(السلطة والمسرح )
سالم الزيدي
اتخذ المسرح العالمي موقفا في ( المواجهة والتحريض،) كفعل بشري لتحقيق الرغبة لترسيخ قيم ورغبات في الحرية والسلام والجمال وتحقيق العدالة والديمقراطية وبناء المجتمع وفق مسار انساني
لاحترام ا الاخر،وعرض مشكلات الواقع الاجتماعي . ولعب المسرح دورا مهما في ذلك منذ البدايات الأولى في اليونان والرومان
واستمرت مواقفه لتطهير النفس البشرية والتزامة بقضايا الإنسان إلى ان مسرحنا العراقي ومنذ انطلاقته في أواخر (القرن التاسع عشر) اتخذ العاملون فيه الموقف الرافض والمشارك في التحريض،ضد ما تقوم به السلطات من أفعال معادية للوطن والشعب ، وعلى وفق خطاب مسرحي يتضمن هموم الإنسان العراقي .على الرغم من أن الدولة كانت ومازالت مالكة لوسائل الانتاج ( قاعات المسارح، الفرق المسرحية الحكومية، العاملون في الفرق المسرحية الحكومية من الموظفين ) وقد وضعت القوانين والأنظمة الشديدة في تأسيس الفرق التمثيلية وشروط اجازة النصوص المسرحية ،والتعليمات الخاصة بالموافقة على العروض المسرحية (لجان الرقابة)،وكان لتلك اللجان سيئة الصيت من قرارات ظالمة في إجازة نصوص ومنع عروض مسرحية تتوفر فيها كل أسس العمل الفني الجيد (فكريا وفنيا وجماليا)،
بسبب التزام تلك المسرحيات بقضايا الإنسان العراقي ، ومحافظة ديالى لاتبتعد،عن ذلك الواقع ،فقد واجه ( مسرح ديالى ) حملات منع نصوص وعروض واقتحام قاعات عرض أثناء العرض من قبل أجهزة أمنية واعتقالات المسرحيين وإجراء التحقيق مع مخرجين من العاملين في التعليم ونقلهم إلى مناطق نائية، وذكر الفنان( حسين ناصر ) رائد مسرحي أن متصرف ديالى أمر بمنع عرض مسرحية ( سقوط غرناطة ) عام ١٩٥٤ .وجرى التحقيق معه بسبب ما قال جملة كانت ضمن النص ( أن الملوك فانون…واما المبادىء فخالدة) وتم العرض بحضور المتصرف ، مما أدى الى انزعاج المتصرف لان الجمهور صفق للممثل وبدأت هتافات في القاعة ضد الاسنعمار،مما ترك القاعة وأمر بإيقاف العرض حالا، ويذكر أيضا أن مسرحية ( في سبيل التاج )عام ١٩٥٤ منعت من العرض بعد يوم الافتتاح لأنها تعالج موضوعة الظلم والاستبداد،
وقدمت فـــــــــــــــــرقة التربية المسرحية عام ١٩٦٥ مسرحية ( أيام زمان ) تعريق (عبد الخالق جودت) عن مسرحية( المفتش العام ) تأليف (غوغول) وإخراج( ثامر الزيدي ) وعرضت المسرحية بحضور الدكتور ( عبد الرحمن البزاز) رئيس وزراء العراق الذي كان يزور بعقوبة ، وأثناء العرض حاول بعض المسؤولين إيقاف العرض الا ان (البزاز )كان سعيدا جدا لأحداث المسرحية،لانها تكشف واقع المدينة التي تعيشها من جراء عدم توافر الأمن والتعليم وضعف الخدمات الصحية والفساد في الدوائر، واستمر الممثلون بتقديم عرضا متميزا وبمتعة .وفي نهاية العرض تدخل البزاز كما يقول: (ثامر الزيدي ) في كتابه(ذكريات المسرح الصعب) أن الممثلين بدؤا بالتلعثم عند قراءة الرسالة التي وصلت للقائمقام،… هنا تدخل( البزاز) وطلب إكمال قراءة الرساله من قبل( سالم الزيدي الذي كان يمثل دور القائمقام نفسه) حيث قال له بصوت عال (أقرا اقرا ) قرأ( الممثل) الزيدي العبارة (اما قائمقام المدينة فهو مرتش يلعب
