الرقصة الأخيرة
………
اكتظ الملعب الأوليمبي الشهير بجماهير غفيرة، توافدت إليه من كل حدبٍ وصوب، رغم ارتفاع ثمن تذكرة دخوله، وتجاوزه حاجز الألف دولار أمريكي.
الجماهير تهتف بضراوة، يرتج لها بنيانه الحديدي الصلب.
الإضاءة المكثفة أحالت ظلمة الليلة إلى نهار، والشوارع في كل أنحاء البسيطة خاليةً إلا من بعض كلابها الضالة.
لعظمة الحدث وأهميته لها، أعدت أمريكا واستعدت، فأنفقت ملايين الدولارات دون أن تأبه، ولم لا ؟ وهى سيدة العالم الحديث، والعرس عرسها، والتحدي يخصها خاصة والعالم عامة…زجاجة شمبانيا لكل أسرة من ملايين الأسر، على اختلاف أعراقهم ودياناتهم وتوجهاتهم الفكرية.
النصر يقترب موعده، والساعة العملاقة تتناقص دقاتها، والمتبارون يصطفون في حلقةٍ دائرية، ويمثلون كل دول العالم.
الباب الحديدي الضخم ينفرج عن شابٍ ثلاثيني مفتول العضلات، يتقدم بخطى واثقة نحو منتصف الدائرة، عيناه ثابتتان كنمسٍ هندي، يتطلع إلى الجمهور بفخر، الإضاءة الشديدة لا تُطرف له رمش ..دقات الساعة تواصل التناقص، يتقدم بهدوء ، يصافح أول منازليه، يعانقه، يتركه، يمضي لمن يجاوره، يكرر، ويكرر.. يستدير، يعود، يقف منتصبًا في بقعة المركز، الساعة تعلن الدقيقة صفر، ينقض عليه المتبارون، لا يُحرك ساكنا، يمزقونه بما في أيديهم من أسلحةٍ أتقنوا صناعتها، يزأرون ضاربين بقبضات يديهم على صدورهم، تتبعهم الغوغاء، يصم هتافهم الآذان، يتجرعون كؤوسهم في نشوة، دقائق تمضي ..يتساقط المنازلون واحدًا تلو آخر جثثًا هامدة، ينتشر الموت كالهشيم في المدرجات، وفي البيوت يتهاوون فرادى، بينما مُصنع الشمبانيا يفرد ساقيه منتشيًا بانتصاره على سيدة العالم، يمسك بمشغل التلفاز، يطفئ التلفاز، يمد يده اليسرى، ينزع غطاء زجاجة الشمبانيا، يصب كأسه ويتناول ما فيه مزّهوًا بانتصاره..الساعة تواصل تناقصها..ناقص واحد، ناقص اثنين، ناقص ثلاثة..أربعة ..خمسة، بينما الأرض..ناطحات سحاب، وبيوت، وأشجار، وأعمدة إنارة، و…كلابٌ ضالة.
محمد البنا…القاهرة في ١٢ مارس ٢٠٢٠
Discussion about this post