مختارات ..
=-=-=-=-=
الكابوس Nightmare ..
د.علي أحمد جديد
(الكابوس) هو حلم ثقيل يشعر خلاله النائم بالخوف والذعر ، وفي الغالب يستطيع النائم تذكر مشاهد الكابوس الذي أخافه . وتحدث الكوابيس خلال فترات التوتر الشديد والإرهاق أو بسبب الاضطرابات في النوم . وتبدو بعض الكوابيس حقيقية بالنسبة للأطفال حتى بعد استيقاظهم من النوم .
ويتفق الباحثون في علم النوم والأحلام بأن الكابوس حلم مزعج جداً يحدث خلال (مرحلة الحلم المعروفة باسم “النوم في مرحلة العين السريعة” ويرمز لها اختصاراً (REM ) ومعظم الناس يدخلون هذه المرحلة من النوم أحياناً بعد 90 دقيقة من نومهم ، بينما يحصل “الرعب النومي” في مرحلة النوم التي لا تحدث فيها حركة العين السريعة( ويرمز لها اختصارا NREM )، وهي المرحلة التي يدخلها النائم بعد ساعة من بدء النوم ، ويستمر “الرعب النومي” مابين 5 دقائق وقد يدوم لمدة 20 دقيقة أحياناً .
وعادة ما تترافق هذه الحالة مع أنواع معينة من الهلوسات البصرية والسمعية وحتى الحسية ، وتستمر نحودقيقتين ، ثم يعود المرء لمرحلة النوم العميق REM ، أو يصبح مستيقظاً تماماً .
ويصفها (د.غروهول) بقوله :
( إن الحالة لها صلة بوجود بطء في نقل السيالة العصبية أو عرقلة هذه السيالة الخاصة بوصلات الخلايا العصبية الحركية المسؤولة عن تحريك العضلات وأجزاء الجسم وهي الخلايا الموجودة في غشاء المخ ) .
ويتابع (د.غروهول) :
” هناك صلة واضحة بين الذين يعانون من شلل النوم والذين يعانون من “النوم القهري”(ميل مرضي للنوم لا يستطيع الإنسان التحكم فيه ويدفعه للنوم في أي وقت) .
الكابوس تجربة مقلقة بغض النظر عن العمر ، وقد يسبب الخوف في حال تكرره والقلق في ساعات اليقظة ، ويعاني عديد من الناس من الكابوس العرضي إذْ أن احتمالية حدوث الكوابيس المتكررة قليلة نوعاً ما ، أما إذا بدأت الأحلام المزعجة في التحول إلى أحلام مزمنة ومتكررة ، فإن ذلك يعني بأنّ صاحبها مصاب بحالة نفسية عرّفها الطب النفسي باسم (اضطراب الكابوس) .
ويمكن توضيح الاختلاف بين (الكابوس) وبين (اضطراب الكابوس) باستعراض ما يلي:
إن اضطراب الكوابيس يحدث عندما يعاني الشخص من كوابيس متكررة تتداخل مع نومه ومزاجه ، أو أنها تؤثر على أدائه في النهار ، وهذا الاضطراب معروف باسمه العلمي (باراسومنيا) . وتشمل الباراسومنيا أنواعاً من السلوكيات غير الطبيعية أثناء النوم .
كما يسمى اضطراب الكابوس باسم (قلق الحلم) ، هو نوع نادر من الاضطرابات المرتبطة بالنوم (باراسومنيا) التي تؤثر على حوالي 4% من البالغين ، وتسبب الضيق ومشاكل النوم ، وفي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية يتم وصف اضطراب الكوابيس بحالات متكررة من الأحلام الممتدة ، والمثيرة للأعصاب والتي يتم تذكرها بشكل دقيق و جيد ، كما قد تتضمن هذه الأحلام المعقدة والمقلقة مواقف حياة أو موت أو أحلام تهدد شعور الفرد بالأمان .
وتحدث الكوابيس من هذا النوع عادةً أثناء نوم حركة العين السريعة ، أي عندما تكون الأحلام أطول وأكثر وضوحاً واستعادة عند الاستيقاظ مما يسبب انزعاجاً شديداً للشخص ، ويشتت انتباهه في العمل ، ومع مرور الوقت ، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تأثير سلبي على المستوى الشخصي عاطفياً ونفسياً .
