في مثل هذا اليوم 18 يناير1886م..
ميلاد محمد لطفي جمعة، كاتب ومفكر وناشط سياسي مصري.
محمد لطفي جمعة (1304 هـ / 18 يناير 1886م – 1373 هـ / 15 يونية 1953م) هو كاتب ومترجم وروائي ومحامي وناشط سياسي مصري، وهو ابن الشريف جمعة أبي الخير شرف الدين الإسكندري الحسيني والسيدة خديجة محمود السنباطي، عمل بالمحاماة وأصبح من كبار محاميي عصره، كما كان من كبار الكتاب والخطباء والمترجمين. كان عضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق [1] وكان يجيد الفرنسية والإنجليزية كما كان له المام بلغات أخرى كالإيطالية واللاتينية والهيروغليفية.
نشأته وتعليمه
محمد لطفي جمعة وعمره 9 سنوات
جامعة ليون
ولد محمد لطفي جمعة بالإسكندرية بحي كوم الدكة في يوم 18 يناير سنة 1886م لوالدين من الطبقة الوسطى وقامت بإرضاعه السيدة ملوك بنت عيد والدة الشيخ سيد درويش فأصبح بذلك أخاً لسيد درويش في الرضاعة. انتقلت أسرته إلى مدينة طنطا حيث التحق بمدرسة الأقباط بها ثم انتقل إلى المدرسة الأميرية من عام 1896م إلى عام 1900م ونال منها على الشهادة الابتدائية ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بالمدرسة الخديوية الثانوية في درب الجماميز حيث أنهى تعليمه الثانوي. في عام 1903م توفيت والدته وسافر إلى بيروت حيث التحق بالكلية الأمريكية لدراسة الفلسفة ثم عاد إلى مصر لينال إجازة مدرسة المعلمين في عام 1904م. حصل على شهادة البكالوريا في عام 1907م التحق بمدرسة الحقوق الخديوية في عام 1908 إلا أنه فصل منها إثر إلقائه خطبة في الذكرى الأربعين لوفاه مصطفى كامل أغضبت إدارة المدرسة وطلبت منه على أثرها الانسحاب من صفوفها فسافر إلى فرنسا والتحق بجامعة ليون في أبريل من عام 1908م (لعهد عميدها إدوارد لامبير الحقوقي الفرنسي الشهير وأستاذ القانون المقارن والذي كان يشغل قبل ذلك منصب عميد مدرسة الحقوق الخديوية حتى عام 1906) وأحرز إجازة الحقوق في سنة 1910م. ثم اجتاز امتحان المعادلة في عام 1912 وقيد بجداول المحامين ثم سافر إلى فرنسا ثانيةً للحصول على الدكتوراه من كلية الحقوق بليون في نهاية عام 1912 وعاد إلى القاهرة ليبدأ العمل بالمحاماة.
عمل محمد لطفي جمعة بالتدريس في فترتين من حياته، الأولى فور حصوله على إجازة مدرسة المعلمين في 1904 وهي فترة دامت قرابة ثلاث سنوات (1904-1907) فعين مدرساً بمدرسة القربية الابتدائية ثم مدرسة حلوان الابتدائية وكان من تلامذته عبد الرحمن عزام وعبد الرحمن الساوي وأولاد إدريس راغب وأولاد عمر لطفي وقد اجتمع ببعضهم لاحقاً في أوروبا واحتفظ بعلاقته بهم طوال حياته.
الفترة الثانية في عام 1917م – وكان قد أكمل دراساته في فرنسا – عندما قام بتدريس مادة القانون الجنائي في قسم الحقوق بالجامعة المصرية وقد طبع محاضراته بها في كتاب «مقدمة قانون العقوبات ومبادئ العلوم الجنائية»
لتقى بمصطفى كامل ومحمد فريد أثناء عطلة امضاها بمدينة لوزان بسويسرا عام 1906 فتأكدت بينهم صداقة متينة أدت إلى انضمامه للحزب الوطني لاقتناعه أن مؤسسه على حق.
