- قراءات
النص
غزل
_ زوجتي العزيزة: قد أتزوّج بعد وفاتك، لا سمح اللَّه، بفترة طويلة.
_ …
_ لا، لن أنزع صورتك عن المرآة، لن أسمح لها باستعمال عطرك…
_ …
_ مضرب الغولف؟ لا يمكن، هي عسراء.
روزيت عفبف حداد/ سورية
القراءة
لو عرضنا عنوان هذه الققج على أبواب رسالة ابن حزم المسماة طوق الحمامة في الألفة والألاف لرددناه إلى أبواب الهجر والجفاء والقلى والبين وربما سميناه حديثا باب الخيانة ورأينا طيف خليلة أو عشيقة maitresse تحتل مكان الزوجة، تحتل ذات المقعد كما غنت فائزة أحمد من شعر نزار قباني: لا تدخلي.
والنص حواري صرف
من ست مخاطبات ابتدائية من الزوج فجوابية من الزوجة وهكذا إلى السادسة. والطريف أن مخاطبات الزوجة نقاط تتابع إما أن السارد حجبها أو أنها لم تكن حاضرة ولم يوجه إليها الخطاب أصلا ولم ينبس به صاحبه بل هو مونولوج باطني ليس مما يعلن وإنما السارد وإن لم يكن النص سرديا فلنقل شاءت المشيئة أن تكشف عما يدور بباطن الزوج فأظهرت حقيقة مشاعره تجاه الزوجة ووضعية الأسرة الراهنة وتفكير الزوج فيما يزمع فعله في مستقبل الأيام.
النص حواري لكنه ينهض بسائر أعباء السرد من فواعل وأحداث وطبائع الشخصيات ونوعية العلاقة بينها.
حديث الزوج إلى زوجته ولو بالغياب كلحظة مصارحة بانصرافه عنها. سبحان مقلب القلوب! فقد انتهت المودة بينهما وكأنه يستعد إلى تسريحها ب”إحسان”. بدأت المصارحة الصعبة بفرضية ترمل الزوج ولم يخطر بباله ترملها. وأظهر الوفاء بتأجيل الزواج ثانية وهو ضمنيا يمن عليها. فشرعا هو حل من الزوجية من لحظة وفاة الزوجة فيمكنه أن يدخل بأخرى جديدة يوم دفن المتوفاة بينما تشترط فيها العدة أو وضع حملها. هذا في التشريع الإسلامي..
وبلادنا متعددة الديانات ولأهل كل شريعة أحكام خاصة بهم. والقارئ يتدبر النص بثقافته ومنها الدينية والقانونية. فأنا كتونسي كلما وجدت في نص امراة ثانية ظننتها خليلة وفاتني أنها قد تكون ضرة لمنع تعدد الزوجات ببلادي. وثقافة القارئ مثلما توسع أفق الفهم والتأويل قد تضيقه.
المخاطبة الأولى في غاية اللطف بالمنادى وهو مركب نعتي فيه ضبط وضع المخاطبة قانونيا ( زوجة) ومنزلتها من نفس المتحدث( عزيزة). وفيها الاحتمال وسنرى أن النية هي التحقيق خلاف ما تفيد (قد) مع المضارع. وفيها الدعاء بخير ( لا قدر الله) والحال أنه من افترض وفاتها. وفي ذلك غاية القسوة والملل من رابطة الزوجية. وما هذا إمساكا بمعروف.
المخاطبة الثانية تسترسل في إظهار مكانة الزوجة بسيل من الممنوعات ب(لا) النافية و( لن) مرتين النافية بإطلاق. هو نفي يبتدئ محدودا بوقت فمطلقا في الزمن. وباطن المخاطبة مسيء إلى الزوجة لأن الزواج ثانية والذي كان مجرد احتمال صار واقعا ذا محرمات هي ( صورة) الزوجة الراحلة وعطرها. ولا شيء يضمن بقاء الصورة. ولعل الزوجة الجديدة تستنكف من عطر الأولى ولها اختيار مغاير.
أما المخاطبة الثالثة فتنتقل من الممنوعات داخل البيت إلى ما هو خارج المنزل بالفضاء العام. وهذه المخاطبة قاصمة الظهر. ما كان اقترانا محتملا ومؤجلا تطور إلى زيجة ثابتة. في المخاطبة الثانية سكتنا عن موعد الزواج الثاني ولم نر زوجة جديدة معينة. وفي الثالثة ثبتت ملامحها فليست إمكانا بعد الوفاة بل هي جاهزة محددة الملامح ومنها أنها عسراء. فليس المنع وفاء كقصة المرآة والعطر بل لاختلاف الجبلة والتركيب الجسماني.
لقد تدرجت المصارحة إلى ما تكره الزوجة فهو إخبار بتعلق الزوج بأخرى واستعجاله وفاة حليلته للبناء بخليلته.
ألا تخشى الزوجة المسكينة أن يمتد بها العمر فيستطيل الزوج والعشيقة بقاءها ويعجلا بساعتها؟
تكاد المخاطبات/ المونولوج تكون تفكيرا في تصفية الزوجة.
ألذلك كان أقرب إلى حديث النفس؟ ألذلك لم تسمع ردود الزوجة؟ أم لجم لسانها الخوف الشديد إن أسمعها حقا تهديده الذي ابتدأ تلميحا؟
المخاطبة الأخيرة استفهام فجوابه. والاستفهام كالصادر عن الزوجة خمنه الزوج وكان الجواب منفيا ب(لا) ظاهره مبرة الزوجة لكن باطنه يزيد من قسوة الزوج واستخفافه. فالنفي معلل. وليست الحجة إلا كاشفة عما كان ضمنيا وهو أن البديلة جاهزة.
ومما في المخاطبة الثالثة ما يفيد الانتماء الطبقي. نحن في حضرة فئة حضرية مترفة ترتاد ملاعب الجولف. ولسنا ندري لم استعجل الزوج نهاية زوجته فهي فيما يبدو تتريض حفاظا على رشاقتها وهي امرأة برزة ترتاد الأماكن العامة. والبديلة لأنها عسراء لا تمارس الرياضة.
والأعسر مذموم لوهم اجتماعي شائع عند أمم كثيرة ويذم استخدام اليسرى من رجل أو يد عند الأكل أو الدخول ويتشاءم بالطير البارح اي الذي طار إلى الجهة اليسرى ويتفاءل بخلافه وهو السانح ومنه الفرصة السانحة. والكارثة بالفرنسية le sinistre ومن حلت به sinistré من الإيطالية / اللاتينية sinistra اي اليسرى خلاف اليمنى destra التي يتفاءل بها ومنها كل ما هو على النهج القويم droit والناس أصحاب الميمنة وخلافهم أهل الميسرة.
النص متقن المعمار لا يخلو من نقد اجتماعي ساخر يعرض إلى الزوج الموزع بين زوجة وعشيقة, زوج لا يكتفي بزوجته بل هو دائم التطلع إلى غيرها ملول
volage
لا يعلم معنى العشرة والسكينة ولا يعنيه حق زوجته في الاستقرار العائلي.
أستاذ KHaldoun Kb
تونس
Discussion about this post