(للكاتبة حورية صالح قويدر)…. صرخة على الرصيف) هدوء مخيف يعم ارجاء المدينة،بعد أسبوع من تساقط القذائف، وصوت أزيز الصواريخ، وهتافات وتشييع جنازات، ودمار شامل، في كل مكان، هدوء مابعد العاصفة، أمضت نغم ليلة طويلة من أواخر أشهر حملها، ليلة وجع، ووهن، و ألم، لاتعرف ماهو؟ هل هو ألم المخاض، أم تلبك معوي، ام مغص، ام ماذا؟ لأنه كان أول مولود لها، وعند طلوع الشمس، قال لها زوجها هيا ياحبيبتي يجب أن تذهبي إلى الطبيب جهزي نفسك لنعرف أسباب الالم طوال الليل، قد يكون حان موعد الولادة، نغم لا ياحبيبي لا أريد أن أخرج من البيت سأتصل بوالدتي وهي تعرف بهذه الامور، لكن كريم أصرَ أن يأخذها إلى الطبيب، هًيِّ، هًيِّ، يانغم أنا سأساعدك لكي تبدلي ملابسك، نغم أنفجرت بالبكاء وقالت له:أرجوك ياكريم قلبي مقبوض وصدري لن ينشرح لهذا المشوار، وبعد ساعات من الحاحٍ كريم، وافقت نغم على مضد أن تذهب معه إلى الطبيب، رافقها زوجها إلى المشفى، لكي يطمئن على وضعها ووضع جنينها، كانت في اليوم العاشر من شهرها، نزلت من سلم البناية وخطواتها كخطوات طفل أول مشيه، وقدميها مكبلة بسلاسل حديدية، هذا ماشعرت به نغم، وصلت إلى الشارع وركبت سيارة الأجرة التاكسي، هي وزوجها كريم، وعندما انطلقت السيارة زاد قلقها وقبضة قلبها وخوفها من شيء مجهول،
الا أنها أصبحت تتنفس بصعوبة، حاول كريم ان يفتح نوافد السيارة لكي يتجدد الهواء، وتستعيد نغم قوتها، لكن دون جدوى وكأنها أصيبت بهبوط ضغط، سرعان ماطلب كريم من السائق، أن يركن سيارته على اليمين، فأدرك السائق خطورة الموقف، وحاول أن يقدم المساعدة ل كريم وزوجه، فأعطاه قارورة الماء، لكي تغسل وجهها وتصحى،
حاسب كريم السائق،
وجلسا الزوجين على كرسي مزدوج كان على قارعة الطريق، وكان قلق جدا على زوجه نغم، ويسألها طمنيني عنك ياحبيبتي، هل تحسنت، ردت عليه نغم الحمدالله أشعر بتحسن، إذا سأوقف تاكسي لنكمل مسيرنا إلى المشفى، نغم لا ياكريم دعنا نكمل إلى المشفى مشي لن يتبقى الكثير ونصل، قال لها كما تردين وترتاحين، لكن لايعلمون ماالذي ينتظرهم، هل ستلد نغم بخير سلامة، ام ماذا ام هو القدر المحتوم، الذي في انتظارهم
وبدأ كريم يتسامر مع زوجه نغم، عن أسم المولود الجديد، وعن مستقبله وحياته القادمة، ودار بين الزوجين مزاحاً لطيفاً كمداعبة في الكلام، كريم عندما يكبر ابني اريده أن يصبح ضابط بحري، لانني حلمت كثيراً أن أتعلم وأصبح قبطان سفينة، لكن أحلامي ستتحقق بأذن الله عندما يكبر أبني ويصبح شابا، نغم ابتسمت ابتسامة رقيقة وهادئه وردت، لا ياكريم، أنا لاأريد أبني أن يفارقني ويذهب بعيدا عني وخاصة أنني أكره البحر وأخشى الامتطاء على أمواجه، أنا أريد ان اعلم ابني حتى يصبح طبيب أطفال، وبعدها غصت الكلمات في حلقها، ونزلت دمعتين على وجنتيها، كحبات من المرجان، وأصبح لون وجهها كلون شقائق النعمان، عندها ربت كريم على كتفيها ومَسَحَ وجنتيها بلطف وأهتمام، وضمها بين ذراعيه بكل حب وعطف وحنان، نغم شعرت بالامان والاطمئنان واستمدت قوتها ونسيت ألمها وقلقها طوال ليلها، وكأنها تملك العالم في هذه اللحظات
لحظات من الدفئ والأستقرار، لكن اللحظات الجميلة والسعيدة تمر بسرعة، وعمرها قصير، وفجأة تمر شاحنة كبيرة محملة باكياس الأسمنت وتنفجر أمام مقعد الزوجين مما أدى بإنهاء حياتهما، وبمشيئة الله يبقى الجنين على قيد الحياة قطعة لحمة حمراء على حافة الرصيف، وتبدأ حياة الجنين بدهشة وأستغراب، وأسئلة كثيرة تدور في مخيلة المولود الذي يُتِمَ قبل أن تبدأ حياته، الطفل وهو مُلقى على الأرض
أول صرخة لي أحسست بها على الرصيف.
عندماكانت ترافقني كتلة بيضوية موصولة بحبل طويل.
كنت أتنفس أول شهيق لي في هذه الحياة التي إستغرقت خمسة دقائق فقط.
عندما أبصرت عيناي وجدت نفسي في عالم غريب ؟
عالم من الأنفجار والدخان وأصوات سيارات الأسعاف وسيارات الأطفاء ونهر من الدماء.
ورائحة تفوح من الجثث التي تشخص عيناها وتناجي باريها وتنتظر من يواريها تحت التراب.
ياإلهي ماهذا العالم الغريب !
أين عالمي الصغير؟
الذي أحتضنني تسعة شهور أين ملاذي الأمن ؟
أين لمسات والدي الحنونة التي كنت أحس بها عندما كانت تلامس بطن أمي.
هل قطعت أم حرقت أم باتت أشلاء على أغصان الأشجار؟
فعدت من جديد وأغمضت عيناي وكأنني في يوم الحشر أسمع صوت خطوات كبيرة وكثيرة تخطو من فوقي وتعدو بسرعة.
ولكن من الغريب أن لا أحد تعثربي وحملني من على الرصيف .
أين أنت يا أمي أين أنت يا ملاذي الأمن.وفي هذه اللحظات وإذا بقدم كبيرة تطأ عنقي وتخرج أنفاسي الأخيرة وأفارق الحياة وأرحل إلى مثواي الأخير حيث الملاذ الأمن…..
همسات (حور العين)
Discussion about this post