وقد توصل طب النوم إلى تعريف للكابوس أكثر صرامة من لغة حياتنا اليومية و يساعد هذا التعريف على التمييز بين الكوابيس وبين الأحلام السيئة مهما يتضمن كلاهما من أحلامٍ مزعجة . فالكابوس هو الذي يجعل الفرد يستيقظ من النوم، كما يكون في الكابوس أحلام قد تكون مُهدِّدة أو غريبة أو مزعجة .
وتظهر الكوابيس بشكل متكرر أكثر في النصف الثاني من الليل ، وذلك عندما يقضي النائم وقتاً أطول في نوم حركة العين السريعة ، وعند الاستيقاظ من الكابوس ، يكون الشخص مدركاً تماماً لما حدث معه في الحلم . ويشعر البعض بالضيق ، وقد تظهر عليهم بعض الأعراض الجسدية الطارئة ، كتغيّر معدل ضربات القلب أو التعرّق الشديد فور الاستيقاظ .
وقد صنف العلماء (اضطراب الكابوس) بحسب الحالات التالية :
1) – الاضطراب شبه الحاد :
وهو تكرار الكابوس لمدة شهر واحد أو أقل .
2) – الاضطراب الحاد :
وفيه تتكرر الكوابيس لمدة أطول من شهر واحد وأقل من 6 أشهر .
3) – الاضطراب المستمر :
وفيه تستمر الكوابيس لمدة 6 أشهر أو أكثر .
حسب الشدة
4) – الاضطراب الخفيف : وفيه يتعرض الفرد إلى أقل من كابوس واحد في الأسبوع بشكلٍ وسطي .
5) – الاضطراب المعتدل :
وفيه التعرض إلى كابوس واحد أو ثلاثة كوابيس على الأكثر في الأسبوع ، ولكن ليس ليلاً .
6) – الاضطراب الشديد : وفيه تحدث نوبات الكابوس كل ليلة .
وقد بيّن العلماء بعضاً من الأسباب التي تؤدي إلى (اضطراب الكابوس) :
*) – اضطراب ما بعد الصدمة :
لأنه من الممكن أن يكون اضطراب الكابوس مرتبطاً باضطراب الشخصية الحدية .
*) – التركيز على استعادة أحداث الكوابيس أثناء ساعات الاستيقاظ .
*) – ضعف الأداء في العمل أو في المدرسة أو في المواقف الاجتماعية .
*) – زيادة القلق والخوف أثناء ساعات الاستيقاظ .
*) – التعب الجسدي أثناء النهار .
*) – انخفاض الرفاه العاطفي والجسدي .
*) – صعوبة في التركيز .
*) – الخوف من النوم ليلاً .
وإن تحديد السبب يساعد كثيراً في العلاجات التي تشمل الخيارات التالية :
= العلاج الطبي :
وذلك في حالة كانت الكوابيس مرتبطة بحالة طبية أساسية .
= علاج التوتر أو القلق :
قد يقترح الطبيب أساليب للحد من التوتر ، ومنها اللجوء للعلاج بإشراف أخصائي الصحة العقلية .
=العلاج بالتخيل :
وغالباً ما تحدث الكوابيس مع أشخاص عانوا من اضطراب ما بعد الصدمة ، ومن الممكن استخدام العلاج التجريبي بالتخيل أو بالإيحاء ، حيث يتضمن تغيير النهاية في الكابوس الذي يتذكره المريض أثناء الاستيقاظ دون أن يمثل ذلك أي تهديد له ، ثم يتم تدريبه على إلى النهاية الجديدة في ذهنه لترسخ في عقله الباطن .
وهناك فرق كبير بين الكابوس واضطراب الكابوس وبين الجاثوم أو (الشيطانة القديمة Old Hag) .. وهوما تسميه العرب (الجاثوم) لأنه يجثم على صدر النائم ويخنق أنفاسه ويمنعه من الحركة أو النهوض . وقد ذكره “ابن منظور” في كتاب (لسان العرب) :
“الجاثوم هو الكابوس الذي يجثم على صدر النائم في الليل” .
