- مختارات ..
=-=-=-=-=-=
د.علي أحمد جديد
أصدرت صحيفة
“نيويورك تايمز NewYork Times”
عدداً خاصاً تمَّ تكريسه بأكمله لموضوع واحد أخذ مداه على جميع صفحات العدد ، الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ هذه الصحيفة العريقة والتي تعتبر قدوة للصحافة الجادة .
موضوع العدد هو الكارثة التي حلّت بالعالم العربي خلال العشرين عاماً الأخيرة ، ابتداءً من العدوان الأمريكي والبريطاني المُشترَك على العراق واحتلاله في عام 2003 .. ذلك العدوان والاحتلال الأميركي لم يُدمِّر نظام البعث العراقي فقط ، بل دَمَّر الدولة العراقية ، وخلق الظروف الملائمة لولادة (داعش) وأمثالها من المنظمات الإرهابية ، وقضى على العالم العربي وحَوَّله إلى منطقة ملتهبة ، ومصدر لأزمة لاجئين عالمية ، كما أعطى إشارة الانطلاق لعصر الإرهاب الذي يضربُ العالم اليوم ويقضُّ مضاجع البشرية .
يقدِّم هذا الموقع العالمي المحترم حصيلة بالأرقام الموثقة للخسائر البشرية والمالية التي سببها العدوان الأميركي على العراق بحجة (اسلحة الدمار الشامل) الكاذبة ، فقد قتل من العراقيين مليون و455 ألفاً و590 شخصاً ، ومن العسكريين الأميركيين 4801 جندياً وضابطاً ، ومن حلفاء العدوان الآخرين 3487 عسكرياً . ويضيف الموقع بأن الكلفة المالية للحرب على (الغالب والمغلوب) بلغت تريليون و705 مليارات و856 مليون دولار .
وبأن (الربيع العربي) واحد من النتائج الثانوية والهزات الارتدادية للكارثة ، وتقدِّر مصادر دولية أن خسائر الوطن العربي بلغت 1830 مليار دولاراً ، هذا فضلاً عن الدمار الحاصل في سوريا وتونس وليبيا ومصر واليمن والعراق .. وأن هذه المرحلة الحالية من التاريخ العربي هي “عصر الإنحطاط العربي” بامتياز ، وما يشهده الوطن العربي اليوم غير مسبوق في التاريخ ، خاصة وأنه يحدث في عصر تحرز فيه الشعوب مزيداً من التقدم والارتقاء .
صحيفة “نيويورك تايمز” لم تؤجل الإصدار بحجة أن عملية تدمير الوطن العربي ما زالت مستمرة ، وربما تُصدِر عدداً آخر بعد عشرين عاماً أخرى من نكبة الوطن العربي .
فالعرب يحاربون العرب في اليمن ويدمِّرون البلاد ، العرب يحاربون العرب في سوريا ويدمرون سوريا ، والعرب يحاربون العرب في ليبيا ويدمرون ليبيا ، والعرب يحاربون العرب في العراق ويدمرون العراق . ومع أن الإرهابيين يشنون حربهم على الإنسانية باسم الإسلام ، فإن 70% من ضحاياهم مسلمون .. ولا توجد أية مؤشرات على أن هناك مستقبلاً عربياً أفضل ، لأن معظم الجروح العربية نازفة وملتهبة وتستعصي على الشفاء ، وأي مستقبل لمجتمعات لم تعد تعتبر نفسها مجتمعات وطنية بل مكونات اجتماعية ، تنقسم على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العِرْق .
ويلمِّح كتّاب العدد بأن (إسرائيل) ليست المسؤولة عما يفعله العرب بأنفسهم ومن حقها أن تشعر بالراحة والأمان طالما أن العرب قد تكفّلوا بتدمير بلادهم . وهذا هو الملف:
http://www.nytimes.com/interactive/2016/08/11/magazine/isis-middle-east-arab-spring-fractured-lands.html?_r=0
– حقيقة المؤامرة وليس نظرية المؤامرة .
