كتاب في سطور
“حيرة الأسئلة في قصص “ومع ذلك أحببتك”
للكاتبة التونسية سناء الحرابي
بقلم الشاعر عمر دغرير :
( ومع ذلك أحببتك) مجموعة قصصية للكاتبة سناء الحرابي صدرت سنة 2020 عن دار الوطن العربي للنشر والتوزيع في أكثر من 200 صفحة من الحجم المتوسط وفي طبعة أنيقة. وتحتوي على 22 قصة وأقصوصة يمكن تصنيفها ضمن قصص العشق والغرام في زمن الحلال والحرام حيث يصبح الحب مستحيلا ,أو يصبح كذبة يكون المحب صاحبها وفي الآن يصدقها . وقد جاء على لسان الراوية في صفحة 205 :
(… حبست دموعي و كتمت أوجاعي وأجبتك :
” شكرا لأنك علمتني أكبر درس في الحب و هو أن الحب ليس سوى كذبة يتمنى البؤساء أمثالي أن تتحقق لهم في حياتهم، شكرا لأنك أعطيتني درسا وهو ألا أهدر قصائدي على السطحيين أمثالك، شكرا على لاشيء ” …).
ومن الإهداء تشدنا الكاتبة شدا وتغرقنا في دنيا العشاق وقد قالت بعد أمها و أبيها : إلى كل عاشق وحبيب مازال على قيد الحب وعلى قيد العهد . ومن منا لم يذق طعم العشق ,و لم يعش حيرة المحبين , والأسئلة التي تلازمهم في كل حين .وعلى هذا الأساس يمكن اعتبارهذه القصص على اختلافها , قصص الأسئلة والحيرة بامتياز. وهذا نلاحظه تقريبا في كل النصوص , ولعل سناء الحرابي وبلسان الراوية تكون اختزلت هذه الأسئلة في قصة “شكرا على لاشيء” وقد قالت في صفحة 189 :
(… قلت لي بنبرة فيها استغراب:
أنت فعلا غريبة لم أصادف في حياتي شخصا مثلك، تكرهين الربيع و الصيف في المقابل تعشقين الشتاء و الخريف، تكرهين الأبيض و تحبين الأسود، تكرهين النهار و تعشقين الليل و الكثير الذي لم أعرفه بعد، من أنت عزيزتي؟
حسنا سأجيبك، من أنت؟
” أنا الحاضر و الماضي أنا الغربة و الغياب أنا السعادة و الإكتئاب أنا الأمل و اليأس أنا الحياة والموت أنا الشعر و القصيدة أمازلت تسأل من أنا؟ أنا من سقطت من السماء في يوم من أيام الشتاء بلا موعد فإن أردت أن تعرف من أنا فلا تحاول لأنني أنا لا أعرفني فهل فهمت قصيدتي؟”…).
وحتى نفهم أكثر ما تخفيه هذه القصص أقرأ عليكم ما ورد في التمهيد على لسان الكاتبة :
سألني ذات مرة: “كيف تعرفين الحب؟”
أجبته بكل هدوء: “إنما الحب كالموت هما وجهان لعملة واحدة، كلاهما كفيل بجعل الإنسان يفقد روحه، ستجد نفسك هائما شاردا دائم التفكير في الحبيب حتى و أنت بين أصدقائك أو عائلتك،ستكون حاضرا معهم جسديا فقط لأن عقلك و قلبك حتما سيكونان معه، سيجعلك الحب تتجول في الشوارع دون هدف، ستجلس في إحدى المقاهي و تنتظر،قد ترغب في شرب فنجان من القهوة لكي تقتل ذلك الإنتظار الذي يجلس على الكرسي أمامك و هو يسخر منك، تأخذ فنجان قهوتك الأسود بلون الحزن و المر بطعم ا الإنتظار بغية أن ترتشفه، لكنك ستبصر ِانعكاس صورتك في ذلك الفنجان، ستفزع لأنك تكاد تكذب أنك أنت صاحب الصورة ذوالوجه الشاحب، تعود من تشردك المؤقت في الشوارع الخالية من ألوان الحياة لتدخل غرفتك، تغلق الباب على نفسك، ثم تبدأ بالتفكير في حبيبك والذي غالبا ما يكون منشغلا مع غيرك، تتهالك على فراشك، تحاول معانقة قلبك علك تحظى بغفوة، لكنك تتذكر فجأة بأنك تركت قلبك هناك عند ذاك الميت، تعود أدراجك نحو ذلك القبرلترى بأن الميت الذي نسيت عنده قلبك يجلس على قبره و يسخر منك، أتساءل إن كان هو من مات أم مشاعره؟ الأمر معقد أليس كذلك؟”
والأمر بالفعل يصبح معقدا لقارئ عاشق تهطل عليه الأسئلة مثل المطر في كل هذه القصص وقد لا يجد أجوبة مناسبة ويدخل في حيرة حتى ينهي آخر قصة في هذه المجموعة ويكتشف في النهاية أن ماختمت به الراوية حكاياتها :شكرا على لاشيء .هو بالفعل الجواب المناسب لحيرة كل عاشق مازال على قيد الحياة .
Discussion about this post