أمُّ علي
(1)
كان يا ما كانْ
في هذا الزّمانْ
إمرأةٌ تُدعى أمُّ علي
المكانْ : جنوبُ لبنانْ
ذهبَ أبو علي الى الحقلِ
وما عاد
تناثرَ الرّجلُ أشلاء
فبَكَتْ
وما استسلمَتْ للأحزانْ
أطفالُها أربعةٌ وزينبْ
لم تخلعِ الأسوَدَ
فالأسْودُ ضدّ النسيانْ
تصحبُ الخمسةَ كلَّ يومٍ
يقرؤونَ الفاتحةَ فوق القبرِ
يأخذونَ درس الصّباحْ :
” الأرضُ غاليةٌ ”
“يا مرحباً بالموتِ اللذيذْ ”
” الشهيدُ حيٌّ لا يموت ”
كبُرَ الأطفالُ على عجلٍ
إستلَمَ البِكرُ “علي” بندقية أبيهْ
ودّعَ أمّهُ ومشى
كانتْ تعرفُ كُلَّ شيءٍ
سيشهدُ الوادي معركةً كبرى هذه الليلة
لم تنمْ
تخرجُ الى الشرفةِ
ثمّ تعودْ
تُصلّي وتبتهلُ
ثمّ تخرجُ
ثمّ تعودْ
ساعةُ الصِّفرِ عند الفجرِ
أذَّنَ المؤذّنُ
فامتلأ الوادي بالرّصاصْ
سمعتْ فزغردَتْ
وعلَتْ الصّيحاتْ :
الله أكبرْ
إمتلأتِ الشوارعُ بالزغرداتْ
تسمّرتْ عيناها على الوادي
كانتْ تنتظرُهُ
تأخّرَ علي
تمتمتْ : لماذا يا علي؟
هاهمْ
لمحتْهمْ
الشبابُ عائدونْ
تسارعتْ دقاتُ قلبِها
كانوا يحملونَ شيئاً
تمتمتْ: ماذا يحملونْ
وصلوا فإذا بالمحمولِ علي
زغردتْ
ردّدتْ :
أنا أمّ البطلْ
رفعتُ يديها الى السماءْ
ثمّ قالتْ :
اللهمّ تقبّلْ مني ولدي
إلتفتتْ الى الناسِ وقالتْ :
اليومَ عُرْسُ علي فقدّموا التهاني لي لا العزاءْ
(2)
مرَّ الشهرُ سريعاً
نادتْ “مُحمّد”
ولدي
ماذا تنتظر؟
جاءَ دورُكَ يا بطلْ
خُذْ سلاحَ أخيكِ وامْضِ
ردّ : لبّيْكِ يا أمَّ الشهيد
قبّلتْهُ
همستْ في أذنِهِ :
ولدي
لو لمْ تعُدْ
سلِّمْ على أبيكْ
سلِّمْ على أخيكْ
لا تقلقْ علينا
قبّلَ يدها ومضى
طالتْ غيبتُهُ
شهرانِ مرّا
لم يعدْ
أخيراً عاد “محمد”
عادَ مُستشهِداً
أقامتْ له عرساً كعُرسِ علي
ما بكَت
غريبٌ أمرُها
شهيدانِ ولم تبكِ
نادتْ أمام الناسْ :
يا “أحمد”
جهّزْ نفسكَ فقد جاءَ دورُكْ
(3)
ما طالتْ غيبةُ “أحمد”
يومانِ وعادَ كما أخيهِ مستشهِداً
بكتْ هذه المرّة دمعتينْ
زغردتْ مرّتينْ
ثمّ نادتْ :
بقيَ انتَ يا “حُسين”
الأرضُ تناديكَ فارحلْ
(4)
إقتحمَ رجالُ المقاومةِ موقعَ “الطُّهرة”
إحتلّوهْ
قتلوا الكثيرَ من العساكرِ
أسروا إثنينْ
كان الثمنُ شهيدينْ
أحدُ الشهيدينِ “حُسين”
(5)
تقدّمتْ “زينبْ”
أريدُ ان أنتقمَ لأبي وأخوتي
تردّدَتِ الأمُّ
قالتْ: أنتِ فتاةٌ يا زينبْ
ردّتْ:أنا إبنة الشهيدِ وأختُ الشهداءْ
أنا الشاهدةُ على كربلاءْ
ومضتْ
كانتْ تلبسُ حزاماً ناسفاً
إنتظرتهمْ حتى وصلوا
ضغطتْ على زرّ التفجيرْ
تساقطَ اليهودُ بالعشراتْ
ضجتْ بخبر زينبَ الشاشاتْ
أمُّ علي تُوزّعُ الحلوى
تزورُ القبورَ صباحَ كلّ يوم
ترفعُ يديها الى السماءِ كلَّ يومْ
تُتمْتِمُ : هل رضيتَ يا ربّ؟
***
تنويه :
قصة أمّ علي قصةٌ حقيقية وهي نسخةٌ عن كلّ امرأةٍ جنوبية
لولاهُنَّ ما كانتْ مقاومة وما كان نصرٌ وما كان تحريرْ
هُنَّ معلّماتُ أبجديّة المقاومة
هُنَّ أصلُ فعلِ الفِداءِ الذي تعمّمَ في جنوب لبنانْ
لأمّ علي أجملَ التحيّاتْ
لنساءِ الجنوبِ نرفعُ القبّعاتْ
يا أمَّ علي الجنوبيّة
سلامٌ عليكِ يومَ وُلِدْتِ ويومَ تموتينَ ويومَ تُبعثينَ حيّة
…………………………….
شاعر الأمل حسن رمضان _لبنان
Discussion about this post