وقبل سنوات أصيب الغرب برعب شديد من عودة سطوة الإسلام بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، عندما نبَّههم بعض الباحثين الغربيين بأن الإسلام سيكون خلال أقل من نصف قرن متمكناً من بلادهم ، فأسرعوا لمواجهة انتشاره قبل أن يستفحل أمره ويشتد ، فيستحيل عليهم إيقاف مده ، فقامت مؤسسة “راند RAND” الأمريكية ووضعت خطةً لنشر صورة إسلام بديل ، يحقق مصالحهم الاستراتيجية ، فأسسوا (مركز ابن خلدون) بالقاهرة ، تحت إدارة (سعد الدين إبراهيم) ، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية ، فنظم مؤتمراً بعنوان “الإسلام والإصلاح” ، بالتعاون مع (مركز دراسات الشرق الأوسط) التابع لمعهد (بروكنجز) ، ومركز (دراسات الإسلام والديمقراطية) ، و(منبر الحوار الإسلامي) ، وقد انتهى المؤتمر إلى توصيات أبرزها :
1 – الاستغناء عن السنة النبوية المحمَّديّة الصحيحة وفرض إسلامٍ (متجدد) كالإسلام ” الأموي والعثماني والوهابي والإخواني” .
2 – إعداد تفسير عصري للقرآن تفسيراً يتناسب مع متطلعات الغرب وأهدافه .
3 – العمل الهادئ على ضم القرآن إلى “الكتاب المُقَدَّس” بعهديه(القديم والجديد) بعد تنقيحه .
وبعدها تم تنظيم مؤتمرات لمنح جوائز لمن يقومون بهذه المهمات فحصل الكاتب (يوسف زيدان) على عدد من الجوائز لقاء تشكيكه بحقيقة القدس ومكانتها في الإسلام ، وتشكيكه بحادثة “الإسراء والمعراج” ، ومُنح (محمد شحرور) جائزة عن كتبه التي أحل فيها كثيراً من المحرمات وبدأت تظهر ملامح خططهم تحت مسمى (تجديد الخطاب الديني) والذي هدفه ضرب الإسلام .
كنا نلاحظ في الماضي أن الشبهات التي كانت توجه للإسلام تتعلق بأحكام عامة كتعدد الزوجات والجزية ، لكنها الآن انتقلت إلى التشكيك بما هو معلوم من الدين بالضرورة أي (الثوابت) ، وانتقلت خططهم لأساسيات الدين الإسلامي ، عن طريق توظيف أشخاص ليقوموا بهدمه من الداخل ، واستهداف القرآن الكريم ، والسنة النبوية، وأصول الأحكام ، والتلاعب بالحلال والحرام ، والحرب على الدعاة ومؤسساتهم ، وللأسف فقد سقط بعض المفكرين بالمشاركة معهم أملاً إما في الشهرة ، أو الأموال .
ومن خطتهم احتواء وتهميش الافتاءات الشرعية التي تصدر عن أهل العلم المعتبرين ، وتوصيفهم بأنهم أدوات في أيدي السلطات والأنظمة الحاكمة ، مما خلق فراغاً أُعِد ليملأه أدعياء التجديد لتدمير الإسلام .. لكن أعداء الإسلام بعدها أدركوا أن الخصوم التقليديين للإسلام أمثال :
(إبراهيم عيسى، يوسف زيدان، ايناس الدغيدي ، نوال السعداوي)
وآخرون ، ينتقدون الاسلام بلا وعي أو منهجية ، فأدركوا أنهم ساقطون فراحوا وغيّروا من استراتيجيتهم ، فدعموا أشخاصاً آخرين لهم حضور وكاريزما ومسميات دينية براقة مثل :
(عدنان إبراهيم ، وإسلام البحيري والمزيف ميزو المدعي أنه شيخ ، وجمال البنا ، ومحمد شحرور)
فهؤلاء اليوم يجدون كل التأييد والدعم ، للتشكيك بالسنة النبوية المُحَمَّديّة الصحيحة ، والعبث بتفسيرات كتاب الله لصرف الأنظار عن تفشي الفساد الهائل والمتسارع في كل قمم الأنظمة العربية الحالية .
