الشعراء الصعاليك 1مختارات بقلم د علي أحمد جديد سورية

مختارات ..
=-=-=-=-=-=

الشعراء الصعاليك ..
( 1 )

د.علي أحمد جديد

نحن مجرمون بحقِّ تاريخنا ، كما أننا انقياديون بمَيْلِنا إلى كلِّ ما يكون في الغرب ، ولكل مايأتينا من الغرب ، ونضفي عليه قداسة هو أبعد مايكون عنها ..
حتى أن الأجيال الحالية باتت تعرف عن التاريخ الأوروبي أكثر بكثير مما تعرفه عن تاريخها !!..
وعلى سبيل المثال مَن مِنا لايعرف أدق التفاصيل عن مغامرات (روبن هود) وعن مثالياته في سرقة الأغنياء لإطعام الفقراء ؟!!
وكم مِنا يعرف عن الشعراء العرب (الصعاليك) الذين سبقوا (روبن هود) بقرون في سعيهم لتطبيق المساواة الاجتماعية وفي مغامراتهم الدامية بسرقة الأغنياء لأطعام الفقراء ؟!!.

وللتعريف فإن (الصعاليك) اسم كانوا يطلقونه على جماعة من الفرسان العرب القُدامى أيام العصر الجاهلي قبل الإسلام ، وذاع صيتهم في شبه الجزيرة العربية كلها ، لأنهم خرجوا على سلطة القبيلة ، ورفضوا عاداتها وتسلّط شيوخ قبائلها ، واختاروا العراء سكناً لهم ، خاصة بعد أن تم طردهم من قبائلهم لمعارضتهم أحكام القبيلة ، فكانوا صعاليك الجاهلية وشعرائها المجيدين ، لأن الشعراء الصعاليك كانوا من فحول شعراء الجاهلية ، حيث يعكس واحدهم صورة حياته ويكتب عن تجربته وواقعه الذي يعيشه ، لأنهم عاشوا حياة قاسية منبوذين من مجتمعهم القبائلي ويتعرضون لكل المخاطر .. ومطاردين ومسفوكة دماؤهم بين القبائل . ولهذا كان لهم أثر كبير وبارز في شعرهم الذي انعكس على طبيعة ألفاظهم و على اختيار مواضيعهم وقصصهم التي كانوا يعيشون أحداثها ويكتبونها شعراً وفخراً . فكان شعر الصعاليك تعبيراً صادقاً عن حياتهم التي كانوا يعيشونها وعن شخصيتهم ونفسياتهم وبطولاتهم وشهامتهم .
ولأن شعر الصعاليك وأدبهم مرآة تعكس الحالة الشعورية النفسية التي تطغى عليها الأحزان والآلام من جور الحياة وقساوتها كانوا يتميزون بانتقاء ألفاظ موغلة في الوعورة والخشونة ، تبيّن شدة وغلظة نفوسهم التي أجبرتهم الحياة عليها دون اختيارهم وبعيداً عن إرادتهم .
و صِفة الصعلكة مأخوذة عن قول العرب (تصعلكت الإبل أي خرجت أوبارها وانجردت) وتعني في اللغة (الفقير الذي تجرد من المال وانسلخ من جلده الآدمي ودخل في جلد الوحوش الضارية) ، و(الصعلكة) في الاستعمال الآدمي لا تعني الضعف بالضرورة ، لأن فئات الصعاليك كانوا قد تمردوا على سلطة القبيلة وثاروا على الظلم والقمع والاستلاب الذي تمارسه القبيلة على طائفة من أفرادها الفقراء ، الذين أطلقت عليهم تسمية (ذؤبان العرب) تشبيهًا لهم بالذئاب .

، وكانل لعامل البيئي دوره الكبير في بروز فئة الصعاليك نظراً لقسوة الصحراء وشحها بالغذاء إلى درجة الجوع الذي يهدد الإنسان بالموت المحتوم .
وتعني كلمة الصعلوك في المعجم بأنه الفقير الذي لا يملك مالاً يساعده على العيش ، كما يتم إطلاق هذه التسمية في بعض الأحيان على قطاع الطرق الذين يمارسون أعمال السلب والنهب .
ولكنه يغلب في الإشارة إلى المتمردين الذين أشهروا شعار الرفض في وجه قبائلهم ، ولم يمتثلوا لتعاليم القبيلة وتقاليدها وتم طردهم ، حتى كانوا من شعراء الجاهلية المتميزين واشتهر شعرهم بشكل كبير لأنه يردد صيحات رفض الفقر والجوع ويندّد بشحِّ الأغنياء واستغلالهم .
امتاز الشعراء الصعاليك بقوة بأسهم وبصبرهم ، وبسرعتهم في العدو (الركض راجلاً) ، وانقسمت فئاتهم إلى :

1 ـ فئة الخلعاء ، و هم عليها فئة (الشذاذ) الذين خالفوا أعراف القبيلة وشذوا عن الطاعة والامتثال للقبيلة فطردتهم خارجها .
2 – فئة السود وهم أبناء الإماء الحبشيات الذين يرفض آباؤهم الاعتراف ببنوتهم .
3 ـ الملتحقون بالصعاليك ، وهم الفئة التي اختارت سلوك طريق الصعلكة واحترافها كنوع من أنواع الفروسية .
ويمثل شعر الصعاليك من الناحيتين الأدبية و الفنية خروجاً جذرياً عن نمطية البنية الثلاثية للقصيدة العربية ، حيث أن معظم أشعارهم عبارة عن مقطوعات شعرية قصيرة وليست من القصائد الكاملة ، واستغنوا فيها عن الغزل الحسي أو عن وصف الناقة ، ليحل الحوار حول حياة المغامرة محل النسب التقليدي الذي كانت تفتخر فيه العرب . وكانت تلك القصائد المختزَلَة تمثل نظرتهم المتسامية إلى المرأة موقفاً يتخطى حسية العصر الجاهلي الذي كان يقف عند جمال الجسد دون أن يتعداه لرؤية جمالية المرأة في حنانها وفي أمومتها وعطاءاتها والنفسية والأخلاقية في تربية الفرسان .
وعلى الرغم من أن شعر الصعاليك كانوا يقصدون به تصوير حياتهم وما يمرون به من الإغارة والتغني بالثورة على الأغنياء وإباحة السرقة والنهب من أجل الفقراء ، إلا أنهم اهتموا بقضايا فئة معينة من ذلك العصر ، يرصدون واقعهم ويعبّرون عن همومهم ومشاكلهم وينقلون ثورتهم النفسية العارمة بسبب الظلم الاجتماعي الذي كان سائداً في مجتمعهم القبائلي .