وقال عنه بعض اللغويين بأنه يدعى (الباروك ، من فعل بَرَك) .. كما قال عنه (ابن سينا) :
“يسمى الخانق والجاثوم والنيدلان ، وهو خيال ثقيل يقع فوق صدر النائم ويمنع حركته ويكون مقدمة للصرع أو السكتة” .
ويعتقد كثيرٌ من العامة أن الجاثوم شيطان يخنق النيام ، أو أنه جنّي يسلّطه السحرة ، أو مَلَك يأخذ أرواح النيام .
ولكن الحقيقة هي أن الجاثوم (شلل لا إرادي) يحدث أثناء النوم ويمنع صاحبه من الكلام ومن القدرة على تحريك جسده وأطرافه .
ومن أسبابه استيقاظ النائم خلال فترة الأحلام التي تكون فيها عضلاته كالمشلولة أوالمخدرة بالكامل .. ورغم أن (الشلل) أمر طبيعي (كي لا ينفذ النائم الأحداث التي يراها في الحلم) ولكن في حال فتح عينيه أثناء حلمه بالكوابيس (وكان جسده مايزال مخدرا بالكامل) يتخيل بأنه يرى أحداثاً حقيقية وشياطين تجثم على صدره بسبب عجزه عن الحركة .
أي أن سبب الجاثوم الأساسي هو عدم انتهاء حالة الخدر العضلي في موعد الاستيقاظ الفعلي .. وهي حالة تتسبب بالفزع والشعور بالاختناق وعدم القدرة على الحركة وتترافق أحياناً بسماع أصوات مخيفة لايسمعها إلا من يكون في هذه الحالة .
ويكون استمرار حالة الشلل العضلي لأسباب كثيرة أهمها اضطراب مواعيد النوم ، أوتناول بعض الأدوية النفسية والمنومة ، أوالحرمان من النوم لفترة طويلة وكذلك النوم الدائم بالاستلقاء على الظهر .
ورغم أن معظم الأطباء لايجزمون بوجود مخاطر حقيقية للجاثوم ، إلا أن فرضية حديثة باتت تربطه بظاهرة الموت المفاجئ بفعل الكوابيس أو NIGHTMARE DEATH SYNDROME .
و يعتقد الكثير من الشعوب بأسطورة أن الجاثوم كائن شرير يسرق أرواح الناس أثناء نومهم .. ففي لاوس وفيتنام مثلاً يؤمن الناس بأن الوفيات التي تحدث أثناء النوم تحدث بسبب شيطانة تسرق الأرواح تدعى “تسوب” ، وفي حال كان المتوفى شاباً وسيماً تدعى “داب تسوام” أو روح امرأة غيورة .. وكان الأطباء قد لاحظوا ارتفاع حالات الوفاة أثناء النوم بين شباب (الهامونج) اللاجئين إلى أميركا (وهي قبيلة تنتشر في فيتنام ولاوس وكانت حليفة للولايات المتحدة الأمريكية خلال حرب فيتنام) . وفي حين كان (الهامونج) على قناعة بأن روح امرأة غيورة تخطف أرواح الشباب كي تقترن بهم في العالم الآخر ، رأى الأطباء النفسيون أن هذه الوفيات تحدث بسبب كوابيس شديدة نجمت عن ذكريات الحرب لدى من كانوا أطفالاً في ذلك الوقت لدرجة أوقفت قلوبهم عن العمل أثناء النوم .
وهنا لابد من الإشارة إلى :
أولاً : أن الجاثوم حالة لا يسلم منها أحد ، وقد يمر بمعظمنا مرة أو مرتين في العام ..
ثانيا : أنه من أنجع علاجاتها إدراك السبب الحقيقي وراء حدوثها (وبأنها ليست شيطاناً أو عفريتاً يسرق الأرواح) . لأن وعي الشخص بأسباب الجاثوم يخفف من تكرار حدوثه ومن حدّة الفزع التي تصاحبه عند وقوعه .
Discussion about this post