هندسة بنية النص وهندسة الانشاءات
مقالة تنظيرية
بقلم المهندس الناقد / محمد البنا
…………………………
بما أنني مهندس ميكانيكا طيران، لمن لا يعرف ماهية هذا التخصص أقول له أنه تخصص يجمع بين هندستين مختلفتي التخصص وهما هندسة ميكانيكا قوى، وهندسة مدني انشاءات ليضمهما في أطروحة واحدة هى هندسة الطيران، وبما أن البعض ممن كانوا فيما مضى من وقت قريب يشيدون بي كناقد اتناول نصوصهم بالتشريح النقدي، وصاروا الآن يتقاولون ” هذا مهندس..ما له ومال النقد؟!” ..لذا لن أجد غضاضة أن أقدم مقالتي هذه بين أيديكم…
بنية النص السردي- وهذا يسري أيضا على كل فن إبداعي خلاف الكلمة المكتوبة – لها أرض خصبة تصلح للبناء عليها وهى في السرد..المكان، ويناظرها في هندسة المباني..الأرض الصالحة للبناء عليها.
ولها أيضا – بنية النص السردي- مساحة أفقية ومساحة رأسية وهي ها هنا المساحة المحددة( أفقيا) للزمن النصي، والمساحة الزمنية ( رأسيا) لاستيعاب النص من قبل المتلقي، ولشرح هذه النقطة نقول : الوقت الذي يستغرقه القارئ لاستيعاب فكرة النص من خلال أحداثه وشخوصه، ويناظرها في هندسة البناء شيئان هما الشكل والجوهر، والشكل هو الاطار او المظهر الخارجي للمبنى، أما جوهره فهو الصاعد من قاعدته حتى قمته.
والشخوص في هندسة النص السردي يناظرهم في الأخرى ساكنو هذه البناية، أما الحدث أو الأحداث في البنية السردية للنص فيقابلها في المبنى حركة ساكنيه داخله.
ومفاتيح النص الظاهرة والمخفية يقابلها نوافذ المبنى المفتوحة والمغلقة، أما عن عنوان النص فهو باب البناية الذي يلج منه الساكن لداخلها.
وفي النهاية نقول أن خاتمة النص تشبه إلى حد كبير بلوغنا سطح البناء او تربعنا على قمته نرى الشمس نهارا والقمر والنجوم ليلا ونتنفس هواءً نقيا بلا أدخنة أو غبار ربما يكون قد أعترضنا ولو قليلا أثناء صعودنا كقراء على سلالم الدرج.
وكما تتعدد اشكال المباني ما بين أبراج شاهقة كناطحات السحاب وأكواخ من قش او صفائح كذلك تتعدد النصوص بين هذا وذاك، ونضيف أيضا أن ذلك ليس المعيار الجوهري للحكم والتقييم، فكما في المباني ناطحات يسكنها خواء، وأكواخ يسكنها عظماء، كذلك البنية السردية، فقد يستقيم المتن وتتوفر له كل عناصر فنه وشروطه، لكن كالخواء لافتقاده روح ساكنيه، والكوخ البسيط في هندسة بنائه قد يكون نبعًا لا ينضب ماؤه من مشاعر واستنهاض فكر، ولعل خير مثال واقعي للدلالة وتأكيد ذلك..هو الشاعر والناظم، وشتان شتان شتان الفارق بينهما.
محمد البنا…القاهرة في ٢٠ فبراير ٢٠٢٣
Discussion about this post