وليمة لأعشاب البحر ” ….
للروائي السوري. ” حيدر حيدر ” …
لُقبت الرواية ب ” نشيد الموت ” ولاغرابة في ذلك ، وقد جاءت الرواية تعبيرا عن كمّ هائل من الخيبات و الانكسارات والخذلان والتشاؤم والبؤس والشقاء والقتامة لما يعيشه الإنسان العربي في بلاد العرب .. ويبدو البحر مطهرا للذنوب والخطايا ، وكأنّ الإنسان يعود إلى رحم أمه حيث ولادته الأولى يقول : ” على ذرا الموج لمعت أعشاب القلب التي ماتت ..” ص ١٢٥ .. تدور أحداثها حول مناضل عراقي هارب من العراق إلى الجزائر ثم لقاؤه بمناضلة قديمة تعيش عصر انهيار الثورة ، والخراب الذي لحق بالمناضلين هناك …
أحداث كثيرة تنتهي بانتحار بطل الرواية ..
… رواية ” وليمة لأعشاب البحر ” بدت لنا وليمة دسمة غنية متعبة مرهقة لكثرة ماحملته من رموز وإيحاءات شتى؛ فكرية ثقافية اجتماعية دينية … أبطالها شخصيات واقعية عانت وتألمت .. تحدّث الكاتب على لسانها ، حتى إنّه وثّق لهجات الشخصيات وفق انتمائها للمكان كالجزائر والعراق .. وقد وُفق كثيرا في ذلك ، إذ أضفى على وليمته نوعا من الصدق والواقعية .. أما لغته فقد كانت ممتلئة غنيّة ثرّة موحية .. المفردات المعبرة عن المعنى مطواعة سلسة بلا تكلف أو تصنع على الإطلاق، وهذا دليل تمكنّه وامتلاكه ناصية اللغة والتعبير والبوح .. إضافة إلى اللغة كان الأسلوب رشيقا .. والإيجاز سمةً رائعة في لغته …
استمدّ حيدر حيدر تشابيهه وصوره من البحر بروعة وذكاء وحسّ مرهف ، فاستعار من البحر عمقه وامتداده ، ثراءه وصفاءه ، كرمه وروحه .. بل استعار أمرا آخر ألا وهو غموضه … يقول : ” ناهضةً كفقمة مولودة من زبد البحر ” ص ١٣ .. ” أترغب أن تكون نورساً ؟ ” ص١٣ .. ولايخفى على القارئ ما يلحظه في أسلوب الكاتب من استخدامه ظاهرة التقديم والتأخير لمكونات الجملة الفعلية وبالتالي إضفاء جمالية ملفتة على الأسلوب..
لقد ناقش المبدع حيدر حيدر موضوعات كثيرة في وليمته الدسمة .. النظرة للغرباء نظرة دونية فيها انتقاص دائما كقوله : ” اسمعي ، من قال لكِ إنّ هذا مسموح، أنتِ امراة والغرباء لا حقوق لهم هنا .” ص١٢ ..كذلك تكرار مفردات المطر والبحر حتى ليبدوان مظهرين من عناصر تجدد الحياة في داخله كما في الطبيعة يقول : ” يتوقان للاغتسال بماء المطر ، يسمعان بصمت صوت البحر عميقا .” ص ١٣ ..وقد تطرّق الكاتب حيدر حيدر إلى معاناة الإنسان العربي وشعوره بالقهر والظلم في قوله : ” زمانك انتهى بين فراراتكَ واختباءاتكَ في أوكار بغداد والبصرة والعمارة والحلة والناصرية ، وبين مقبرة الهور التي كفنّت أطفالها بطحالب الماء ” ص١٦
وأما عن الدين فقد عبّر عن قناعاته وآرائه من غير إسفاف او ابتذال ، إذ يحق للإنسان أن يحدد انتماءه للإله وللملكوت الذي يريد يقول : ” هل الأنبياء مُرسلون حقا من الآلهة أم خرجوا من الأرض ؟ كيف كلّم الله موسى ؟ هل عرج محمد فعلا إلى السماء كما تقول كتب الدين ؟ وإذا ما صعد الإنسان إلى القمر ما الذي يتبقى من الأديان والآلهة ؟ ” ص ١٢٣
كذلك يبدو الزمن ظالما قاسيا في قوله : ” لكنّ دموعها التي سالت ووجيب صدرها أورثاه شعورا بتشقق الزمن وسطوته اللعينة شبه الأبدية ” ص١٠٤
ورغم الإطناب والاستطراد الكثير في الرواية إلا أنّني أراها رواية ” مخملية ” .. كتبها للنخبة بكل إيحاءاتها ورموزها وجرأتها اللامتناهية .. بأسلوب راقٍ موحٍ جميل آخاذ .. هي في
النهاية روح الكاتب وفكره ونبضه وأحاسيسه .
بقلم رولا علي سلوم
Discussion about this post