في مثل هذا اليوم29 يناير1952م..
الملك فاروق يقيل حكومة مصطفى النحاس باشا بعد حريق القاهرة.
مصطفى النحاس أبرز زعماء حركات الاستقلال الوطنى ذات التوجه الديمقراطى التى ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى، كما أنه استطاع خلال مسيرته السياسية امتلاك جماهيرية وشعبية جارفة، حيث أنه خلال مشواره السياسى قدم نموذجًا للتمسك بالمبادئ والصمود أمام الأزمات، وفى مثل هذا اليوم 29 يناير من عام 1952م، الملك فاروق يقيل حكومة مصطفى النحاس باشا بعد حريق القاهرة..
تقلد رئاسة الوزراء فى عهد الدولة الملكية، وأكمل المسيرة التى بدأها زعيم الأمة سعد زعلول فى تولى أمور المصريين، وأصبح زعيما لحزب الوفد بعد وفاته عام 1927، واستطاع أن يلعب دورًا واضحًا فى السياسية المصرية لمدة نصف قرن، كما أنه الزعيم الراحل مصطفى النحاس أول من منع اختلاط الدين بالسياسة وحذر من الإخوان، والذى ظل ثابتا على مواقفه فى الدفاع عن مصر ودستورها، وكرامة شعبها.
يعد واحدا من جيل السياسيين المصريين الذين دافعوا عن مصر من احتلال غاشم لايرضى لها بالعزة والكرامة، هذا الوطنى الذى قطع أجازته بعد أول يوم فيها ويعود ليهنئ بقيام الثورة عام 1952 فى مبنى قيادة الجيش بعد منتصف الليل، فيلاقيه الرئيس محمد نجيب معانقا متحمسًا.
كان النحاس بحسه الوطنى العالى يمتلك شعورًا عدائيًا للإحتلال البريطانى لمصر ، كما كان مؤيدا لفكر الحزب الوطنى، ومتأثرا هو وأصدقائه بالمبادئ التى انتشرت بعد الحرب العالمية الأولى والتى تدعو بحق الشعوب الصغيرة فى تقرير مصيرها، مما شغله بالتفكير فى طرق وأساليب لإيصال صوت مصر للعالم، حسب ما ذكر وقع الهيئة العامة للاستعلامات.
كان سعد زغلول يكن كثيرا من الإحترام لشخص النحاس كقاضى وطنى شجاع ونابغة فى مجاله، وعندما ذهب النحاس للتواصل مع عبد العزيز فهمى أحد المقربين من سعد زعلول، ليقنعه باستعداده للعمل تحت قيادة سعد زغلول، وكان سعد يسعى لتشكيل حزب الوفد، فضم مصطفى النحاس كأحد أعضاء الحزب الوطنى الأكثر موضوعية ووعيا، كما اختار مصطفى النحاس وحافظ عفيفى فى 20 نوفمبر 1918 ضمن أعضاء الوفد السبعة.
أظهر الزعيم مصطفى النحاس دورا وطنيا فريدا فى دعم ثورة 1919 ، حيث نظم مع عبد العزيز فهمى إضراب المحامين، وكذلك كان الوسيط بين لجنة الموظفين بالقاهرة واللجنة فى طنطا، فكان يحمل المنشورات داخل ملابسه ويقوم بتوزيعها هو ومجموعته على أفراد الشعب ، ونتيجة لنشاطه السياسى الوطنى تم فصله من منصبه كقاض .
كما شارك مصطفى النحاس فى أول حكومة وفدية تشكلت بناء على نتيجة أول انتخابات برلمانية أجريت على أساس دستور 1923، فى 28 يناير 1924 برئاسة سعد زغلول، وتولى مصطفى النحاس فيها وزارة المواصلات، لكن الوزارة لم تكمل العام واستقالت فى نوفمبر 1924 احتجاجا على العقوبات التى فرضتها بريطانيا على مصر بعد اغتيال السردار “لى ستاك”.
عقب وفاة الزعيم سعد زغلول أصبح النحاس رئيسا لحزب الوفد ورئيسا للبرلمان، وبموافقة غالبية الأعضاء مستكملا مسيرة زعيمه وملهمه الروحى، وتولى مصطفى النحاس رئاسة الوزارة سبع مرات، وكانت تلك السنوات من أهم سنوات الحركة الوطنية المصرية فى العقود الثلاثة بين عامى ثورتى 1919 و1952.
فى هذه السنوات قليلة العدد قدمت الحكومات الوفدية أهم مشروعات القوانين إلى مجلس النواب منها قوانين العمال وعقود العمل ومجانية التعليم ، وعندما اشتعلت المواجهات فى فلسطين بين عامى 1936 و1939 أسس النحاس اللجنة العربية العليا وقام بزيارة القدس، كما يحسب له دوره فى إبرام المعاهدة المصرية الإنجليزية عام 1936 قبل انطلاق شرارة الحرب العالمية الثانية وكذلك عبقريته فى اختيار توقيت إلغاء هذه المعاهدة فى أكتوبر عام 1951 معلنا بذلك قطع كل علاقة مع المحتل والدعوة إلى مواجهته شعبيا وعسكريا فى منطقة القناة .
عاش النحاس معظم حياته معارضاً، من أجل الدفاع عن مصالح الشعب المصرى بكل طوائفه، فبرغم كل هذه الوزارات وكل هذا السلطان كان يعود بعد أشهر قليلة من الحكم إلى صفوف الجماهير، مناضلاً ومكافحاً من أجل الحرية والديمقراطية.
فى السابع من أكتوبر 1944 كانت الخطوة الكبيرة بالتوقيع على ما يعرف بـ بروتوكول الإسكندرية من قبل رؤساء حكومات الدول العربية ، وقد أقيمت مراسم التوقيع على الوثيقة بمقر إدارة جامعة فاروق الأول فى ذلك الوقت (جامعة الإسكندرية حاليا)، وأعقب ذلك 16 اجتماعاً بدار وزارة الخارجية المصرية بالإسكندرية، بدعم مصرى خالص ليتم التوقيع على صيغة ميثاق الجامعة فى مارس 1945 بالقاعة الرئيسية بقصر الزعفران بالقاهرة وبحضور الزعيم مصطفى النحاس .
ومع قيام ثورة 1952 ، اعتزل الزعيم الحياة السياسية مكتفيا بحياة عادية كمواطن مصرى قدم مصالح الجماهير على أى مصالح أو أغراض مادية، وتوفى فى منزله بجاردن سيتى 23 اغسطس 1965م وشيعت جنازته من مسجد الحسين بالقاهرة ، وكان الاستفتاء الشعبى الحقيقى على زعامة مصطفى النحاس يوم جنازته حيث وقف الشعب فى الوداع الأخير لزعيم أخلص لوطنه ولقضاياه.!!!
Discussion about this post