في مثل هذا اليوم18 ابريل1960م..
استقلال طنجة وضمها إلى المغرب.
بوّأ الموقع الإستراتيجي الذي تحتله مدينة طنجة مكانة مهمة من بين كل الحواضر بشمال افريقيا، خُصوصاً زمن بداية تغلغل القوى الإستعمارية في القارة الإفريقية، وجرّاء دخولها جميعها في منافسة لبسط نفوذها على المنطقة، ظلت طنجة تلك المدينة التي شاءها المتنافسون “حيادية”، حين تقطعت بهم السبل في إيجاد قوة حقيقية تحكمها، ولم تكن المدينة تحت سلطة أي دولة بالذات إلا ما بين سنوات 1940 و1945، حين استأثرت بها اسبانيا لنفسها دون غيرها، لتعود إلى الحيادية ثانية بعد ذلك، ليسري فيها “نظامها الدولي” الذي صنع منها حاضرةً عالمية، حتى موعد استقلالها يوم 18 أبريل 2017 وعودتها إلى المغرب.
طنجة الصامدة
كانت طنجة عبر القرون درة الثغور المغربية الشاطئية على الواجهة المتوسطية، التي شكلت خط الدفاع الأول عن المغرب المسلم في مواجهة أطماع الدول الأوروبية بُعيد سقوط الأندلس، وقد قام المستعمرون عبر الخط الفاصل بينها وبين سبتة، مروراُ عبر تطوان إلى الداخل المغربي، من إحكام السيطرة على المغرب كله، خصوصاً وأن هذه المنطقة كانت تُشكل بجبالها وتحصناتها الطبيعية موقعاً كانت السيطرة عليه تعزل المغرب بحرياً من جهة وتُحاصره جغرافياً من جهة ثانية، فضلاً عن الحماية الشديدة التي تُوفرها ساكنة المنطقة، والتي تملك تاريخاً طويلاً في الذود عن الأرض في مواجهة المعتدين، خاضت لأجل ذلك حروباً طويلة ومعارك بطولية مشهورة.
عاصمة غير رسمية
وقد تبلورت شخصية مدينة طنجة في عصور مختلفة، حين تم اتخاذها قاعدة متقدمة من قواعد المغرب الحضارية الكبرى كفاس ومكناس ومراكش، وبالرغم من أنها لم تكن في يوم ما عاصمة كالمدن السالفة بالمعنى السياسي للعاصمة، فإنها لعبت دوراً حاسماً في تاريخ المغرب السياسي، ولهذا استقبلت على الدوام زيارات السلاطين المغاربة كالمولى الحسن الأول، محمد الخامس، الحسن الثاني ومحمد السادس، الذين أولوها بالغ الأهمية مستشعرين أهميتها الاقتصادية محلياً، وقدرتها على الربط بين البلاد وباقي البلدان في القارات الخمس في شتى الميادين سياحية كانت أم اقتصادية.
وعرف النّظام الدولي الفريد لمدينة طنجة تغيرات كثيرة ما بين سنوات 1925 و 1945، إلا أن جوهره الأساسي لم يتغير، إذ حافظ عليها كمدينة “عالمية” لا تتّبع أي دولة معيّنة، وأسّست قـوانين داخلية خـاصة بهذا النّظـام، وشرعت المساواة الاقتصادية والحُريـة التّجارية بالمنطقة، لتصدر أغلب القرارات المصيرية بشأنها عن مجلس يتحكم بزمام السلطتين التشريعية والتنظيمية بها يتكـون من 9 مغاربة مسلمين ويهود يعيينهم المندوب السُلْطاني، و21 عضواً آخرين من دول فرنسا، اسبانيا، بريطانيا، هولندا، امريكا، البرتغال وإيطاليا، وقد شَكل هذا النظام سابقة تاريخية في هذا المَجال، كما منح مدينة طنجة – طيلة فترة تطبيقه – اشعاعا دوليا كبيرا، حتى أضحت هي المدينة الوحيدة في العالم التي يمكن أن تجد فيها كل الجنسيات العالمية، لتظلّ على تميزها هذا حتى عشية استقلالها.
الطريق إلى الاستقلال
وفي يونيو 1940، إنتهزت اسبانيا فرصة انشغال فرنسا وانجلترا بالحرب العالمية الثانية التي اندلعت منذ أشهر فقط، لتُلغي النظام الدولي الساري في طنجة، دافعة بجنودها الذين استقدمتهم من تطوان تحت قيادة الجنرال “أنطونيو يوست”إلى المدينة لتحتلّها، معلنة ضمها إلى منطقة الحماية التابعة لإسبانيا بشمال المغرب، قبل أن يعمد الجنرال إلى إعلان نفسه الحاكم العام والفعلي للمدينة والممثل الاعلى لأسبانيا في المغرب، مُلغياً جميع التشريعات وقوانين النظام الدولي لطنجة، ومُستبدلاً إياها بقوانين وتشريعات تتماشى وسياسة اسبانيا. ليستمر الوضع على حاله حتى سنة 1945، حين تم الإعلان رسمياً عن نهاية الحرب العالمية الثانية، لتخرج فرنسا منتصرة في حرب أتت على الأخضر واليابس في أوروبا، ورغبة منها في إعادة لم شتاتها، خاصة وأن ظروف الحرب واحتلالها من طرف ألمانيا من سنة 1942 إلى 1945 أثرتا بشكل كبير في كفاءتها كدولة استعمارية، عادة – بجانب انجلترا – للضغط بقوة على إسبانيا للتخلي عن طنجة، لتضطر هذه الأخيرة إلى التنازل عن المدينة يوم 30 غشت 1945، وشروع قواتها في الإنسحاب يوم 16 شتنبر من نفس العام، لتعود ثانية إلى نظام الحياد العالمي حتى يوم 18 أبريل 1960، حين تحولت المدينة من ثغر ساحلي تتجاذبه القوى الاستعمارية إلى حاضرة مغربية خالصة.!!
Discussion about this post