صورة طبق الأصل
تقلني سيارة الأجرة إلى مقر عملي، يكاد الزحام يخنقني، أرقب الوجوه من حولي، وجوههم عابسة وكأنهم يسيرون إلى الهاوية، يجمعهم بؤس واحد ومصير مشترك، ينبهني السائق ويطالبني أن أجمع الأجرة من الركاب لاقترابنا من المكان المقصود.
أمد يدي إليهم وأناولهم الباقي باليد الأخرى، انهمك في ذلك ليمر الوقت، أحصي ما جمعته وأعطيه للسائق، يشكرني على مساعدتي له، تباغتني رؤية وجهه المطل من مرآة السيارة، ملامحه أذكرها جيدا، أحدق فيه باحثا في تفاصيله عن لقاء سابق جمعني به، أفرك عيني وأعاود النظر إليه مرات متتالية.
ترحل ذاكرتي إلى ماض قريب، حين توقفت السيارة أمام كمين شرطة غير معتاد في مكان يكاد يخلو تماما من البشر، التف الجنود حول السيارة؛ يطلبون منا بطاقات الهوية، لسوء حظي لم أعثر عليها في حافظة أوراقي، جذبني الجندي من ذراعي ودفعني أمامه حتى وصلنا إلى الضابط، وأمامه وقفت عاجزا عن الإجابة، حاولت توضيح سبب عجلتي في الخروج، ولكنه أصم أذنه عن سماعي، حملتني سيارتهم وسط المشتبه فيهم إلى القسم.
تجلجل صوت الضابط بين جنوده ينادي علينا واحدا تلو الأخر، رن هتافه في سمعي لمدة من الزمن، والآن تذكرت جيدا هذا الوجه القاسي والصوت الغليظ، إنه وجه الضابط بنظراته المتفحصة، وبنبرة صوته ذاتها التي لم تتغير.
تدور في رأسي أسئلة بلا إجابات، رأيته الأسبوع الماضي ضابط يندفع بنا إلى قسم الشرطة، يتلقى التحية من جنوده ويهابه الجميع، تبرز قوة شخصيته وسيطرته، يترامى إلى مسامعي اسمه أحمد بيه- كما ينادونه- يتركني انصرف بعد أن أحضر صديقي بطاقة إثبات شخصيتي، ظلت ملامحه وكلماته التحذيرية عالقة بذهني، ولكن كيف يحدث هذا؟ أين ولت هيبته وأناقته التي كان عليها؟ هل تم فصله ليلتحق بالعمل كسائق بموقف السيارات.
يكاد عقلي يجن، لا أستطيع منع سيل التعجب الذي يبدو ظاهرًا على وجهي، مددت يدي إليه وأودعته ما جمعت، حاولت الاقتراب منه، كان سؤالي عن اسمه وعمله الحقيقي يقفز أمام عيني، منعني التكدس والازدحام من الوصول إليه، وقفت أتأمل باقي الوجوه من حولي؛ لعلي أجد من يشبهها في سجلات الماضي.
أوشكت أن أنادي عليه قائلا أحمد بيه، ولكن قبل أن يتفوه لساني تردد على مسمعي اسم سيد، صديق له جالس بيننا يرفع صوته إليه، يجيبه بصوت مهتز ويطلب منه ألا يدفع الأجرة، تصل بنا السيارة، وقبل نزولي منها يلوح لي بابتسامته.
محمد كامل حامد
Discussion about this post