ولكي يقطع الغرب الطريق على من يحاول أن يكشف ، ويحذر ، ويفضح حقيقة مخططاتهم الخبيثة قام بإطلاق عبارة (نظرية المؤامرة) ، لتكون هذه العبارة الخبيثة ، والاستهزائية حاجزاً يمنع أيّ شخص من محاولة التفكير بفضح مخططاتهم .. لأنه عندها سيكون محل استهزاء الآخرين واستخفافهم ، ولأنه سيُوصَف بعقلية ساذجة وبتفكير سطحي . فصارت هذه العبارة أسلوب السُخرية والانتقاص من كل مَن يحاول كشف هذه الخطط الخبيثة !!.. فإذا هُزِمَ أحدهم من مُحاور وما استطاع أن يجاريه بالمناقشة ، فإن أسهل طريقة للفوز أن يقول له أنت تفكر بمبدأ : (نظرية المؤامرة)
لينكفئ المتكلم ، وعندها تكون خططهم وللأسف قد حُصِنت تحصيناً قوياً أمام محاولات المفكرين الواعين .
مختارات ..
=-=-=-=-=-=
د.علي أحمد جديد
أصدرت صحيفة
“نيويورك تايمز NewYork Times”
عدداً خاصاً تمَّ تكريسه بأكمله لموضوع واحد أخذ مداه على جميع صفحات العدد ، الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ هذه الصحيفة العريقة والتي تعتبر قدوة للصحافة الجادة .
موضوع العدد هو الكارثة التي حلّت بالعالم العربي خلال العشرين عاماً الأخيرة ، ابتداءً من العدوان الأمريكي والبريطاني المُشترَك على العراق واحتلاله في عام 2003 .. ذلك العدوان والاحتلال الأميركي لم يُدمِّر نظام البعث العراقي فقط ، بل دَمَّر الدولة العراقية ، وخلق الظروف الملائمة لولادة (داعش) وأمثالها من المنظمات الإرهابية ، وقضى على العالم العربي وحَوَّله إلى منطقة ملتهبة ، ومصدر لأزمة لاجئين عالمية ، كما أعطى إشارة الانطلاق لعصر الإرهاب الذي يضربُ العالم اليوم ويقضُّ مضاجع البشرية .
يقدِّم هذا الموقع العالمي المحترم حصيلة بالأرقام الموثقة للخسائر البشرية والمالية التي سببها العدوان الأميركي على العراق بحجة (اسلحة الدمار الشامل) الكاذبة ، فقد قتل من العراقيين مليون و455 ألفاً و590 شخصاً ، ومن العسكريين الأميركيين 4801 جندياً وضابطاً ، ومن حلفاء العدوان الآخرين 3487 عسكرياً . ويضيف الموقع بأن الكلفة المالية للحرب على (الغالب والمغلوب) بلغت تريليون و705 مليارات و856 مليون دولار .
وبأن (الربيع العربي) واحد من النتائج الثانوية والهزات الارتدادية للكارثة ، وتقدِّر مصادر دولية أن خسائر الوطن العربي بلغت 1830 مليار دولاراً ، هذا فضلاً عن الدمار الحاصل في سوريا وتونس وليبيا ومصر واليمن والعراق .. وأن هذه المرحلة الحالية من التاريخ العربي هي “عصر الإنحطاط العربي” بامتياز ، وما يشهده الوطن العربي اليوم غير مسبوق في التاريخ ، خاصة وأنه يحدث في عصر تحرز فيه الشعوب مزيداً من التقدم والارتقاء .
صحيفة “نيويورك تايمز” لم تؤجل الإصدار بحجة أن عملية تدمير الوطن العربي ما زالت مستمرة ، وربما تُصدِر عدداً آخر بعد عشرين عاماً أخرى من نكبة الوطن العربي .
