نص و قراءة :
القصة القصيرة جدًا للأستاذة منى عز الدين Mona Ezildeen
……………………….
استهلال
لوحتي ناقصة، كلما حاولت وضع الرتوش الأخيرة؛ يدور قرص الألوان بسرعة
فائقة … تذوب الأطياف السبعة، ويلفني بياض معتم
……………..
إنها المحاولات المضنية للتحقق ، و التى تقابلها الأنواء العاتـــــية بكل صنوف
الإعاقة …
الأقدار الإغريقية القاتمة تلف الرحلة الصعبة .
النص يستدعى على الفور مونولوج الملك هنرى الثامن فى مسرحية شكسبير :
لقد غامرت …
كأننى واحد من الصبية اللاهين على قمم الموج
مثلهم أحاول تطويع كيس منتفخ بالهواء
صيفًا بعد صيف .. أيامًا طويلة
فى بحر من المجد
لكن البحر كان عميقًا.. عميقًا جدًا
أعمق مما أستطيع اللهو فيه
( ويليام شكسبير – مسرحية هنرى الثامن )
ـــــــــــــ
قزحـــية الألوان واللون الأبيض الجامع هما مفتاح النص .. مابين الإرادة
وحدود القدرة ، و مابين الحقيقة وجدر الوهم العالية المشتِتة و الملتبسة ،
و مابين الرغبة و فقدان الأشرعة فى سفين تتخبطة الأمواج …
حينها لابد حتمًا أن يكتسب البياض عتمة التهاوى و الحيرة و عدم الفهم ،
و يفقد النصوع بهاء مُفترض .
………………….
العنوان هو تلك الغيمة الرائعة للنص القصير جدًا الشائق هذا :
فالاســــــتهلال هنا هو المدخل للقول ,و الحكمة المُستصفاة أو بيت القصيد ،
و هو ما يجب أن تعيه أيها الإنسـان من أقدار كُتبت سلفًا ، و مسارات حُددت
لنا من قبل . الحياة لخصها الخيام فى رباعية له ( فى ترجمة محمد السباعى )
أنها كالسراب أو الثلج الذى يُذيبه الهجير فى الصحراء:
” إنما الآمال فى الدنيا خيالْ
فإذا أفضت إلى حُسن مآلْ
لم تكن إلا كما يلمع آلْ
أو كثلجٍ فى فلاة نزلا
ساعةً يبهى سناهُ ثم ضاعْ ”
ــــــــــــــــــــ
إذا كانت القصـــــة القصيرة جدًا هى ذلك الهاجس الدافع للتأمل ، و تلك الرجفة
الوجودية من ملامسة الأشياء و الحقائق كما صورها ” ســـــارتر ” فى( الغثيان ) ,
و كانت كما أردد دائمًا تصور كيف ” تجمع العالم فى قبضة يد ” فقد حققت الكاتبة
هنا كل هذا خاصة حين رصَّعت ذلك النظم بتلك القفلة الحائرة متعددة الأصــــداء,
و هذا العصف الذهنى المحيِّرعن البياض المعتم !!!
فتستحق بكل جدارة التهنئة و التقدير .
ــــــــــــــــــ
( أحمد طنطاوى )
Discussion about this post