“بمناسبة دخول السنة 13 من الحرب الكونية على سورية”
مختارات ..
=-=-=-=-=-=
العقوبات الأحادية الأمريكية والقانون الدولي ..
د.علي أحمد جديد
تقيم الولايات المتحدة الأمريكية سياستها الخارجية على سلسلة من العقوبات و الحصارات الاقتصادية القاسية لإفزاع، وإرغام ، وتجويع الدول المستهدفة لحملها على الخضوع والانصياع للمطالب الأميركية . ورغم أن هذه الممارسة أقل عنفاً من الحروب العسكرية ، إلا أن العواقب تكون وخيمة غالبا على السكان المدنيين والأطفال الأبرياء الذين لاناقة لهم في الصراع ولاجمل . وعلى هذا فإن الحصار الاقتصادي الذي تقوم الولايات المتحدة الأمريكية على أي دولة لابد وأن يخضع للدراسة القانونية من قِبَل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة .
. ورغم أن الحرب الكونية على سورية توصف في الإعلام الغربي والصهيوأعرابي على أنها حرب أهلية ، فإنها كانت في حقيقتها حرب لتغيير النظام بقيادة الولايات المتحدة والمملكة السعودية بموجب توجيه رئاسي أميركي تحت مسمى “Timber Sycamore”.
واللافت أن أيّاً من الحروب الأمريكية لم تحقق أهدافها السياسية ، وأتى في أعقاب الصراعات الكبرى الناجمة عنها إرهاب العنف المزمن وانعدام الاستقرار . فأفضت محاولات إرغام الرئيس الدكتور بشار الأسد في سوريا على ترك السلطة إلى اندلاع حرب بالوكالة ــ ضمت في نهاية المطاف ، الولايات المتحدة ، وسوريا ، وروسيا ، والمملكة السعودية ، وقطر ، وإيران ، وتركيا ، والكيان الصهيوني ، والإمارات العربية المتحدة أدت إلى نزوح أكثر من عشرة ملايين سوري ، وموت أكثر من نصف مليون شخصاً نتيجة لأعمال العنف والإرهاب .
في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ فترة (ترامب) الرئاسية تتجنب الدخول في حرب جديدة ، لكنها ماتزال تواصل الجهود الأميركية لتغيير الأنظمة بوسائل أخرى وهذا ينطبق على كل من الإدارتين الأمريكيتين سواء الديمقراطية منها أو الجمهورية التي هي الأكثر ميلا إلى التدخل . وكانت استراتيجيتها ، على الأقل حتى الآن ، تعتمد على القوة الاقتصادية الأميركية أكثر من اعتمادها على القوة العسكرية لإخضاع الخصوم ، وزعزعة الاستقرار ، وذلك مايهدد على نحو لا ينقطع بإشعال فتيل حرب صريحة (حافة الهاوية) ، كما يحدث مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بين فترة وأخرى .
وشاركت الإدارات الامريكية المتعاقبة في محاولات لفرض حصار اقتصادي شامل ، ضد كوريا الشمالية ، وفنزويلا ، وسورية ، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ، فضلاً عن العديد من الحصارات الأقل صرامة ضد دول أخرى (كوبا ونيكاراغوا) . كما تبذل جهوداً مكثفة – فاشلة – لمنع الصين من الوصول إلى التكنولوجيا . ورغم أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد أقرَّ الحصار المفروض ضد كوريا الشمالية جزئياً ، ولكن الحصار المفروض على الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتعارض بشكل مباشر مع مجلس الأمن الذي تتلخص مهمته – ظاهرياً – بالحفاظ على الأمن والسلام الدوليين . ويظل الحصار الأمريكي المفروض ضد سورية وضد فنزويلا حتى الآن قائما دون مشاركة مباشرة وواضحة من مجلس الأمن الدولي ، سواء مع أو ضد . إذ تحاول الولايات المتحدة الأمريكية عزل الدول الثلاث (سورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وفنزويلا) عن كل أنشطة التجارة الدولية تقريباً ، مما يسبب نقصاً في الغذاء ، والأدوية ، والطاقة ، وقطع الغيار اللازمة لمشاريع البنية التحتية الأساسية ، بما في ذلك الإمدادات من المياه وإعادة تأهيل وتنشيط شبكات الطاقة .
