مختارات ..
=-=-=-=-=
العنف Violance ..
د.علي أحمد جديد
العنف هو سلوك عدوانيّ غير لائق يقوم به شخص ما بالاعتداء على الآخرين بطريقة مؤذية ، وكما يمكن تعريفه أيضاً باستغلال قوّته الجسديّة ضد الآخرين أو إجبار الطرف الآخر على القيام بعمل ما، وتكون نتيجته سلبية للطرف المجبَر على الفعل، ممايسبّب له آلاماً نفسيّة أوجسدية . وكذلك هو الاعتداء على الممتلكات الخاصّة بالآخرين كأسلوب للضغط أو للتأثير عليهم في سبيل تحقيق مصلحة خاصة . ويتّخذ العنف صوراً كثيرة ومتعددة ولا تقتصر على صورة واحدة أو على أسلوب واحد فقط . وقد يأخذ العنف صورة سلوك عدواني متعمَّد يُلحق الضرر بالطرف المُعتدى عليه ، وينجم عنه أضرار جسديّة و قد يفضي إلى الوفاة في بعض الحالات . ومن صور الإيذاء البدني الضرب المبرح ، الحرق ، الخنق ، والحبس ، ويكون ذلك من قبل أشخاص ذوي قوّة وسيطرة على الطرف الضعيف ، كالوالدين على أبنائهما أو الزوج على زوجته ، أو غرباء عن الطفل على الطفل ذاته .
ويؤثر هذا النوع من العنف بالحالة النفسيّة للشخص ، ويكون ذلك بصورة حرب نفسيّة على الآخرين . كما يُطلق عليه اسم (الإيذاء العاطفيّ) ، بصورة التهديد أوالتخويف أو الإيذاء اللفظي ، أو جرح المشاعر والمعايرة بعيب او نقيصة أوالشتم وغيرها من أساليب العنف النفسي حيث يترك هذا النوع من العنف أثراً سلبيّاً في نفس الشخص المقصود بالعنف . كما يُعتبر الحرمان من الحنان والمحبة نوع من العنف النفسي .
ويُعرف كذلك بالاعتداء الجنسي المباشر (الاغتصاب) أو غير المباشر ، ويكون بصورة اتصال جنسيّ إجباري ، أو بالتحايل ، أو الإيقاع بالطرف المقصود وإلحاق الأذى الجنسي به ، وغالباً ماتكون الفئة المستهدفة في هذا النوع من الإيذاء هي الأطفال أو الفتيات ، ويكون عادة من أشخاص أكبر سناً من المعتدى عليهم هدفهم الوصول إلى الإشباع الجنسي . ويمكن أن تسميته أيضاً بالاستغلال الجنسي ، أو التحرش الجنسي ، أو الاغتصاب ، وهناك احتماليّة أن يكون هذا النوع من قِبل أحد الوالدين لأطفالهما في بعض الحالات .
يتصفُ العُنفُ بكل انواعه وصورِه بالشِدَّةِ والقَسوة لأن العُنفَ في طبيعته ضِدُّ الرِّفقِ واللين . وتتفرّع عنهُ أنواعٌ ومَظاهرٌ متِّعدِّدةٌ كالعنفِ العقدي ، والعِلمي ، والفِكري ، وهو مايؤدي إلى الغلوّ والتطرُّف وإلى كل سُلوك أو تصرُّفٍ ينتج عنه الأذى أو يهدِف إليه ، وقد ينتُج عنهُ تعنيفُ الآخرينَ بأذىً جسدي ّ، أو نفسي ّ، أو لفظي ، أو استهزاء ، أو فرض رأيٍ محدد . ولا يَقتَصرُ العنف كسلوكٍ أو كظاهرةٍ على زمنٍ بِحدِّ ذاته أو على مكان بعينه أو عرقٍ أو ديانة أو مذهب ، بل إنَّ أسبابهُ ودواعيهِ المُتنوِّعةٌ والمُتعدِّدةٌ تَظهرُ وتتطوَّرُ في مختلف الحضارات والأزمنة .
وقد كانَ ظُهورُ العنفِ سبَّاقاً منذ النَّشأةِ الأولى للحياةِ البشريَّةِ على وجهِ الأرض ، وكانَ من مظاهرهِ الأولى سفكُ الدِّماءِ وقتلُ النَّفس ، والشَّاهد فيهِ على ذلك سابقة قَتلِ (قابيلَ أو قايين) لأخيه (هابيل) بداعي الحَسد وضيقِ العين ، فَحَضَر السببُ وفَسَّرَ السُّلوك . ومع ازدياد البشريَّة تعداداً وتنوُّعاً أصبحَ العنفُ واحداً من سِماتِ المجتمعات على الصَّعيدِ الفرديِّ أو المجتمعي . وفي التاريخ شواهد عديدة تَعرِضُ تسلُّطَ الطَّبقاتِ داخِل المجتمعِ الواحد أو اعتداء مجتمعٍ على آخر ، ولكلِّ حالةٍ أسبابُها ودواعيها ، ويُمكن إختصار أسبابِ العنفِ في مايلي :
– العوامل الذاتية المُسبّبة للعنف :
وتنشأ هذه العوامل من شخصيَّةِ الفرد ومن ذاتِه وهي انعاكساتٌ لتفاعلاتِ الذات البشريَّةِ ولمكوّناتها من تراكمُ الشعور بالإحباطِ، وتدنّي مستوى ثقة الفرد بنفسه ، أو عجزُ الفردِ عن مواجهةِ مشاكِله وحلِّها والتخلُّص منها . وكذلك انفعالاتِ المراحل العمريَّة ، وانعكاسات البلوغ والمراهقة . ونزعةُ التحرُّرِ من السُّلطة أوالرغبة في الاستقلالية وتحمّل المسؤوليَّة . بالإضافة إلى ضعف مهارات التواصل ، وبناء العلاقات الاجتماعيَّة ، واضطرابات الشخصيّة الانفعالية والنفسيَّة المتمثلة في
عقدة النَّقصِ والشعورِ بالحرمانِ العاطفي والفشل وضعفُ الوازع الأخلاقي و الديني وإدمانُ المخدِّرات ، أو الانانيَّةُ والكِبر ، وعدمُ القدرة على ضبط الدوافع العدوانيَّة .
