلية عفوية و طبيعية ، في حين أن العدوان والعنف سلوكيات تنشأ بدوافع خارجية واختيارية تمام الاختيار .
وللغضب صور متنوعة وعديدة منها :
* الغضب الإيجابي :
ويعتبر هذا النوع بأنه الغضب الحازم أو التأكيدي شعورياً وبَنّاءً وفيه يتم استخدام مشاعر الانفعال أو الغضب كمحفز للتغيير الإيجابي ، ويشمل القيام بفعلٍ أو طريقةٍ تُحدِثُ التغيير للأفضل أو تساهم في حل مشكلة بعيداً عن الخضوع السلبي للإحباط ، أو الصراخ ، أو العنف .
* الغضب السلوكي :
يظهر هذا النوع على صورة تعبير جسدي نتيجة الشعور بالغضب، وعادةً ما يكون هذا التعبير عدوانياً أو عنيفاً إلى أقصى الحدود، وقد يلحق الأذى بشخص آخر من خلال المهاجمة أو التخويف الجسدي أو اللفظي، وقد يرافقه كسر ورمي الأشياء.
كثيراً ما يؤدي الغضب السلوكي إلى تآكل قدرة الفرد على تكوين علاقات تتسم بالثقة والاحترام والحفاظ عليها.
* الغضب المزمن
يعرف هذا النوع بأنه شعور مستمر وعام بالاستياء من الآخرين، أو شعور دائم بالإحباط، الأمر المزعج بهذا النوع أنه يوجه غالباً الغضب تجاه الذات، مما يسبب آثاراً سلبية عميقة لصاحبه.
* الغضب سريع الحكم
يكون هذا النوع عادةً رد فعل للشعور بالظلم أو الاضطهاد، وهو شعور ينتج عنه حكم سريع على النفس أو على الغير، فقد يشعر الشخص أنه أفضل من الآخرين أو أقل منهم .
* الغضب الشديد المفرط
ويمثل هذا النوع شعوراً باليأس والإحباط لا يمكن السيطرة عليه ، حيث ينتج عادةً هذا الشعور عن ظروف خارجة عن الإرادة ، ويشيع هذا النوع عند تحمل الكثير من المسؤولية التي لا تلقى تقديراً .
* الغضب العدواني السلبي
يشمل هذا النوع من الغضب في الواقع تجنب التعبير عن الغضب ، وهو أسلوب للتهرب من جميع أشكال المواجهة من خلال قمع وإنكار مشاعر الغضب والإحباط .
* الغضب الانتقامي :
ويُعَدُّ هذا النوع من أكثر أنواع الغضب شيوعاً لأنه عادةً مايكون رد فعل غريزي على مهاجمة من قبل شخص آخر ، بمعنى أن الغضب يُحفِّز دافع الانتقام من الظلم أو الخطأ المُتصوَّر . وقد يكون الغضب الانتقامي في حالات قليلة هادفاً وإيجابياً ويقود الشخص للنجاح أكثر كردِّ فعلٍ لمن ظَلمَه أو أبخس من حقه .
* الغضب الذاتي :
ويعتبر هذا النوع قائماً على الإحساس بالعار ، ويشمل مشاعر اليأس أو عدم الجدارة أو الإهانة .
كمايقود الغضب الذاتي إلى الحديث الذاتي السلبي ، أو إيذاء النفس ، كتعاطي المخدرات ، أو اضطراب الأكل ، أو اتباع سلوك غير منظم . وقد يصل إلى انتقاد الآخرين في محاولة لإخفاء تلك المشاعر المؤذية للذات .
* الغضب اللفظي أو الشفهي :
ويمكن أن يكون هذا النوع أقل خطورة من الغضب السلوكي ، إلا أنه يمثل شكلاً من أشكال الإساءة العاطفية والنفسية المؤذية . ويشمل التعبير عن الغضب اللفظي بالصراخ الغاضب ، أو التهديدات ، أو السخرية والاستهزاء ، أو اللوم الشديد ، أو النقد السلبي .