العمل في الصحافة
عمل محرراً في جريدة الظاهر المملوكة لمحمد أبو شادي في عام 1905م إلا أن القاؤه لخطاب في يناير 1906 بمناسبة عيد جلوس الخديوي عباس حلمي الثاني شرح فيه سياسة الوفاق وانتقد استسلام القصر للاستعمار أغضب الخديوي عباس حلمي ففصل من الجريدة، فانتقل إلى جريدة اللواء وكان أجره جنيه واحد لكل مقال. وعمل مع مصطفى كامل في تحرير الجريدة ثم أنشأ مصطفى كامل جريدة Egyptian Standard وعينه محرراً لها مع تشارلز رودي ووليام مالوني.
مقالاته وآراؤه
استمر لطفي جمعة في كتابة المقالات والدراسات في شتى المجالات في معظم الدوريات مثل المقتبس، البيان، الأهرام، البلاغ، البلاغ الإسبوعي، المساء، مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، السياسة، الرابطة العربية، الأدب والفن بلندن، الكتاب، الزمان، وغيرها. وكان له عامود باسم لعل وعسى في البلاغ طوال حياته، فكتب آلاف المقالات في هذه الدوريات في الفترة من 1904 وحتى أواخر 1948 تاريخ بداية مرضه.
دعا في كتابه حياة الشرق 1932 إلى حوار الحضارات والتعاون بين الشعوب في مجال العمل بالعلم والثقافة وسيادة المحبة بين الأمم، ونادى بمجانية التعليم عندما قال في جريدة البلاغ في مايو سنة 1930: «هل يخطر ببال أحد في مصر أن ينادي بوجوب مجانبة التعليم الثانوي أو العالي» كما وضع أول قاموس مصري للغات السرية وأطلق عليها الملاحن «أي السيم» جامعا فيه نماذج من ملاحن المهن المختلفة. ونبه في روايته عائدة التي نشرت في حلقات بالبلاغ 1933 إلى قانون الأحوال الشخصية وتعزيز حياة الأسرة الإسلامية بعدم انفراد الزوج بالطلاق، وفصل هذا في مقال له بمجلة الرابطة العربية 1938 بوجوب التشريع لتقييد تعدد الزوجات، وأشار في البلاغ 1933 إلى أهمية إقامة نصب تذكاري للجندي المجهول، وطالب في الأهرام سنة 1923 بتخصيص قضاة للقضاء الجنائي وغيرهم للقضاء المدني، كما نادى سنة 1934 في البلاغ بتزيين قاعات المحاكم بالميزان رمز القضاء المدني والسيف رمز القضاء الجنائي دلالة على العدل، إلى جانب الآيات القرآنية بدلا من عبارة العدل أساس الملك، وسبق الكثير من المترجمين في ترجمة حكم الوزير المصري القديم بتاح حوتب 1912 وترجمة فصول من كتاب الواجب لجون سيمون 1912 وترجمة كتاب الأمير لميكيافيللي 1912 وترجمة مائدة أفلاطون 1920 وترجمة روضة الورد (الگلستان) للشاعر الفارسي سعدي الشيرازي 1912 وترجمة حكم نابليون 1912 وترجمة العديد من روايات كونان دويل في سلسلة مسامرات الشعب. كما أنه أول من نادي بإنشاء نقابة للمسرحيين 1916 ودعا على صفحات المقطم 1916 إلى إنشاء وزارة للفنون الجميلة، وطالب على صفحات البلاغ بإنشاء متحف اجتماعي على غرار المتاحف الاجتماعية في أوروبا.
مؤتمر الشبيبة المصرية – جنيف 1909
سافر لطفي جمعة إلى فرنسا ليلتحق بكلية الحقوق بجامعة ليون عقب فصله من مدرسة الحقوق الخديوية إلا أنه لم ينقطع عن العمل السياسي أثناء إقامته بفرنسا فشارك في مؤتمر الشبيبة المصرية والمؤتمر الوطني المصري واللذان انعقدا في جنيف وبروكسل على التوالي في عامي 1909 و 1910 وهناك شارك إلى جانب محمد فريد وأحمد لطفي السيد وآخرون في عرض القضية المصرية ورغبة مصر في الحرية والاستقلال وقد كان للطفي جمعة حضوراً قوياً في مؤتمر الشبيبة المصرية الذي انعقد في جنيف في سبتمبر سنة 1909 والذي شارك فيه الحزب الوطني برئاسة محمد فريد.
