إطلالة نقدية على
رواية ” حانة أراذليا ”
للكاتب المفكر المبدع السكندري
سعيد عثمان Said Osman
بقلم الأديب / محمد البنا
…………………………….
لا يساور أي قارئ لأطروحات سعيد عثمان السردية أدنى شك في أيدلوجيته العربية الصرفة، والمهتمة أيما اهتمام بهموم وطننا العربي من محيطه إلى خليجه وخاصةً شقيه الفلسطيني والمصري.
كاتب مفكر عاهد نفسه أن يحمل قضايا شعبه العربي فوق كتفيه، ليستوطن مشاكله بين سطوره وفوق صفحات كتبه، كما يتضح ذلك جليًا في روايته ” التلة الحرام”، وروايته الملحمية التي نحن بصددها الآن ” حانة أراذليا “.
كاتب يوظف كل ما يملكه من ثقافة وفكر عالمي الهوية، عربي النزعة، لخدمة قضيته وشاغله الرئيس، محاولًا – ولا يألو جهدًا- الإجابة على السؤال الملح ” لماذا ؟ ”
لماذا نحن نعاني بينما الآخرون ينعمون بثراوتنا الطبيعية عامة والعلمية خاصة ( هجرة العقول العربية )؟
لماذا نستقدم من الآخرين قشورهم بينما هم يستولدون جواهرنا ودررنا ( إنجازات السلف فكرًا وعلما ) ؟
لماذا ؟.. لماذ هم في الأعلى ونحن في القاع دائما ؟
سؤالٌ مصيري ما فتئ يطرحه جهارًا ونهارًا ..تلميحًا وتصريحا، عله أو على الأقل علّنا نسأل أنفسنا نحن أيضا..لماذا ؟.. فإن لم يجد إجابة علّنا – يأمل ذلك ويتمناه- نجد إجابة.
حانة أراذليا..رواية ملحمية بكل المقاييس الأدبية كافة، تضاهي الألياذة في عالميتها، وتقارب سيرنا الشعبية الملحمية ك سيف بن ذي يزن، والهلالية، رواية تماثل حكايات ألف ليلة وليلة ولكنها حكاية واحدة بألف ليلة وليلة، بطلها الملحمي ليس شخصية بطولية كما الملاحم، ولكنه شخصية تعاني تردي أوضاع اجتماعية وسياسية وفكرية، شخصية تعاني أزلية التردد والتراوح الإيماني بين إلحادٍ في ظاهره، بينما يكمن في دواخله بذور توحيد فطري، جبل الخالق خلقه عليه، وأشهدهم عليه وهم في ظهور آبائهم.
شخصية اتخذت موضعًا لقدمها بين الشرق( نحن) والغرب( الآخرين)، لتضع العقل في أقصى درجات سموه وأعلى مراتب جنونه حريصًا ودائما – بوعي وبدون وعي- على المقارنة بينهما، قدمٌ في جهنم الشرق وترابه المحترق والمحرق، وقدمٌ في جنة الغرب وبساتينه ونسائم حريته.
رواية اعتمدت في بنيتها السردية الملحمية على تقنية التداعي الحر، وهى كما نعلم فرع من ثلاثة أفرع لمدرسة تيار الوعي السردي ما بعد الحداثية.
بطلها الوحيد والأوحد يمسك مقود دفة النص يوجهه حيث يشاء، أو يوجهه المقود حيث شاء له أن يتجه، فتنبثق كل شخوص الرواية من خلاله، معتمدًا منظومة ومنهجية البناء الطردي او التراكمي لتراكيب شخصياته سرديًا ونفسيا وماديا ( الملامح المميزة والفارقة لكل شخصية ).
رواية اتكأت على أربعة محاور رئيسة معروفة ومتداولة عالميًا وانسانيًا كأدب غربي وكأدب عربي، وكديانات سماوية أو وضعية..اعتمد أولًا على يوتوبيا أحمد خالد توفيق في مقاربة ملحوظة وإن خالفتها في التفاصيل، وأعتمد ثانيًا على ما شاع وذاع عن محاكم التفتيش الأسبانية أبان الفتح الإسلامي للأندلس ( تاريخ الأندلس ل/ محمد عناني )، واعتمد ثالثا على جحيم دانتي ومازج بحرفية بينه وبين ما ورد في حديث الإسراء والمعراج المطوّل كثير التفاصيل. واعتمد آخرًا على ما اعتمده سابقيه ك / جان بول سارتر، وك نجيب محفوظ ( أولاد حارتنا ) في بث أفكاره وأيدلوجيته الوجودية ضمن احداثيات رواية.
رواية تدويرية فمن حيث ابتدأت أنتهت، وانتهت حيثما بدأت.
رواية جمعت بين الفلسفة بكافة فروعها من الارسطية إلى الوجودية مرورًا بالتشاؤمية ( شوبنهور )، والاسقاط السياسي المجتمعي، وعقدة أوديب ( الأم / روز )، والبرجماتية كنهج سردي مميز.
ولعل من نافلة القول أن أقول ” إنكار الشيء دليل دامغ على وجوده ”
هذه هى الركيزة الأساس التي سعى الكاتب العبقري سعيد عثمان لتوكيدها طوال مسيرته السردية عبر ٥٢٦ صفحة هى عمر روايته سرديًا، وإن طال عمرها الفعلي بضعة أشهر، فإن عمرها الحقيقي ولادته بعد البدء ونهايته قبيل الانتهاء، رحلة مع مجنون عاقل ألغى عقولنا وسحرها واصطحبنا معه حائرين ..نتساءل أهو مجنون حقا أم سليم العقل ناجزه؟
ونتساءل..إلى أين هو ذاهبٌ بنا؟..أإلى جحيم دانتي ؟ أم إلى جنة عرضها السموات والأرض؟..لنتفاجأ به وقد استقرت خطانا لحينٍ في رحاب السماء التاسعة.
رواية تنتمي لأدب الديستوبيا، وتضع أقدامها على قدم مساواة مع رائعة الدوس هكسلي ( عالم جديد شجاع )، ومع رائعة راي برادبوري ( ٤٥١ فهرنهيت)..عن السياسة المتبعة لتركيع الشعوب من قبل حكامها الطغاة…سياسة الخوف.
رواية اعتمدت العنصر النسائي فيها كنماذج مكررة ولعل من أهمها قاطبة كانت الشخصية المحورية ( روز // الأم ) كما سبق ونوهت عن عقدة أوديب.
محمد البنا…القاهرة في ٣٠ مارس ٢٠٢٣
Discussion about this post