فالعرب يحاربون العرب في اليمن ويدمِّرون البلاد ، العرب يحاربون العرب في سوريا ويدمرون سوريا ، والعرب يحاربون العرب في ليبيا ويدمرون ليبيا ، والعرب يحاربون العرب في العراق ويدمرون العراق . ومع أن الإرهابيين يشنون حربهم على الإنسانية باسم الإسلام ، فإن 70% من ضحاياهم مسلمون .. ولا توجد أية مؤشرات على أن هناك مستقبلاً عربياً أفضل ، لأن معظم الجروح العربية نازفة وملتهبة وتستعصي على الشفاء ، وأي مستقبل لمجتمعات لم تعد تعتبر نفسها مجتمعات وطنية بل مكونات اجتماعية ، تنقسم على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العِرْق .
ويلمِّح كتّاب العدد بأن (إسرائيل) ليست المسؤولة عما يفعله العرب بأنفسهم ومن حقها أن تشعر بالراحة والأمان طالما أن العرب قد تكفّلوا بتدمير بلادهم . وهذا هو الملف:
http://www.nytimes.com/interactive/2016/08/11/magazine/isis-middle-east-arab-spring-fractured-lands.html?_r=0
– حقيقة المؤامرة وليس نظرية المؤامرة .
وقبل سنوات أصيب الغرب برعب شديد من عودة سطوة الإسلام بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، عندما نبَّههم بعض الباحثين الغربيين بأن الإسلام سيكون خلال أقل من نصف قرن متمكناً من بلادهم ، فأسرعوا لمواجهة انتشاره قبل أن يستفحل أمره ويشتد ، فيستحيل عليهم إيقاف مده ، فقامت مؤسسة “راند RAND” الأمريكية ووضعت خطةً لنشر صورة إسلام بديل ، يحقق مصالحهم الاستراتيجية ، فأسسوا (مركز ابن خلدون) بالقاهرة ، تحت إدارة (سعد الدين إبراهيم) ، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية ، فنظم مؤتمراً بعنوان “الإسلام والإصلاح” ، بالتعاون مع (مركز دراسات الشرق الأوسط) التابع لمعهد (بروكنجز) ، ومركز (دراسات الإسلام والديمقراطية) ، و(منبر الحوار الإسلامي) ، وقد انتهى المؤتمر إلى توصيات أبرزها :
1 – الاستغناء عن السنة النبوية المحمَّديّة الصحيحة وفرض إسلامٍ (متجدد) كالإسلام ” الأموي والعثماني والوهابي والإخواني” .
2 – إعداد تفسير عصري للقرآن تفسيراً يتناسب مع متطلعات الغرب وأهدافه .
3 – العمل الهادئ على ضم القرآن إلى “الكتاب المُقَدَّس” بعهديه(القديم والجديد) بعد تنقيحه .
وبعدها تم تنظيم مؤتمرات لمنح جوائز لمن يقومون بهذه المهمات فحصل الكاتب (يوسف زيدان) على عدد من الجوائز لقاء تشكيكه بحقيقة القدس ومكانتها في الإسلام ، وتشكيكه بحادثة “الإسراء والمعراج” ، ومُنح (محمد شحرور) جائزة عن كتبه التي أحل فيها كثيراً من المحرمات وبدأت تظهر ملامح خططهم تحت مسمى (تجديد الخطاب الديني) والذي هدفه ضرب الإسلام .
كنا نلاحظ في الماضي أن الشبهات التي كانت توجه للإسلام تتعلق بأحكام عامة كتعدد الزوجات والجزية ، لكنها الآن انتقلت إلى التشكيك بما هو معلوم من الدين بالضرورة أي (الثوابت) ، وانتقلت خططهم لأساسيات الدين الإسلامي ، عن طريق توظيف أشخاص ليقوموا بهدمه من الداخل ، واستهداف القرآن الكريم ، والسنة النبوية، وأصول الأحكام ، والتلاعب بالحلال والحرام ، والحرب على الدعاة ومؤسساتهم ، وللأسف فقد سقط بعض المفكرين بالمشاركة معهم أملاً إما في الشهرة ، أو الأموال .