وفي أثناء التحضير لمؤتمر الشبيبة المصرية في جنيف توجه لطفي جمعة إلى بريطانيا ليلتقي بصديقه حامد العلايلي والذي كان يدرس بجامعة أكسفورد وقاما بزيارة الشاعر الإنجليزي والمفكر السياسي ويلفرد سكوين بلنت والذي عرف بمعارضته للإمبريالية البريطانية ومساندته لعرابي إبان الثورة العرابية وعرف أيضاً بارتياد مجالس الشيخ محمد عبده وكان محمد عبده يقول عنه أنه «مجرد نبيل إنكليزي مخلص لمصر وللعرب والإسلام والإنسانية». وقضيا ليلتهم في مزرعته وتركا المنزل في الصباح تفادياً لمقابلة ونستون تشرشل الذي كان في طريقه لزيارة بلنت ولم يجدوا نفعاً من مقابلته وذلك لموقف تشرشل المعروف بتأييده للاستعمار الإنجليزي في مصر والهند.
دامت علاقة لطفي جمعة ببلنت طوال حياة بلنت وقد تأثر به لطفي جمعة كثيراً ودون في مذكراته محاوراته مع بلنت وآراءه حول مختلف القضايا الوطنية. كما دون بلنت الكثير من مراسلاته مع لطفي جمعة. ويوجد في أرشيف مكتب بريد وست سسيكس في إنجلترا سجل ب-203 خطاب متبادل بين لطفي جمعة وبلنت
بحلول عام 1910 رفضت السلطات الفرنسية إقامة المؤتمر الوطني المصري على أراضيها خوفاً من إغضاب بريطانيا وذلك حين استدعى ارستيد برياند رئيس وزراء فرنسا ووزير داخليتها آن ذاك كلاً من محمد فريد ومحمد لطفي جمعة وحامد العلايلي في مكتبه ليبلغهم رغبة فرنسا في عدم انعقاد المؤتمر على أراضيها واقترح عقد المؤتمر في سويسرا أو في لوكسمبورغ، فانعقد المؤتمر الوطني المصري في بروكسل من ذات العام وقد دونت أعمال المؤتمر الوطني المصري في بروكسل في كتاب: Œuvres du congrès national égyptien tenu a Bruxelles le 22, 23 et 24 septembre، Bruges, 1911, كما نشرت مجلة الطليعة الترجمة الكاملة للجلسات في إبريل، مايو، يونيو من عام 1969.
المناضلين الهنود في المنفى
غاندي
أثناء التحضير للمؤتمر الوطني المصري التقى لطفي جمعة بعدد من الوطنيين الهنود والمهتمين بقضية التحرر من الاستعمار البريطاني وكان منهم: فينياك دامودر سفاركار وفرندرناث شدوباذايايا وهار ديال وشيامجي كريشنا فارما وبهيكيجي كاما وقد دوّن في مذكراته حواراته المختلفة مع العديد منهم وذلك أن كلا مصر والهند كانتا تحت الاحتلال البريطاني مما استدعى وقوف الثوار الهنود في المنفى بجانب الوطنين المصريين.
لقاء غاندي
ظل لطفي جمعة مهتماً بالشأن الهندي متمنياً تحرر الهند واستقلاله حتى التقى في السابع من سبتمبر من عام 1931 بالزعيم الهندي مهاتما غاندي على ظهر سفينة الركاب البريطانية إس إس راجبوتانا في ميناء بور سعيد حيث كان غاندي متوجهاً إلى لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة الثاني ودام اللقاء بينهما ثمانية ساعات:
فور عودته من فرنسا في عام 1912 بادر لطفي جمعة بإدراج اسمه في جداول المشتغلين بالمحاماة وأسس مكتباً بالقاهرة وفي عام 1915 تم قبوله للترافع أمام محكمة الاستئناف العليا ثم تم تقييد اسمه بجداول المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض في عام 1935. كان لطفي جمعة «ملء السمع والبصر» في حياته واشتهر بتفضيله القضايا الجنائية على القضايا المدنية وقد ترافع لطفي جمعة في مجموعة من أشهر القضايا التي عرفها المجتمع المصري آن ذاك ومنها قضية مقتل السردار لي ستاك وقضية القنابل في عام 1932 وقضية مقتل أمين عثمان مترافعاً بين آخرين عن أحمد وسيم خالد ومحمد أنور السادات.
