نسيل الرؤى
منجز للمبدع محمد الجدي
تناولته في قراءة أولية لم أصبر على كبح جماحها فحصل لديّ انطباع أن الرّجل يكتب برؤية حداثيّة راقيّة في قضايا تهمّ الوطن والمرأة وكل شؤون الحياة ..
نصوص وخواطر كتبها بأداء أسلوبيّ بلاغيّ، تثير حماسة المتلقي وتدفعه الى تناولها بالتمّعن والتّريث …..
وفد عنّ لي بداية وقبل الإبحار المتأنّي في كل الخواطر والمقالات والنّصوص المبثوثة على امتداد192 صفحة بما تتسّع ل193عنوانا ولم أجد عناء في قراءة أولى لها لما اتّسمت به النّصوص من جزالة ..
فأسلوب الجزالة عند محمد الجدي نأى بنصوصه عن إكراهات القراءة وركاكتها ..إذ غلب عليها الإيجاز بدل الإطناب وقوّة العبارة وفخامة المدلول ..
وقد استوقفتني نصوصه الى المرأة فرمت البدء بها وابراز قيمتها الجماليّة التي لم تقبع بالمرأة في نمطية الكتابة المتداولة..
وأورد عناوين هذه النصوص
اهداء نبيل
كوني كما انت
امراة من رؤى
وغيرها من رسائل مفعمة بالرقي….
فنصوص محمد الجدي صاغت من المرأة شخصية فنية من شخصيات العمل الأدبي ..
ورغم ما تتيحه الأعمال الأدبيية من اختزالها في الجسد، واستثماره شعرا ونثرا فهذا المبدع أخذ منحى مغايرا في دلالاته وخلفياته البعيدة والعميقة، لتبين عن معانٍ ورسائل أبعد مما قد يتخيّل القارئ….
وفي قراءة لهذه النّثريات وتفكيك لمضامينها ما يدلّ على جمال روحه وروعة ذائقته الفنية الإنسانية ، ..
فالرسائل المبثوثة والخطابات المصوَّبة الى المرأة في هذه العناوين تلتقي في نقاط ووجهات أشير الى أهمّها في
_ارتقائها الى منجز لغوي انسانيّ
_تقويضها لبنى الخطاب ألذّكوري الذي يستلب إنسانية المرأة ويدمّرها
وأورد كاستدلال
نصّه “اهاء نبيل ”
وردة …ورود مهداة أولا
للنساء الكادحات الماشيات على الجمر الحافيات النابشات على الصخر
يقول الجدي
لكل مرأة يدفعها شظف العيش لقلع الحلفاء
لكل امراة تنتصب على قارعة الطريق لتبيع خبز الطابونة ل…
لكل امراة في الحقول …حانية الظهر تجمع جلبانة
للمراة القاطعة للمسافات بحثا عن “بيدون” ماء
للمرأة المعلَّقة في أغصان شجرة تبحث عن أعواد يابسة لكل امراة تفرحها غيمةوتحزنها حين بنهدم على راسها بيتها الطيني…
فورود الجدي كانت لأكفّ وأياد حرشاء تقطر دما لا تعرف ليونة ولا كريمات تجميل ..
ورود بلا شوك والشوك في أياديهن القاطرة دما ..الحرشاء التي لم تعرف نعومة ..
فتخيّر هذه الفئة النّسائية لم يكلّف الكاتب غير حسّه المرهف ووعيه بمحيطه..ونضج “نسيل رؤاه” واتسامها بالواقعية وتصويرها تصويرا فتوغرافيا بعيدًا كلّ البعد عن عناصر الخيال والتشويق والمجاز..
وفي نفس النّص يهدي وروده الى فئة أخرى من النساء
الى المراة التي تكتب عن واقع الآخرين وهو بذلك يضمن اعترافا واحتراما للمرأة المبدعة التي قد يتضايق من قلمها مبدع منحاز لذكورته منتصرا لأدبه وفكره ..
ويحي المرأة المقاومة لكل أشكال التّمييز والإقصاء والتهميش اعترافا منه بالنضالات النسوية ..
لكل نساء العالم ومن هن جديرات بلقب “حراير”
للاتي يكتب لهن ولا يقرأن له في اشارة الى الاميات المحرومات من نورالعلم بسبب الفقر والعوز ونأي المسافات ومخاطرها..
فمبدعنا لم تستهوه الفاتنة ولا حور العين ولا الهيفاء الرشيقة ذات الخصر النّحيل
“كوني كما أنت”
رؤية راقية ترتفع بهذا الكائن البشري الى مراق لا يدركها غير متحرّر مساند مآزر للمرأة الحرّة الفالتة من عقال الإستعباد وشبقة الجسد ..
يقول الجدي
“لاتكوني جملة خرساء تخدش عصمة القصيد ”
القصيد الذي شكّل من جسدها مدنا جامحة قوامها اللّذة….فكتبوا لسيادة النهد والقد النّزق ..
فالجدي وزع خطابه إليها “كوني كما أنت ” على بناء معماري لنص أقل مايقال عنه أنه صرح للحداثة في نسيل رؤاه لها ..
ومن أجمل ماقال لها
كوني الطبع لا تكوني التّطبّع …كوني دون أقنعة ولا ظلال
كوني سيدة نفسك أو لا تكوني
وأختم هذه المجالسة لنصوصه بنص
إمرأة من رؤى
وهو نص يعلن رفضه لحتمية قدر يجعل من المرأة كائنا ضعيفا يحتاج الرّجل ولا يحتاجه
فالجدي خلخل العديد من المفاهيم والتّصورات المغلوطة حول منطق الذّكورة ورياّةد دور الرجل فمنحها مكانة رفيعة في حياته
يخاطبها قائلا
لا أريد جسد إمرأة يحررني من شبقيتي
أريدها امرأة صديقة حبيبة رفيقة ملجئي عند النّوائب
…تطهرني من شديد غمّي ..من عوائق جهل ..
ترفع عن عقلي غشاء الجهالة وتمحو عقدا راكمتها الأعوام
..ويختم بالقول
لا أريد أن أتطهر من رغباتي المجنونه المستحقة بغمراة أي امرأة ..كي أثبت فحولة زائفة
مقاطع تشدّ متلقيها للوقوف عند عتباتها النّصية الباذخة الوارفة …زاخرة ب”نسيل رؤى”
لفكرمثقف يؤمن أن الأدب رسالة أو لايكون ..
نصوص أولية تناولتها بمجالسة لما حقّق فيها كاتبها من مقدرة وروعة أسلوب خالية من التّكلف والكلفة لتغدو مضربا ومرجعا في الجودة والإختزال بما حملت من فكر تقدّمي تحرريّ يقوّض ما كبّل وعاق …
تجيئ بعض الإبداعات فارقة مذهلة بما “(ينبت عليها هسيس الكلمات وتنبت للمعاني أجنحة تصفق ..ترفرف …تروم استدراج الغيمات للهطل)
وها قد هطلت نصوصك وخطاباتك للمرأة على مجتمعاتنا نورا واشراقا ..
كم نحتاج هذه الأصوات لرسم خارطة طريق لأجيالنا القادمة حول فنّ التّعامل والتّعايش مع المرأة بأكثر أناقة ولباقة ورقيا..
بالكلمة نغيّر مجتمعاتنا نحو الأفضل
فتحيّة من الأعماق لك محمد الجدي ….
وللقراءة بقيّة ….
…مابين معقفين مقتبس من نص من نصوص الكاتب ..
Discussion about this post