– عامل الأسرة والمدرسة والمجتمع :
وتمثّلُ هذه المؤسساتُ الثلاثةُ دوائرَ الفردِ في مراحلَ نشأته ، إذ يبدأ تكوينُ الشخصيَّة في البيئة الأسريَّةِ المسؤولةِ عن بناء الفرد الجسمي ، والعقلي ، والوجداني ، والأخلاقي ، والنفسي ، والاجتماعي ، لتكونَ الأسرةُ بذلك حَجر الأساس وينبوع الرَّفدِ الأولِ والأهم . ثمّ يَنتقل بعد ذلك لِصقلِ بنائه وذاته خلال مَرحلةِ المدرسةِ التي تَدعم بناءَه الاجتماعيّ والنفسي ليبدأ تفاعله التواصلي في المُجتمعِ فيَعظم ويتوسَّعُ أوّلاً بأوَّل ليصنعَ روابطهُ المكانيَّةِ المتعلِّقةِ بالسَّكنِ والحي ، ودعائمه السلوكية والاجتماعيَّة المتمثِّلةِ بمجتمع الزملاء الرفاق وتكوين الأصدقاء، وتتسبَّبُ هذه الدوائر بتشكيلِ سلوكِ العنف عند الفردِ لأسبابٍ عديدة منها :
= تفكُّك الأسرةِ وضعفِ روابطها ، ووهو ماينتج عنه ضعفُ المُتابعة الأسريَّة لسلوك الأفراد وتردِّي الوضع الاقتصادي للأسرة .
= غيابُ دورِ الموجِّهِ والمرشد ، واقتصارُ الدَّورِ على اللومِ المستمر .
= غيابُ القدوةِ الحسنة وانعدامُ الثقةِ بالمربّين والمُعلّمين .
= طبيعةُ المُجتمع المدرسيِّ وضعف إمكاناتِه التربوية والماديَّةِ وتجهيزاتِه .
= تركيبةُ الحيِّ المُحيط بمنطقة السَّكن المتمثل بظهورِ الطبقيَّة ِ، والازدحام ، والعشوائيَّة ، وغيرها .
= التسرُّبُ من المدرسة والفشل في مُسايرة الرِّفاقِ، ونشوءُ الخلافاتِ بينهم .
وهنا يبرُزُ دورُ الإعلامِ في تنميَةِ ظاهرةِ العنف وتفشِّيها نتيجةَ الظُّهورِ المتكرِّر لمشاهد العنفِ بأنواعه وترويجها عبر البرامج التلفزيونيَّةِ والأعمالِ السينيمائيَّة كنوعٍ من الإثارةِ والتَّسلية ، لتظهر انعكاساتُ هذه المشاهدِ في شخصيَّاتِ المُراهقينَ وسلوكياتهم ، إذ تتشرَبُ أفكارهم كدافع لتقليد هذه المشاهد وتُصبحَ واقعاً في حياتهم العمليَّة . وكذلك مُبالَغةُ الإعلامِ في تصويرِ العنفِ كَسلوكٍ مثيرٍ ومَقبول ، وترويج المجرمينَ كأفرادٍ خارقين يقومون بعمليَّاتٍ بطوليَّةٍ غير مسبوقة ، وتكرارُ ظهورِ العنف في الدراما والبرامج الإعلاميَّة يَنزعُ من الفرد المتلقي طابع الخطورةِ والأذى ، ويصبحَ على المدى الطويل وسيلةً مقبولةً لدى الأفراد في مُواجهة المواقف والصّراعات ، وتقليد السُّلوكِ وانتشارِ الجريمة .
وللفقرِ والبطالة التأثير الكبيرِ في انتشارِ العنفِ وتفشِّيهِ كثقافةٍ فيما تَحمِلهُ هذه الأحوالُ من آثارٍ سلبيَّةٍ في أفرادِها ، إذ تؤدّي البطالة والفقرُ إلى ظهور أمراضٍ نفسيَّةٍ مُزمنة كالاكتئابِ ، واليأس ، والعزلة ، وتَنتج عن تفاعلِ هذه الظروفِ والحالات العدوانيَّةِ في بناء الميول الشخصية للأفرادِ .
وتُشيرُ منظّمة الصحَّة العالميَةِ في تحقيقاتها الخاصة بالإصابات والعنف لعام 2008م إلى أنَّ عددَ الوفيّاتِ الناتجة عن العنفِ في العالَمِ تتجاوز خمسة ملايينَ نسمة سنوياً أي بمعدَّلٍ يقاربُ نسبةَ 9% تسعٍ في المائةِ بين الشباب .
Discussion about this post