* الغضب المتقلِّب :
ويبدو أن هذا النوع من الغضب وكأنه يأتي من العدم ، وصاحب هذا النوع سريع الانزعاج جداً من المضايقات المتصورة الكبيرة والصغيرة على حدٍّ سواء ، وغالباً ما يهدأ هذا الغضب بنفس السرعة التي بدأ بها بمجرد التعبير عنه . ويمكن أن يكون الغضب المتقلّب مدمِّراً بشكل لا يُصدَّق حيث يشعر الآخرون بعدم الارتياح حول الشخص الذي يمكن أن يغضب في أي وقت وباتجاه المتوقع وغير المتوقع ، لذا فقد يفقد صاحبه القدرة على تكوين علاقات طويلة الأمد والحفاظ عليها .
ولأن الغضب ردُّ فعل واستجابة طبيعية وغريزية لبعض المواقف ، يمكن أن يتحوّل إلى مشكلة عند صعوبة السيطرة عليه ، حين يقول الفرد الغاضب أو يقوم بفعل أشياء يندم عليها فيما بعد سَوْرة الغضب وثورته . وقد بيّنت الدّراسات أنّ الغضَب المُبالَغ فيه مُضر بالصحّة الجسديّة والنّفسية ، ويُؤذي الشّخص ومن حوله على حدٍّ سَواء ، وكذلك قد يُصبِح وجود الغضب المستمر والدائم مرضاً نفسيّاً .
وهنا لا يمكن اعتبار الغضب كمرضٍ نفسيّ ، وإنّما قد يكون عَرَضاً معروفاً لعديدٍ من الأمراض النّفسية . وفي حال استمرار نوبات الغضب بصورة متكررة ، واندفاعية غير لائقة وغير معقولة ، فإنه يُمكن القول بأن هذا الغضب الشديد يُعزى للإصابة باضطّراباتٍ نفسية تُسمّى الاضطرابات الانفجارية المتقطعة (Intermittent explosive disorder – IED) ، التي تُعتبَر كحالة نفسية تتميز بنوبات اندفاعية متكررة أو عدوانية لا تتناسب مع الموقف الذي تسبب في حدوثها .
ومن صور الغضب الشديد المُرتبط بالمرض النّفسي ، أن تحدُث نوبات الغضب الاندفاعيّة بصورة فُجائيّة دون سابق إنذار ، وعادة ماتستمر نوبة الغضب الواحدة لأقل من 30 دقيقة كحدٍّ أقصى في كل الحالات ، وقد تحدث هذه النوبات بصورة متكررة أو تفصل بين النوبة والأخرى أسابيع أو شهور .
ويكون الغضب الشديد بنوبات لفظيّة وشتائم ، أو بعدوان جسدي ، وذلك حين يكون المُصاب سريع الانفعال وغاضباً طوال الوقت . بينما تكون الأعراض الأخرى ممثَلَةً بالتهيّج وسرعة الانزعاج ، وبزيادة الطاقة والارتعاش وزيادة خفقان القلب ، وكذلك الشعور بضيق في الصدر و
التّلفظ بألفاظ غير لائقة أوالقيام بسُلوكيات عُدوانية مع غياب التّفكير بالعواقب الوخيمة ووبال النتائج . كما يُكثِرُ الفرد الغاضب من مُجادلة الآخرين ومن الصراخ دون أي سبب يدعو لذلك ، أويقوم برمي الأِشياء أرضاً أو تَعمُّدِ تكسيرها وتهديد الآخرين .
وبعد أن تنتهي نوبة الغضب ، قد يشعُر المُصاب بالنّدم وبالتّعب الشّديد ، حتّى أنّه لايقوى على الوقوف أوضبط ارتعاشات يديه في بعض الأحيان .
وإن التّعبير عن المخاوِف والفضفضة للمُقربين بدلًا من كبتها داخل النّفس يخفف من تُولّد مشاعر الغضب والاستياء ، ويعمل على التّفريغ من الكبت ، وكذلك مُمارسة المشي السريع وقت لحظة الانفعال المفاجئ أو الجري أو غيرها من الأنشطة البدنية . وأيضاً الجُلوس بهُدوء وإراحة الجسد واسترخائه عند الحاجة ، خاصةً ، وقت الشعور بالتوتر .