ومن خطتهم احتواء وتهميش الافتاءات الشرعية التي تصدر عن أهل العلم المعتبرين ، وتوصيفهم بأنهم أدوات في أيدي السلطات والأنظمة الحاكمة ، مما خلق فراغاً أُعِد ليملأه أدعياء التجديد لتدمير الإسلام .. لكن أعداء الإسلام بعدها أدركوا أن الخصوم التقليديين للإسلام أمثال :
(إبراهيم عيسى، يوسف زيدان، ايناس الدغيدي ، نوال السعداوي)
وآخرون ، ينتقدون الاسلام بلا وعي أو منهجية ، فأدركوا أنهم ساقطون فراحوا وغيّروا من استراتيجيتهم ، فدعموا أشخاصاً آخرين لهم حضور وكاريزما ومسميات دينية براقة مثل :
(عدنان إبراهيم ، وإسلام البحيري والمزيف ميزو المدعي أنه شيخ ، وجمال البنا ، ومحمد شحرور)
فهؤلاء اليوم يجدون كل التأييد والدعم ، للتشكيك بالسنة النبوية المُحَمَّديّة الصحيحة ، والعبث بتفسيرات كتاب الله لصرف الأنظار عن تفشي الفساد الهائل والمتسارع في كل قمم الأنظمة العربية الحالية .
ولكي يقطع الغرب الطريق على من يحاول أن يكشف ، ويحذر ، ويفضح حقيقة مخططاتهم الخبيثة قام بإطلاق عبارة (نظرية المؤامرة) ، لتكون هذه العبارة الخبيثة ، والاستهزائية حاجزاً يمنع أيّ شخص من محاولة التفكير بفضح مخططاتهم .. لأنه عندها سيكون محل استهزاء الآخرين واستخفافهم ، ولأنه سيُوصَف بعقلية ساذجة وبتفكير سطحي . فصارت هذه العبارة أسلوب السُخرية والانتقاص من كل مَن يحاول كشف هذه الخطط الخبيثة !!.. فإذا هُزِمَ أحدهم من مُحاور وما استطاع أن يجاريه بالمناقشة ، فإن أسهل طريقة للفوز أن يقول له أنت تفكر بمبدأ : (نظرية المؤامرة)
لينكفئ المتكلم ، وعندها تكون خططهم وللأسف قد حُصِنت تحصيناً قوياً أمام محاولات المفكرين الواعين .
مختارات ..
=-=-=-=-=-=
د.علي أحمد جديد
أصدرت صحيفة
“نيويورك تايمز NewYork Times”
عدداً خاصاً تمَّ تكريسه بأكمله لموضوع واحد أخذ مداه على جميع صفحات العدد ، الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ هذه الصحيفة العريقة والتي تعتبر قدوة للصحافة الجادة .
موضوع العدد هو الكارثة التي حلّت بالعالم العربي خلال العشرين عاماً الأخيرة ، ابتداءً من العدوان الأمريكي والبريطاني المُشترَك على العراق واحتلاله في عام 2003 .. ذلك العدوان والاحتلال الأميركي لم يُدمِّر نظام البعث العراقي فقط ، بل دَمَّر الدولة العراقية ، وخلق الظروف الملائمة لولادة (داعش) وأمثالها من المنظمات الإرهابية ، وقضى على العالم العربي وحَوَّله إلى منطقة ملتهبة ، ومصدر لأزمة لاجئين عالمية ، كما أعطى إشارة الانطلاق لعصر الإرهاب الذي يضربُ العالم اليوم ويقضُّ مضاجع البشرية .
