مختارات ..
=-=-=-=-=
د.علي أحمد جديد
تعريب السوريين ..
في التلازم الحتمي بين العروبة والإسلام :
” الإسلام المحمدي” حمله إلينا العرب المسلمون في فتوحاتهم وكانت سورية الكبرى (الهلال الخصيب) حينها تتكلم الآرامية بلهجتها السريانية الأصيلة ، والسوريون الذين اعتنقوا الديانة الجديدة ، تحولوا لاستخدام اللغة العربية ، وسبب ذلك أن اللغة العربية في أغلبها تعود إلى الآرامية النبطية ، أي أن السّوري يكون مع الفتح العربي الإسلامي قد استبدل فرعاً لغوياً من السريانية بـفرع لغوي آخر الذي هو (النبطيّة). والفرعان الاثنان يتّحدران من اللغة الأم التي كانت (الآراميّة) .
ولم يقتصر انتشار السريانية على السوريين وحدهم ، بل إنَّ رجال الديانة المسيحية عامة في تلك الفترة ، كانون يتقنون اللغة السريانية كونها لغة الانجيل المقدّس ، وخاصة في مصر والمغرب العربي وإيران ، إضافة إلى أنَّ لغة الدواوين في الامبراطورية الفارسية كانت هي اللغة السريانية ، وكذلك كانت اللغة القبطية في مصر ، إذ كانت خليطاً بين المصرية (الفرعونية) القديمة وبين الآرامية الأمر الذي جعل انتشار العربية في هذه الأماكن سهلاً وميسّراً ومألوفاً .
هذا الواقع التاريخي يدفع لملاحظة ذلك التلازم بين انتشار الديانة الإسلامية وانتشار اللغة العربية ، وهو ما عبّر عن تلازم (العروبة والاسلام) في سورية الكبرى (الهلال الخصيب) وفي مصر بشكل خاص ثم في باقي أمصار العالم العربي عموماً .
أما خارج هذه المناطق فقد انتشر الإسلام في بلدان عدة دون أن يترافق انتشاره مع اللغة العربية ، أي أن تلازم (العروبة والإسلام) ليس بالأمر الحتميّ مطلقاً .
وبعد قيام الخلافة الأموية في سورية بدولتها العربية التي كانت إسلامية الطابع تعززت فكرة تلازم (العروبة والإسلام) في سورية ، ولم تتغير هذه الفكرة لاحقاً رغم قيام الدولة العثمانية ومن ثم الخلافة العثمانية ذات اللغة التركية التي سعت الى تتريك السوريين دون باقي العرب والأعراب في مناطق نفوذها سواء في الجزيرة العربية او في نصر وكذلك في سائر الشمال الأفريقي ككل ، وهو مايشكل الدليل الواضح على بطلان ذلك الإدّعاء بالتلازم المطلق بين العروبة والإسلام واعتباره مسلّمة فكريّة ثابتة .
حين تقلصت سيطرة الامبراطورية العثمانية المتأسلمة في آخر عهدها على سورية والحجاز فقط ، ونتيجة للاحتكاك المباشر بالفكر الأوروبي في تلك الفترة ، ظهرت حركات قومية تركية متطرفة ، تعتمد عصبية اللغة والعرق والدين ، ومن هذه الحركات وأشهرها وأكثرها تأثيراً كانت جمعية (تركيا الفتاة) وحزب (الاتحاد والترقي) . حيث أظهرت هذه الحركات وجهها القبيح بالتوجس من خطورة وجود السوريين في الجيش وفي دواوين الدولة والطلاب في جامعات استانبول ، وجاءت ردود فعل السوريين من نفس النوع ، وإن لم تكن بنفس القوة والتأثير . فنظم (إبراهيم اليازجي) قصيدة تشير إلى تأفف السوريين من الأتراك وشوفينيتهم ، وبسمو العرق السوري وعراقة الحضارة السورية ووجهها الجديد المتعرب ، حيث يقول في أحد أبياتها :
تنبّهوا واستفيقوا أيّها العرب
فقدطمى الخطب حتى غاصت الرُّكب
ولم يكن اليازجي يخاطب جميع الناطقين باللغة العربية من المحيط الى الخليج ، وإنما خاطب اولئك الناطقين باللغة العربية الخاضعين للاحتلال التركي من أبناء سوريا الكبرى (الهلال الخصيب) عامة ومن بلاد الشام خاصة .