بينما يعمل حصار (كوريا الشمالية) في الأساس من خلال عقوبات مفروضة بتفويض من الأمم المتحدة ، ويضم قائمة شاملة من الصادرات إلى كوريا الشمالية والواردات من كوريا الشمالية ، والعلاقات المالية مع الكيانات المالية في (كوريا الشمالية) . وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أن عشرة ملايين كورياً شمالياً معرضون لخطر الجوع ، وهو ما يرجع جزئياً إلى العقوبات الأمريكية المفروضة ، وتحذر منظمة الأغذية والزراعة في تقريرها الذي يقول :
” إن الأثر السلبي الذي قد تخلفه العقوبات على الإنتاج الزراعي في الدول المحاصَرة ، من خلال تأثيرات مباشرة وغير مباشرة ، لا يمكن تجاهله . ويتجلى أكثرها وضوحاً في القيود المفروضة على استيراد سلع بعينها ضرورية للإنتاج الزراعي ، وخاصة الوقود ، والآلات ، وقطع الغيار للمعدات ” .
وتنقسم العقوبات الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على (فنزويلا) إلى مرحلتيناثنتين ، كانت الأولى ، بدءاً من أغسطس/آب 2017 ، الموجهة في الأساس إلى شركة النفط الحكومية (PDVSA) وهي المصدر الرئيسي لتوفير القطع الأجنبي في البلاد ، بينما كانت الجولة الثانية من العقوبات ، التي فُرِضَت في يناير/كانون الثاني 2019 ، أكثر شمولاً ، حيث استهدفت الحكومة الفنزويلية كلها ، ويُظهِر تحليل مفصل حديث للجولة الأولى من العقوبات تأثيرها المدمر . الواقع أن العقوبات الأميركية الأحادية أدت إلى تفاقم سوء الإدارة الاقتصادية إلى حد كبير ، فساهمت بالتالي في انخفاض إنتاج النفط بشكل كارثي ، وفي التضخم المفرط ، والانهيار الاقتصادي (انخفض الإنتاج بنحو النصف منذ عام 2016) ، والجوع ، وارتفاع معدلات الوفيات .
كما كانت العقوبات الأميركية المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية مطبقة بلا انقطاع تقريبا منذ العام 1979. وتهدف الإجراءات الأحدث والأشد قسوة ، التي بدأ تطبيقها في أغسطس/آب 2018 ثم ازدادت حدة لتصل إلى منع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الوصول إلى التجارة الخارجية .
إن العقوبات الأميركية بشكل مباشر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 ، الذي أقر الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران في عام 2015 . وكانت التأثيرات في ذلك مدمرة . إذ توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد الإيراني بنحو 10% في الفترة من 2017 إلى 2019 ، مع وصول التضخم إلى 30% . هذا فضلاً عن نقص المعروض من الأدوية .
وقد توقعت الإدارة الأمريكية أن دولاً تستطيع التحايل على العقوبات الأمريكية الأحادية المفروضة ، فقامت بتهديد الشركات الأجنبية بفرض العقوبات عليها في حال انتهاكها للحصار (قانون قيصر) واستخدمت النفوذ العالمي لسطوة الدولار الأمريكي كهراوة فوق رؤوس البنوك الأجنبية التي تموّل التعاملات التجارية مع الدول المحاصرة ، وانصاعت الشركات والبنوك الاجنبية لذلك .
وعلى الرغم من الأوجاع والآلام الاقتصادية المبرحة ، إلا أن العقوبات الأمريكية المفروضة على سورية وعلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكوريا الشمالية وفنزويلا ، أثبتت أنها لم تكن أكثر نجاحاً من التدخل العسكري ، فقد حافظت كوريا الشمالية على ترسانتها النووية وعملت على توسيعها ، وثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على رفض المطالب الأمريكية ونازال الرئيسان السوري الدكتور بشار حافظ الأسد والفنزويلي نيكولاس مادورو في السلطة لفترة جديدة توّجها الشعبان السوري والفنزويلي بنتائج انتخابات حرّة ونزيهة ..وأسطورية للرئيسين . وهذا الأمر إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن إرادة الشعوب تبقى أقوى من أي سلاح مهما عظم تهديده بالإبادة والفناء ، وأبقى في فعاليتها أكثر من أي قوانين دولية لاتعتمد العدالة والمساواة في تطبيقها .
Discussion about this post