صعود وسقوط
قراءة بقلم
محمد البنا
لنص * قصيدة هاربة *
للأديبة المصرية / سماح رشاد
……………………
النص :
قصيدة هاربة
بحجابها الأسود وحيائها المنتقب ارتقت درجتين إلى المنصة ألقت أول نصوص شعرها الوليدة هذا العام، قرأت قصيدة عارية تلتها بأخرى فاضحة ثم انهت الثلاثة بأكثرهم وقاحة وسكتت، صفق الجميع مشدوهين، ترجلت على نفس الدرج لكنها انكبت على وجهها، تعثرت بواحدة متدثرة بثوبٍ باكِ، هربت من بين طيات الديوان لأنها لم تُقرأ.
✍️ سماح رشاد
———————————————————-
القراءة
عندما تشرع في قراءة نص للأديبة المصرية سماح رشاد يستحب أن تعيد قراءته مرة أخرى وأخرى..وقد يسألني سائل..لماذا ؟ فأجيب : لأن هذا القاصة تكتب ما يعن لها لحظيا دون ترتيب مسبق، تكتب كالنهر المتدفقة ماؤه، ويأخذ مجراه من منبعه إلى مصبه دون توقف.
ونصها هذا الذي بين يدينا لا يشذ عن منهجيتها تلك، فمن اليسير السهل أن يرى ويلمس ويحس القارئ هذا التدفق السردي، كلمة تعقبها كلمة وجملة تلاحقها أخرى، كما ورد في النص قصيدة تتلوها قصيدة، وكما يتصاعد اللهاث الوجداني من قصيدة عري إلى قصيدة فجور مرورا بقصيدة فاضحة، يتصاعد التناقض الملفت والمدهش والمستغرب بين ظاهرٍ ( حجاب أسود وحياء منتقب) وباطن ( قصائد وليدة سفاح)، ويعلق بينهما قصيدة متدثرة بثوب باك.
وليتم التناقض مأربه ويبلغ ذروته، تكتمل اللوحة بجمهور ( في غالبه أدباء/ صفوة الصفوة المجتمعية في أي مجتمع أيا كان جنسه)، يتذوقون الكلمة وتأويلاتها وصورها الشعرية البليغة، فإذ بنا نراهم فاغرين فاه جاحظين عين مهللين ومصفقين بحرارة لقبح جنسي تمثل في عري وفجور لفظي..قمة التناقض هو إذن!
نص كاشف لمستور، ينزع الغطاء عن عفن استشرى مدعيًا حرية الإبداع ليتنكب صهوة السقوط.
بينما الوسطية المجتمعية والأخلاقية – رمانة الميزان الطبقي- تترنح باكية، وقد عبرت عنها القاصة بجملة واحدة ( تعثرت بواحدة متدثرة بثوب باك).
ولو نظرنا للنص نظرة فرويدية، نجد أن الأنا العليا تمثلت في ( حجاب أسود وحياء منتقب) وال هو تمثلت في القصائد الثلاث، بينما الأنا تمثلها قصيدة بثوب باك هربت من الديوان، ونرى هزيمة الأخلاق والتقاليد والمثل القيمة ( الأنا العليا) أمام سطوة الانحلال وتفشيه ( ال هو )، مؤيدَا من الجمع القطيع.
نص تعددت مستوياته من البساطة إلى العمق إلى جوهر العمق كما عبرت عنها ب ( ارتقت درجتين إلى المنصة/ المجموع ثلاث درجات)، وسقطت من القمة ( الحجاب والحياء/ المنصة) إلى القاع(ترجلت على نفس الدرج/ انكبت على وجهها)..اعتلاء في البداية، انكفاء في النهاية..صعود في البداية ( المنصة)، سقوط في النهاية ( تلاصق الوجه بتراب الأرض ).
– الحقل الدلالي :
انبعاث الروح الغاضبة يتضح جليًا في قاموس المتن اللغوي وعنوانه الممعن في الثثور السلبي، نعم..إنها ثورة غاضبة ولكنها بلا أنياب، إذ صاحب الهروب سقوط وانبطاح واندياس.
وتواءمت الألفاظ بمهارة وعفوية مع التردي الناشيء من غفوة أخلاقية، وتزلف ظاهري لا يحمل بين جدرانه إلا القشور، بينما ذهبت القيم والمثل إلى لا رجعة، فعلى سبيل المثال نلاحظ ( ارتقت/ ألقت / تعثرت / عري/ فاضحة / وقاحة / أنهت / ترجلت / هاربة / طيات / باك/ مشدوهبن،..،..) وكلها ألفاظ دالة خادمة بقوة للفكرة، مؤثرة في حركة بنية النص وعاملة على سطوع فكرته .
– الوقفية السردية :
بيسر وتبسيط سردي وأسلوب سلس تمكنت القاصة من ارساء أسس معرفية يستنبط منها القارئ ويعي بسهولة المغزى المراد ، ويلامس تدفقه السردي شغاف قلبه، ويستنهض خلاياه الدماغية، ليدرك المبتغى ويتأثر به، بعد أن يضع يده على مفاتيحه المتعددة والمتضافرة معا لتكون معية الفكرة وماهيتها.
– بنية النص الهندسية :
البنية الهندسية للنص اعتمدت التدرج التصاعدي متكئة على أفعال حركية ( ارتقت / ألقت / قرأت / تلت/ أنهت) ثم فعل ساكن ( سكتت) وكلها أفعال مستقرة في القمة، ومن ثم أعقبتها بالسقوط المتدرج هبوطًا( صفقوا/ ترجلت / تعثرت / انكبت)، وهى تقنية سردية معتادة وتقليدية ( مقدمة/ ذروة/ خاتمة).
لوحة معبرة بطلاقة عن زيف مجتمعي ظاهره نقاء وباطنه بغاء.
ذكرني هذا النص بقصة قصيرة جدا كتبتها ونشرتها عام ٢٠١٢ في واحة القصة القصيرة والقصيرة جدا..تحت عنوان ” دقة ملاحظة “.
تحية لك أيتها المبدعة / سماح رشاد
محمد البنا…القاهرة في ١٠ مارس ٢٠٢٣
Discussion about this post