“التشابه”
بقلم:ماهر اللطيف
كانت منشغلة بمكالمة هاتفية وهي تجوب شوارع المدينة و أزقتها ولا تعبأ بتلك العيون التي ترمقها من كل صوب وحدب أو تلك النفوس الخبيثة التي تشتهيها وتشتهي القرب منها، ولا جبال الكلمات المختلفة التي كان يرشقها بها كل من تمر بجانبه أو أمامه – وغالبا ما كانت كلمات نابية وغير محترمة حقيقة تنم على مستوى تفكير قائليها وتدينهم وارتباطهم بالعادات والتقاليد السمحة وابتعادهم عن كل توازن وحكمة وغيرها -.
فقد كانت تترنح في مشيتها، تستعرض قوامها الجميل وتبعث روح طيبها لكل من وصله في طريقها وهي تخفي جمال هذا الجسد ورشاقته تحت لباس أحمر اللون وشفاف يبرز بعض مفاتنها التي تثير شهوة ورغبة كل ذكر يراها مهما كان سنه أو حالته الاجتماعية أو الصحية وغيرها والغيرة والاشمئزاز والاستغفار وغيرها من طرف بنات جنسها، تلعب أحيانا بخصلات شعرها الطويل الأسود وتبتسم تارَة وتغضب طورا، تعلي في صوتها وتخفضه…، إلى أن اعترض سبيلها كهل متوسط القامة واسمر البَشَرَة، أنيق الملبس والمظهر، يبدو أنه تجاوز العقد الرابع من عمره، فتسمر في مكانه ونزع نظاراته وهو يمعن النظر إليها ويبتلع ريقه باستمرار ويمسح عرقه وقد احمر وجهه، قبل أن يقول باستغراب وتلكئ وتقطع في الكلام :
– جميلة؟ ؟ ؟ (يدقق النظر فيها من كل جانب) الله أكبر الله أكبر (لكنها لم تره ولم تتوقف و واصلت سيرها وهي تخاطب من يهاتفها) انتظري، انتظري أرجوك (يلتحق بها ويمسكها من ذراعها إلى أن خافت وصدمت من هذا المشهد المفاجئ)
– ويحك يا هذا، ما الذي تفعله؟
– (وهو يجفف عرقه ويزداد دهشة وحيرة) سبحان الله، حتى الصوت نفسه
– (ساخطة بعد أن طلبت من مخاطبها على جهاز الهاتف الانتظار قليلا للتخلص من هذا المعتوه كما رأت من كلامه وتصرفاته) حتى الصوت؟ هل تعرفني؟ ماذا تريد مني؟
– (ولا يزال “محنطا” وفي حالة ذهول) ألست جميلة؟ جميلة حبيبتي التي تقاسمت معي سنوات حياتي وأهدتني الحب والوفاء والولاء والإخلاص قبل أن أهاجر إلى الغرب لتحسين وضعيتي المالية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فارغمها أهلها على الزواج من قريب لها قضت معه بعض السنوات قبل أن تموت هما وغما وحسرة على حب مات قبل أن يبتدئ؟
– (متأففة وهي تبعده من أمامها يبدها وتستأنف سيرها و التخاطب مع مخاطبها عبر سماعة الهاتف) كف عن الهراء واختلاق الحكايات والسيناريوهات الجوفاء، فلست ممن تبحث عنهن، لا أنا المسماة جميلة ولا أنا التي تؤمن بما كنت تسرد يا هذا
وبقي في مكانه يتابعها وهي تختفي عن بصره وقلبه يزداد خفقانا ورغبة في اللحاق بها ومواصلة الحديث معها والتأكد من هويتها قبل الرجوع إلى منزله و زوجته التي تنتظر مشتريات الغداء وأبنائه، فهل تكون ابنة “المرحومة” – يتساءل بصوت شبه مسموع -، أم إنه مجرد تشابه في كل شيء، أم هو وهم وتداخل في الصور والأشخاص نتيجة تواجد شيء ما في هذه الفتاة جذبه وحيّر داخله تلك الذكريات التي استعمرت كيانه وحواسه وكل مكوناته فلم يعد ير سواها في هذا الظرف والوضعية، حتى إنه رأى جميلة أمامه بشحمها ودمهما – رغم يقينه البات في موتها وزيارته لقبرها باستمرار إلى اليوم – ، وسمع صوتها وانتظر كلمتها التي كانت دائما تطربه وتذيبه بها وتجعله يطير إلى عالم نقي وطاهر ومخلص بعيدا عن هذا العالم وهي تنبس في أذنه بكل رقة وحنان ولين “أحبك، أحبك، أحبك ولن ينزع مني هذا الشعور الحي غير الموت” ؟ ؟؟







Discussion about this post