للقدر كلمته الأخيرة
قصة قصيرة
………………
وتمضي الأيام تلملم أطرافها فتنسج سنينًا من فقد، تطرزها أنات اشتياق، ثم تفاجئني الصدفة بعد غياب، إذ بهمستها تخترق وجداني فيرتجف جسدي
” محمد ؟”
هذا الصوت أعرفه؛ التفت بنصف استدارة، فإذا بعيونها الذابلتين تعيدني إلى ما قبل عشرين عامًا حين كانت هاتان العينان وضاءتان مشعتان كشمس نضاحتان كبحر
” سهام؟..معقولة؟!!”
ضحكت
” أيوه سهام يا محمد..سهام..ألا زلت تذكرها ؟”
تنهدت وندت من بين أضلعي أنة أورثتها شفتيّ
” ما من سبيلٍ لنسيانك وأنت أنت”
تأملتني هنيهة بينما أرسلت نظرة خفية تتسلل لأعماقي، كأنما تبحث عن شيءٍ ما، بادرتها
” هل لنا في فنجانيّ قهوة؟..إن سمح وقتك ..”
صمتت الشفاه بينما عيناها توزع نظراتها بين رواد المقهى وحركة النادل، ثم مدت يدها وتناولت فنجانها وقالت
– أعجبتني قصتك الأخيرة ” الهيكل ”
فاجأتني أيما مفاجأة، أتتابع إبداعاتي دون أن انتبه لها؟!!..سألتها في دهشة
أجابتني ضاحكة
” وما توقفت يومًا عن متابعتك يا محمد، ولكني استخدم اسمًا مستعارًا”
صمتت للحظة ثم استطردت
” ولا تطالبني بالإفصاح عنه، لأنني لن أفعل، يكفي أن أشي لك بما سألتني نفسي لحظة قراءتي لقصتك”
– بي شغفٌ لمعرفة سؤالها
– سألتني..أسينتظرك ؟
ضحكت وأنا أتراجع بجسدي متماسًا مع ظهر مقعدي، وذراعاي ممددان باستقامتهما، وكفايّ تعانقان سطح الطاولة التي تفصل بين مقعدينا
” أتتمنين موتي ؟”
دنت بكامل جسمها حتى لامس صدرها حافة الطاولة وهمست بنبرة عميقة مؤثرة
” لا تنعته بالموت، أنه تحررنا من ربقة أسرنا، إنها لحظة تعانقنا الأبدي فلا تفرقنا تقاليد وتعاليم وقوانين، حريتنا السرمدية يا محمد، نلتقي فلا نفترق أبدا”
وذهبت في صمت تجر وراءها ظلها، وبقايا عطر يتلاشى، و…يبتلعها ظلام الطريق!
كان هذا آخر عهدي بها قبل أن تداهم حلمي الأخير وابتسامة تشرق كما البدر ملامحها هامسةً بشوق
” أنتظرك يا حبيبي “.
محمد البنا..القاهرة في ٣ مايو ٢٠٢٣
Discussion about this post