الإرهاب والأمّة .
بقلم الكاتب الاعلامي :
الدكتور أنور ساطع أصفري .
**************************************************************************
حينما نتحدثُ عن الإرهاب ، أو نتناولُ هكذا ملفّ ، علينا أن نكون أكثر
جرأة لنعترف بأن الإرهاب تسلل من بين أصابعنا ، ومن بيوتنا ومن مؤسساتنا
الإجتماعية ، لأننا كنّا فاشلين جداً وأغبياء في كل مناهجنا التربوية والثقافية والإعلامية والدينية حتّى والسياسية.
فنحن في هذا الزمن الرديء للأمة بأمسِ الحاجة إلى صحوةٍ وطنية ، إلى
صحوةٍ قومية ، وإلى صحوةٍ أخلاقية ، لأن أزمتنا من أساسها هي أزمة أخلاق.
كما أن أمامنا الكثير من المهام وعلى رأسها بذل كل الجهود من أجل تحصين
الأجيال القادمة بفكرٍ وطني وقومي نقي كي لا يكونوا لقمةً سائغةً أمام
الفكر الظلامي من أجل إستغلالهم ، كما لا بد من إعادة النظر وبشكلٍ جاد
في كل مناهجنا الدينية والفكرية والثقافية والإعلامية والتربوية ، وفي
الخطاب الديني بشكلٍ خاص ، الذي يجب أن يتم وضعه تحت المجهر .
فالإعلام المنحرف إستطاع أن يُمهّد الطريق أمام “الربيع العبري” وأمام
الإرهاب ، وأمام الأجنبي الذي قاموا بالإستنجاد به ضد الوطن والأمة .
رأينا ماذا فعل الإرهاب في تونس وفي ليبيا ، وماذا فعل في مصر ، وإرهاب
مجرم يُكمل فعلته في اليمن وسورية والعراق ، ودولٌ أخرى الآن قد يطرق بابها الإرهاب.
فمنذ بداية الأزمة العربية يقوم الإعلام الأسود بسياسة التضليل والتصعيد
على شاشات إعلامه من إعلامه المشين والخبير في صناعة الصور والفيديوها المفبركة التي يوزعونها وبسرعة البرق وبتضخيمٍ للأحداث من أجل كسب عطف الإعلام الدولي والمجتمع الدولي .
فجميعنا يذكر بناء مخيمات اللآجئين في الجنوب التركي من أجل الإستعداد
والتمهيد لإستقبال بعض السوريين الفارين من أجواء الحرب الإرهابية ، هذه
المخيمات تم بناؤها قبل ثلاثة أشهر من بدء الأحداث في سورية ، وهذا يؤكّد
أن كل الأمور كانت مسبقة الصنع وبتعتيم إعلامي.
وبكل تأكيد أن أي مؤامرة أو أي حربٍ يتم التحضير لها ، من الضروري أن
يكون هناك جانب إعلامي مُضلّل لترويج مجريات الأمور والتي يتم التخطيط
لها بشكلٍ مسبق وكما يبتغي المعتدي .
كلنا نتابع وبحرقة قلب الجريمة التي تُدار في الميدان اليمني ، ونتابع
صور البشر والحجر والدم والدمار والقتلى من الأطفال والنساء ، إنها صورٌ
مرعبة وتهزّ كل المشاعر الإنسانية . ولكن هذه الصور وحتى هذه الأخبار
تُقابل بتضليلٍ إعلامي وتعتيمٍ إعلامي من قبل أجهزة الإعلام الأسود ، لأن
مهمتهم فقط هي تسليط الأضواء على ما يشاء أسيادهم ومموليهم . إنها شواهدٌ على الساحة العربية نحتاجُ إلى مجلّدات لسردها وأرشفتها.
فلقد دخلت وبقوة وسائل الإتصال والإعلام كقوةٍ جديدة من القوى الأساسية
للدول ، تماماً مثل القوة العسكرية أو الاقتصادية ، والحرب الإعلامية
ليست حديثة ، فلقد نوّه إليها القادة الأمريكان في سبعينات القرن الماضي
وقالوا أن سبب خسارتهم الحرب في فييتنام يعود إلى سوء إستخدامهم لوسائل الإعلام ، وقالوا لا يمكنهم أن يكسبوا أي حربٍ مستقبلية دون أن يخوضوا حرباً إعلامية أولاً ، لذلك في عام 1980 تم إنشاء فضائية CNN لهذه
الغاية.
وهاهي سورية وللعام الثاني عشر على التوالي تستمر الحرب فيها التي أكلت الأخضر واليابس وشغلت العالم بأثره ، بعضهم مشاركاً في أوارها ، وبعضهم في تمويلها ، وآخرون ينشطون على حشد وزج جماعات القتل والذبح المترافقة مع صرخات “الله أكبر” واللذين جاؤوا بهم من كل أرجاء المعمورة بإعترافات المجتمع الدولي.
لذلك نستطيع أن نقول أن الحرب على الأمّة بكل معانيها ودلالاتها هي حربٌ ضالة مضللة ، قادها إعلام إقليمي ودولي حاقد . ولكن ليست المستهدفة هي دولة بعينها أو حكومتها ، حيث أن الأمور واضحة منذ البدايات ، فهي حرب كونية ومخطط مسبق الصنع لخلق شرق أوسط جديد يبدأ من إغتيال الدور أو الفكر الوطني والقومي وتهميشه ، وتفكيك المجتمعات على أسسٍ طائفية وعرقية ومذهبية لتبقى إسرائيل هي الفاعلة على الأرض متحكمة بمصير شعوبها.
لذلك نحن اليوم بحاجةٍ ماسّةٍ للمواجهة المكشوفة مع مرتزقة الإعلام
الأسود وتعرية أصحاب الكذب والتضليل ومشغّلي الفتن.
ووضع إستراتيجية إعلامية تخدم أهدافنا الوطنية والقومية ، لأن ذاكرة
التاريخ تؤشّر إلى أن الكثير من الحروب كانت نتاجاً إعلامياً . لذلك لا
بُدّ من إستقطاب كل القوى الوطنية والقومية وأصحاب الخبرة والتجربة
الإعلامية والسياسية بعيداً عن سياسة الإقصاء أو الإبعاد من أجل النجاح
في مواجهة تيار الفتنة الذي ينشط على الساحة العربية المترامية الأطراف .
Discussion about this post