دروس بالوراثة
بقلم: ماهر اللطيف
كنت برفقة ابنتي البكر يوما في بيت الجلوس نتبادل الآراء والمواضيع في انتظار حضور بقية أفراد العائلة للسهر جماعيا ككل ليلة، إلى أن تعرضنا إلى موضوع “الصداقة”، فشكرت بعض الصديقات وامتعضت من بعض الأخريات قبل أن تحزن حزنا كبيرا وهي تقص حادثة صدمتها وفجعتها من صديقة خيبت ظنها وانتظاراتها وتنكرت لعشرتهما وصداقتهما ما إن تعرفت على صديقة جديدة.
فلم أجد من بد غير الاقتراب منها وتهدئتها ومحاولة تعليمها بعض الدروس التي استحضرتها حينها ساعدتني كثيرا في حياتي، فقلت لها بكل ثقة في النفس :
” لن أنس كلمة جدتي ذات يوم حين قالت لي – وكنت أمر بفترة عسيرة للغاية نتيجة غدر أحد الأصدقاء بي بعد عشرات السنوات من الأخوة والألفة والود – :
– ما بك بني؟ ما هذا الحزن والغم الأسى؟ ما سبب هذه الدموع وهذه الوحدة؟
– (بصعوبة والحروف تأبى وترفض الخروج) نعمان يا جدتي غدر بي. فأفشى أسرارا أخفيتها عنده وأضافها إضافاته الشخصية قبل أن يعلنها لبعض الناس فتسبب لي في جبال من المشاكل والمصاعب
– (مقاطعة وهي تضمني إلى صدرها بكل حنان ولين) كف عن هذا اللوم بني كف. أرجو أن تستخلص الدرس وتستوعبه جيدا لكي لا تقع في أتون مستنقعاته مجددا
– (مكفكفا دموعي) عن أي درس تتحدثين جدتي؟
– (ضاحكة) يبدو أنك للأسف لم تستوعب العبرة ولم تفهم الرسالة (وأنا لا أفقه شيئا مما تقول). السر بني يبقى سرا إذا لم يتجاوز صاحبه وربه، أما إذا تلفظ به اللسان إلى أي إنسان آخر فقد فقد صفته وأصبح متاحا للجميع عاجلا أم آجلا. ومن ناحية ثانية، فالطيب والصالح يبقى طيبا وصالحا وإن عاش بين الشياطين، و الماكر والطالح يبقى ماكرا وطالحا وإن عاش بين الملائكة. فلا تغرك المظاهر والكلمات المنمقة والعبارات الحلوة التي تنطق وقت الرخاء والصفاء ، بل انتظر العسر وانتظر ردة أفعال وأقوال هذا الشخص…
لذلك بنيتي أنصحك أن تحذري السقوط في أتون التفرقة والنميمة والفتنة والغيبة وغيرها، وان تبتعدي قدر المستطاع عن الإفراط في الثقة بالناس وإعطائهم أسلحتك التي سيستعملونها حتما ضدك غدا عند أول اختلاف في الرأي أو تعارض في الأفكار والرؤى، وأن تلجمي فاك وتراقبي لسانك وتستنجدي بالصمت حين ينتظر الآخر كلامك لألا تعطينه ما تندمين على نطقه لاحقا… “
Discussion about this post