*******حالة الاحتباس الشعري وإشكالية تأويل الفشل…!*********
ما لا يعرفه البعض عن الشعر…ساقول عنه ما لا تتوقعونه…لعلّ البعض يعتبره فقط متنفسا للتعبير وللبوح بالمكنون…الشعر يا أحبّائي طريق قاتلة..! ،يبدأ “الشعريُّ” بذلك السحر الذي نشعر به ونحن نولّد الكلام ونلاعب المعاني الغمّيضة تارة بالإخفاء للاختفاء وتارة بالإظهار…الحقيقة أن بعد سنوات الافتتان به ونحت الذات بين حروفه وضمن نسيجه تكتشف أنّ الشعر يحبسكَ حَبسًا لطيفا ناعما عن أشياء اخرى إذا منحت له نفسك كلها…انه يضبط نظام احساسك وتعبيرك ويحتكر لغتك وفكرك وإيقاع حياتك، فتصرف له اهتمامك الجزء الكبير من أحداث الحياة اليومية يكتسحها الشعر فيصيّرها فكرة مجازية ويجرّدها من عنصر الوقت أحيانا ليجعلها حالة وجود،لوحة ولونا وصوتا يختاره الشاعر /الصوت الذي بداخلك…هكذ يعمل الشعر من داخل الذات عندما تقرر الغرق فيه وليس مجرد الوقوف على سطحه الاملس الساحر…وهو أمر غريب عجيب فالشعر يسلبك من نفسك وهيو يدعي انه يشكل نفسك ويكوّن تفاصيلها ويعبّر عنها…وهو يحتكر عقلك بسحر االذوبان فيه،،،حقيقة الإبداع هنا أنه ينسج نظاما للمعنى مختلفا له تشكيل نرجسي متفرّد مختلف وربما متضارب ومعاد للمنظومات اللغوية العفويّة (اللغة اليوميّة- الوعي الجمعي المشترك والبراغماتي )…بهذا المعنى الشعر يحبس الذات المفكّرة حبسًا يتمرّدُ على الانضباط لزحمة الحياة النفعيّة…وهو ما يفسّر اتهام الشعراء بالجنون والمروق عن السائد والمألوف…وأحيانا تشعر الذات الشاعرة ضمن التزامها الباطني بالمسألة الشعريّة الذاتية المتفاقمة ثقافيا بتراكم السنوات بتقصيرها مع السطح الاجتماعي (ونعني به التقصير والعجز الآدائي في الأدوار الاجتماعية الأخرى…)،وحتى في الرجّات الكبرى التي تصيب حياة الشاعر تفاجىء نفس الشاعرِ(المحبوس في نظامه اللغوي) الشاعِرَ/المواطن/ الزوج/الأب/ربّ العمل…الخ…تفاجئه بعدم قدرته على التأقلم مع انتظارات محيطه منه لانغماسه المرضي في ما يسمّى الحالة اللغوية الابداعيةّ…حتى انني أجزم ان تلك الحالة المتصلة بالتامّل الفكري والوجداني وصنع المعنى تصل إلى 80 بالمائة من نظام الإدراك،وهو ما يمكن أن أطلق عليه بحالة الاحتباس الشعري ذو المنزع الابداعي…ولعل هذه الحالة هي نفسها نجدها عند ممتهني الكتابة الابداعية ومحترفي صناعة المعنى الفني عموما…! ولعلنا نجد تفسيرا لتوقف بعض التجارب الابداعية وغياب عدد من ممتهني الابداع بعد بضعة سنوات إما لفشل الخضوع لنظام الذات الابداعي وسطوة المعنى البراغماتي الاجتماعي(ونعني به نظام الحاجة والطلب الاقتصادي) وما يرافقه من تحويل وجهة المعنى الابداعي الجوهري من حالة الفرادة والندرة والادهاش إلى مجرد سلعة فنية معلبة ومستنسخة خاضعة لنظام السُّوق على قاعدة رواج “الاسم التجاري” للمُنْتِج الذي يستمدُّ قيمته التسويقية من شرعية القدامة والأسبقية. انه إذن سؤال الفشل لايبرز إلاّ وفق وجهة النظر التي يتم من خلالها تحديد موضوع النجاح…!
Discussion about this post