إن مُحاولات إيجاد حُلول للمشاكل المُستفزِّة التي تُسبب الغضب الشديد بدلًا من التّركيز على الغضب دوماً هي من أنجح أساليب السيطرة على الغضب والتّخلص من مشاعر الحقد والضّغينة ومن المشاعر السلبية ، وتُسهّلُ السّعي للتسامح والمغفرة .
وهناك أيضاً أسلوب الفكاهة والسّخرية من محاولات الاستفزاز للتخلص من التّوتر ولمُواجهة مُسببات الغضب وللتخفيف عن النّفس ، وتجربة التّنفس العميق والاسترخاء .
وثمة مَن يعمدون إلى كتابة الأفكار عند الغضب في دفتر اليوميات كأسلوبٍ من أساليب الفضفضة الذاتية والتّمرّن على الرّدود قبل التّلفظ بها . إذْ أنه لا بأس في التّعبير عن الغضب ولكن بالصّورة الصحيحة التي لا تسبّب المشاكل للآخرين ولا تتحوّل بحدِّ ذاتها إلى وسيلة أذىً للآخرين .
ولأن الغضب حالة عاطفية ، تترواح درجاته من السخط الخفيف ، إلى الغيظ ، وأخيراً الغضب الشديد ، ويترتّب على هذه الحالة بعض الآثار الجسدية كارتفاع معدل ضربات القلب ، وضغط الدم ، ومستويات الأدرينالين و(النورأدرينالين) ، الذي يتمثل بشعور قويّ يدفع الشخص إلى إيذاء من حوله بسبب تعرّضه لأمر غير عادل أو لموقف قاسٍ في لحظة من حياته اليوميّة .
وقد حدّدَ الدارسون ثلاثة أنواع من الغضب وهي :
1 – الغضب السلبيّ :
ويُعرَّف بالغضب السلبيّ العدوانيّ ، فلا يحاول الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من الغضب التعامل مع الحالات التي تسبّب الغضب ، وبدلاً من ذلك يقومون بكتمانها في أعماق داخلهم ، ويميلون إلى توجيه الحنق لسلوكيات سلبية موجَّهَة نحو الآخرين كحمل الضغينة على سبيل المثال .
2 – الغضب العدواني :
وفيه يتمّ التعبير ظاهرياً على عكس الغضب السلبي ، حيث يرتكب الغاضب بعض التصرّفات العداونيّة ، كالصياح ، أو العنف الجسدي ، أو القيام بتدمير الممتلكات، أو إلحاق الأذى بالآخرين للانتقام .
3 – الغضب الحازم :
وفيه يعبّر الأشخاص عن غضبهم بحزم ، للتعامل مع عواطفهم ، ولإيجاد حلولٍ لمسببات الغضب عن طريق التكلّم بحزم ، ونقل الغضب بشكل هادئ ، وبكلمات مباشرة وصريحة . وهم بذلك لا يقومون بكتم الغضب بداخلهم ، ولكنهم ويتحكّمون به .
تختلف أسباب الغضب بين الناس في فترات حياتهم المختلفة ، فقد يكون سبب الغضب نابعاً عن الإحباط الذي يرافق محاولات فاشلة و متكررة في تحقيق هدف ما ، أو بسبب تصرفات عدائية يواجهونها كالشتائم ، والتهديدات . وقد يغضب الأطفال بسبب القواعد الصارمة المفروضة عليهم ، وكثرة المطالب ، أو بسبب قلة الاهتمام ، أو بسبب فشل في إتمام مهمة ما . وتتغير مصادر الغضب في مرحلة المراهقة والبلوغ فتنتقل من القيود المادية والإحباط إلى المشاكل الاجتماعيّة . وقد يغضب البالغون بسبب الرفض ، أوالحرمان والاستغلال ، والتلاعب ، أوالخيانة والإهانة فتكون ردة الفعل عليها اجتماعية أكثر من كونها جسدية ولا يعود هناك مكان لنوبات الغضب والقتال ، أوالصراخ المتعارف عليه في مرحلة الطفولة ، بل يفسح المجال للمزيد من التعبيرات اللفظية غير المباشرة ، ممثلة بالقَسَم وبالتهكم .
Discussion about this post