يقدِّم هذا الموقع العالمي المحترم حصيلة بالأرقام الموثقة للخسائر البشرية والمالية التي سببها العدوان الأميركي على العراق بحجة (اسلحة الدمار الشامل) الكاذبة ، فقد قتل من العراقيين مليون و455 ألفاً و590 شخصاً ، ومن العسكريين الأميركيين 4801 جندياً وضابطاً ، ومن حلفاء العدوان الآخرين 3487 عسكرياً . ويضيف الموقع بأن الكلفة المالية للحرب على (الغالب والمغلوب) بلغت تريليون و705 مليارات و856 مليون دولار .
وبأن (الربيع العربي) واحد من النتائج الثانوية والهزات الارتدادية للكارثة ، وتقدِّر مصادر دولية أن خسائر الوطن العربي بلغت 1830 مليار دولاراً ، هذا فضلاً عن الدمار الحاصل في سوريا وتونس وليبيا ومصر واليمن والعراق .. وأن هذه المرحلة الحالية من التاريخ العربي هي “عصر الإنحطاط العربي” بامتياز ، وما يشهده الوطن العربي اليوم غير مسبوق في التاريخ ، خاصة وأنه يحدث في عصر تحرز فيه الشعوب مزيداً من التقدم والارتقاء .
صحيفة “نيويورك تايمز” لم تؤجل الإصدار بحجة أن عملية تدمير الوطن العربي ما زالت مستمرة ، وربما تُصدِر عدداً آخر بعد عشرين عاماً أخرى من نكبة الوطن العربي .
فالعرب يحاربون العرب في اليمن ويدمِّرون البلاد ، العرب يحاربون العرب في سوريا ويدمرون سوريا ، والعرب يحاربون العرب في ليبيا ويدمرون ليبيا ، والعرب يحاربون العرب في العراق ويدمرون العراق . ومع أن الإرهابيين يشنون حربهم على الإنسانية باسم الإسلام ، فإن 70% من ضحاياهم مسلمون .. ولا توجد أية مؤشرات على أن هناك مستقبلاً عربياً أفضل ، لأن معظم الجروح العربية نازفة وملتهبة وتستعصي على الشفاء ، وأي مستقبل لمجتمعات لم تعد تعتبر نفسها مجتمعات وطنية بل مكونات اجتماعية ، تنقسم على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العِرْق .
ويلمِّح كتّاب العدد بأن (إسرائيل) ليست المسؤولة عما يفعله العرب بأنفسهم ومن حقها أن تشعر بالراحة والأمان طالما أن العرب قد تكفّلوا بتدمير بلادهم . وهذا هو الملف:
http://www.nytimes.com/interactive/2016/08/11/magazine/isis-middle-east-arab-spring-fractured-lands.html?_r=0
– حقيقة المؤامرة وليس نظرية المؤامرة .
وقبل سنوات أصيب الغرب برعب شديد من عودة سطوة الإسلام بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، عندما نبَّههم بعض الباحثين الغربيين بأن الإسلام سيكون خلال أقل من نصف قرن متمكناً من بلادهم ، فأسرعوا لمواجهة انتشاره قبل أن يستفحل أمره ويشتد ، فيستحيل عليهم إيقاف مده ، فقامت مؤسسة “راند RAND” الأمريكية ووضعت خطةً لنشر صورة إسلام بديل ، يحقق مصالحهم الاستراتيجية ، فأسسوا (مركز ابن خلدون) بالقاهرة ، تحت إدارة (سعد الدين إبراهيم) ، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية ، فنظم مؤتمراً بعنوان “الإسلام والإصلاح” ، بالتعاون مع (مركز دراسات الشرق الأوسط) التابع لمعهد (بروكنجز) ، ومركز (دراسات الإسلام والديمقراطية) ، و(منبر الحوار الإسلامي) ، وقد انتهى المؤتمر إلى توصيات أبرزها :
1 – الاستغناء عن السنة النبوية المحمَّديّة الصحيحة وفرض إسلامٍ (متجدد) كالإسلام ” الأموي والعثماني والوهابي والإخواني” .