القمار ويسرق أموال المدينة ) فساد الضحك والتصفيق في القاعة ، وفي اليوم الثاني عقد اجتماع لوجهاء بعقوبة وتحدث معهم البزاز طالبا منهم تحديد احتياجاتهم،فلم يطلب شخص طلبا تحتاجه المدينة بل كانت طلباتهم شخصية ،فرد عليهم بغضب …الحقيقة سمعتها من الممثلين الذين كانوا على خشبة المسرح….وطلب عدم معاقبة المشاركين في المسرحية وتوجيه الشكر لهم ….الا ان المتصرفية والتربية عملت عكس ذلك .. . ويذكر أن شرطة أمن بعقوبة اقتحمت قاعة التربية بتاريخ ٢٥نيسان ١٩٧٩ أثناء عرض مسرحية ( الإجازة ) للكاتب الراحل محيي الدين زنكنه وإخراج سالم الزيدي ،وكان العرض منجزا مشتركا لفرقتي ( بعقوبة وديالى) وحمل (المضمون أو الرفض)
قيما فكرية وفنية وجماليا وتميزت بتعاون جسدت وحدة المسرحيين في ظل (الجبهة الوطنية )،واستمرت اكثر من اسبوعين بحضور جمهور غفير ،ولأول مرة حضرت وفود من محافظات ( بغداد و كردستان وبابل وكربلاء ) واثناء، حضور الوفود اقتحمت زمرة من رجال أمن بعقوبة القاعة وصعد أحدهم وجر أحد الممثلين واخرجه،وبدأ نقاش معهم وطلبنا منهم السماح له باكمال العرض ثم اعتقلوه،فرفضوا ذلك، واقتادوا الممثل وكل من ( سالم الزيدي ومؤيد الناصر وعلي الطائي والممثل عبد الرزاق محمود ) إلى مديرية أمن بعقوبة. وحين دخلنا على المسؤول، قال متهكما، (محي الدين زنكنه) لماذا تتحدى الحكومة؟ قلت له : محيي الدين زنكنه غير موجود رد بعصبية: والذي يرتدي (التشيرد) الاحمر من هو ….؟ قلت له: الممثل عبد الرزاق محمود… انتفض صارخا: واين محيي….؟
اجابه الفنان مؤيد الناصر : لا ندري… قال الضابط وما علاقته بكم ؟ رد الفنان علي الطائي: انه المؤلف…. وبعصبية بدأ يتكلم بكلمات بذيئة ، على الضابط الذي اعتقلنا، رد الضابط كان أمر الاعتقال ( اللي لابس تيشرد احمر) اعتقلو….وهو وحده كان يرتدي ذلك… عندهاصرخ المدير بعصبية و أمر المدير صارخا :اخرجوهم ……. وتم استدعاء المسرحي الراحل عامر مطر إلى الأمن حين كان يشارك في مسرحيه( بهلوان آخر زمان) إخراج الفنان ثامر الزيدي لانه كان يحمل دفترا احمر اللون!
كما منعت عرض مسرحية ( قضية ظل الحمار )
لفرقة مسرح بعقوبة إخراج صباح الانباري من قبل قسم الإعلام في محافظة ديالى وعاقبت المديرية العامة لتربية ديالى الدكتور( فيصل المقدادي) عام ١٩٧٥ حين أخرج مسرحية(القاعدة والاستثناء) للكاتب الألماني برخت في مدينة جلولاء ،عندما كان فيصل مدرسا فيها وابعد إلى قرية نائية بعد ان صدرت بحقه
عقوبة وجرى تحقيق معه في دائرة الأمن!
وقد اوقف محمد سعيد
الصحاف المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون عرض مسرحية (الخناك) تأليف (سالم الزيدي) وإخراج (هاني هاني )
من العرض بسبب(إنها مسرخية تحمل أفكار معادية وتحرض الناس على الثورة ضد الحكومة )
والمشكلة أن هناك أشخاصا يمارسون كتابة التقارير عن الفرق المسرحية ويتدخلون في شؤون الفرق المسرحية ،حتى أن أحدهم رفع تقريرا علينا وتم احالتنا على لجنة للتحقيق لأني كلفت بإدارة (فرقة ديالى للتمثيل ) التابعه لدائرة السينما والمسرح، بحجة اني وزعت أدوار المسرحية على اساس الانتماء السياسي!!!!
وليس مؤسسات الحكومة فقط من تراقب انشطة الفرق المسرحية، بل حتى بعض الفنانين الذين يمارسون دور ” الشرطي ” سواء ايام النظام السابق، او في الوقت الحاضر !!
وعلى الرغم من كل ذلك استمر المسرحيون في ديالى بتقديم منجزاتهم الإبداعية في ظل الظروف غير الصحية،ور فض الإذعان للسلطات الديكتاتورية ، او للواشين في الوقت الحاضر!
ختاما : يبقى مسرحنا دائم العطاء والتواصل ومنبرا حرا بما يحمل من فكر والتزام بقضايا التحرر والدفاع عن الإنسان وكان وسيبقى، متنورا ومتحديا بوجه قوى الظلام والتخلف، التطرف والإرهاب ويناشد المحبة والسلام وتحية حب لمسرحي العالم من بعقوبة الى اقصى قرية في العالم!
Discussion about this post