قضية مقتل أمين عثمان
كان أمين عثمان رئيساً لرابطة النهضة، وفي يوم الحادث سنة 1946 حضر إلى دار الرابطة التي تضم نادى فيكتوريا والرابطة حيث أُطلق عليه الرصاص في مدخل المبنى فلقى مصرعه، وكان من بين من زج بهم في الاتهام الرئيس الراحل محمد أنور السادات ومحمد إبراهيم كامل وزير الخارجية الأسبق وأحمد وسيم خالد نجل محمد خالد صاحب جريدة الدستور، وحسين توفيق ومصطفى كمال حبيشة وغيرهم، وكان من بين الاتهامات الموجهة إلى جميع المتهمين الاشتراك والاتفاق الجنائى بأن توافقوا خلال السنوات من 1944 إلى 1946 على قتل رجال الجيش البريطانى. ومن أحداث هذه القضية التي سجلها لطفى جمعه ما كتبه في مذكراته يوم 16 إبريل سنة 1947 عن امتناع المتهمين عن دخول القفص بقاعة الجلسة
تتلمذ محمد لطفي جمعة على يد الشيخ طنطاوي جوهري في المدرسة الخديوية الثانوية، ثم اتصل بالشيخ محمد عبده فكان ذلك سبباً في اهتمامه بالفلسفة الإسلامية وتاريخها ورجالها فكتب أكثر من كتاب بين مطبوع ومخطوط في الفلسفة الإسلامية وعلوم التصوف الإسلامي كما صاحب عدد من مشاهير المتصوفين في عصره وأرخ لهم وسجل أحوالهم وأورادهم. من بين هذه المؤلفات “تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب “، ترجمة حياة “الشيخ الصوفي محمد عبد السلام”، “خيار الأخيار في ترجمة خلاصة الصوفية (مخطوط)”. كما كتب في السيرة النبوية “ثورة الإسلام وبطل الانبياء أبو القاسم محمد بن عبد الله” وكتابه الشهير “الشهاب الراصد” في نقد كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين وكتب تفسيراً للقران هو “نظرات عصرية في القران الكريم”، ودوّن رحلته للحج في كتاب تركه مخطوطاً ثم طبع عام وهو “الأيام المبرورة في البقاع المقدسة: رحلة الحج والزيارة على عهد الملك عبد العزيز آل سعود “.
الشهاب الراصد
طه حسين
زار وفد من علماء الأزهر من بينهم يوسف الدجوي والشيخ عبد ربه مفتاح رئيس قسم الوعظ والإرشاد في الأزهر آن ذاك وغيرهم محمد لطفي جمعة في شهر يونيه سنة 1926م طالبين رفع دعوى قضائية على الدكتور طه حسين لما كتبه في كتاب «في الشعر الجاهلي»، وعرضوا عليه الكتاب فرفض الأتعاب وصمم على تأليف كتاب في الرد على طه حسين وكان هذا الكتاب هو الشهاب الراصد الذي نشر في 15 نوفمبر عام 1926.
وقد أعان لطفي جمعة في كتابه دراسته المستفيضة للفلسفة وخاصةً مذهب ديكارت الذي لجأ إليه طه حسين في كتابه ليشكك في الشعر الجاهلي ويدعي أنه منحول، كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين وزاد طه حسين فنال من الإسلام والقرآن. فأوضح لطفي جمعة في الشهاب الراصد أن منهج ديكارت لـم يكن منهج شـكٍّ للشـك ذاته؛ إنما كان لإثبات اليقين. وأن طه حسين أفـرط في أهوائه، ولم يكن منهجيًا في بحثه إنما كان يتجنـّى على الشعراء، فيزعم أنّ بعضهم ضاع ذكره، والآخر ألفاظه سهلة، والآخر ألفاظه قاسية وينكر كما يشاء ويظن كما يشاء فليس من صفات الباحث العلمي أن يشكك لأجل الشك نفسه. وقد ساق الكثير من الحجج التي دحضـت منطق طه حسين تستند إلى أسـس علمية وتاريخية وكان واحد من كثيرين تصدوا لطه حسين ومنهم مصطفى صادق الرافعي والخضر حسين.
وفاته
توفي محمد لطفي جمعة بعد إصابته بجلطة دماغية مرض على أثرها مرضاً طويلاً ثم فارق الحياة متأثراً بمضاعفاتها في يوم 15 يونيو 1953م ودفن بالقاهرة.!!
Discussion about this post