2 – إعداد تفسير عصري للقرآن تفسيراً يتناسب مع متطلعات الغرب وأهدافه .
3 – العمل الهادئ على ضم القرآن إلى “الكتاب المُقَدَّس” بعهديه(القديم والجديد) بعد تنقيحه .
وبعدها تم تنظيم مؤتمرات لمنح جوائز لمن يقومون بهذه المهمات فحصل الكاتب (يوسف زيدان) على عدد من الجوائز لقاء تشكيكه بحقيقة القدس ومكانتها في الإسلام ، وتشكيكه بحادثة “الإسراء والمعراج” ، ومُنح (محمد شحرور) جائزة عن كتبه التي أحل فيها كثيراً من المحرمات وبدأت تظهر ملامح خططهم تحت مسمى (تجديد الخطاب الديني) والذي هدفه ضرب الإسلام .
كنا نلاحظ في الماضي أن الشبهات التي كانت توجه للإسلام تتعلق بأحكام عامة كتعدد الزوجات والجزية ، لكنها الآن انتقلت إلى التشكيك بما هو معلوم من الدين بالضرورة أي (الثوابت) ، وانتقلت خططهم لأساسيات الدين الإسلامي ، عن طريق توظيف أشخاص ليقوموا بهدمه من الداخل ، واستهداف القرآن الكريم ، والسنة النبوية، وأصول الأحكام ، والتلاعب بالحلال والحرام ، والحرب على الدعاة ومؤسساتهم ، وللأسف فقد سقط بعض المفكرين بالمشاركة معهم أملاً إما في الشهرة ، أو الأموال .
ومن خطتهم احتواء وتهميش الافتاءات الشرعية التي تصدر عن أهل العلم المعتبرين ، وتوصيفهم بأنهم أدوات في أيدي السلطات والأنظمة الحاكمة ، مما خلق فراغاً أُعِد ليملأه أدعياء التجديد لتدمير الإسلام .. لكن أعداء الإسلام بعدها أدركوا أن الخصوم التقليديين للإسلام أمثال :
(إبراهيم عيسى، يوسف زيدان، ايناس الدغيدي ، نوال السعداوي)
وآخرون ، ينتقدون الاسلام بلا وعي أو منهجية ، فأدركوا أنهم ساقطون فراحوا وغيّروا من استراتيجيتهم ، فدعموا أشخاصاً آخرين لهم حضور وكاريزما ومسميات دينية براقة مثل :
(عدنان إبراهيم ، وإسلام البحيري والمزيف ميزو المدعي أنه شيخ ، وجمال البنا ، ومحمد شحرور)
فهؤلاء اليوم يجدون كل التأييد والدعم ، للتشكيك بالسنة النبوية المُحَمَّديّة الصحيحة ، والعبث بتفسيرات كتاب الله لصرف الأنظار عن تفشي الفساد الهائل والمتسارع في كل قمم الأنظمة العربية الحالية .
ولكي يقطع الغرب الطريق على من يحاول أن يكشف ، ويحذر ، ويفضح حقيقة مخططاتهم الخبيثة قام بإطلاق عبارة (نظرية المؤامرة) ، لتكون هذه العبارة الخبيثة ، والاستهزائية حاجزاً يمنع أيّ شخص من محاولة التفكير بفضح مخططاتهم .. لأنه عندها سيكون محل استهزاء الآخرين واستخفافهم ، ولأنه سيُوصَف بعقلية ساذجة وبتفكير سطحي . فصارت هذه العبارة أسلوب السُخرية والانتقاص من كل مَن يحاول كشف هذه الخطط الخبيثة !!.. فإذا هُزِمَ أحدهم من مُحاور وما استطاع أن يجاريه بالمناقشة ، فإن أسهل طريقة للفوز أن يقول له أنت تفكر بمبدأ : (نظرية المؤامرة)
لينكفئ المتكلم ، وعندها تكون خططهم وللأسف قد حُصِنت تحصيناً قوياً أمام محاولات المفكرين الواعين
Discussion about this post