وأصدر (نجيب العازوري) كتابه (يقظة الأمة العربية) عام 1905، يوضح من محتواه بأنه يقصد سوريا ، وليس (الأمة العربية) وفق التعريف الأيديولوجي للتيار العربي الإسلامي (من المحيط إلى الخليج)؟
جاء ذلك كتعبير أبناء سوريا الكبرى (الهلال الخصيب) وخاصة في بلاد الشام عن تعصبهم للغة العربية التي اتخذوها عنواناً لشعورهم السوري المنفصل عن تركيا ، وووحدهم أنشأوا (جمعية الفتاة) و(جمعية العهد) وغيرها .. التي التحق فيها العديد من الضباط السوريين المسرّحين من الجيش العثماني .
والواقع أنه ومنذ منتصف القرن التاسع عشر كانت قد بدأت تظهر الكتابات حول الشخصية السورية التاريخية ، مثل مجلة (نفير سورية) لبطرس البستاني ، ولاحقاً كان ذلك ظاهراً بكل وضوح في أدب (جبران خليل جبران) شعراً ونثراً ، إلى أن انعقد المؤتمر السوري العام 1920، حيث أعلن استقلال الأمة السورية (يقصد بلاد الشام) .
وقد شغلت فكرة الأمة بالمعنى السياسي الاجتماعي عموم توجهات الفكر السوري في تلك الفترة ، بالإضافة إلى المناداة بالأمة السورية والدعوة لاستقلالها ، وظهرت الردود لاحقاً وفي فترات متقاربة من القرن العشرين :
الدعوة إلى (الأمة الإسلامية) وإلى خلافة جديدة ليست من العثمانيين ، لأن الأمة الإسلامية تشمل كل المسلمين في العالم معتمدة على ما ورد في القرآن الكريم :
“كنتم خير أمة أُخرِجَت للناس ”
رغم أن هذه الآية تتحدث في خطابها إلى (بني إسرائيل) .
وكانت الدعوة إلى (الأمة العربية) التي تضم المسلمين الناطقين باللغة العربية تمثل الأمل بالعودة إلى الامبراطورية العربية الإسلامية في فترة الحكم من زمن الخليفة العباسي (هارون الرشيد) ، وحددوا دولتهم (الوطن العربي) الذي يضم الأمم الناطقة بالعربية “سورية والجزيرة العربية ووادي النيل والمغرب العربي الذي يضم الشمال الأفريقي كله” .
وعصبية هذه الأمة(العربية) تقوم في أساسها على اللغة العربية والعرق العربي والديانة الإسلامية المحمدية .
كان لانتشار الاسلام في سوريا الكبرى ومارافقه من انتشار اللغة العربية أثره في ما يعبّرون عنه حتى اليوم بمصطلح (التلازم بين العروبة والإسلام) وهذه حقيقة للواقع التاريخي في بلادنا . لكن فهم هذا الواقع تمثل برأيين اثنين :
الأول : هو التلازم بين العروبة والاسلام الذي شكل رابطة بين الأمم المسلمة والناطقة بالعربية التي كانت أساساً في نشوء العالم العربي . وهذه الرابطة ، تشبه إلى حدٍّ ما رابطة (الكومنولث و الفرنكوفونية) ، غير أنها رابطة أقوى وأمتن ، ومع ذلك لم تتمثل بأيِّ مشاهد تؤكد ضرورتها بالنسبة لسورية وللسوريين ، بل أدّت إلى نتائج سلبية وسيئة بالنسبة للقضايا السورية بشكل عام ، منذ اعتمادها والأخذ بها في اواخر العهد العثماني وإلى اليوم .
والرأي الثاني يقول :
إن العالم العربي أمة واحدة ، هي الأمة العربية الواحدة والتي تضم جميع الناطقين باللغة العربية ، مع تعمُّد التجاهل لواقع التفاوت الاجتماعي الذي تتكون منه أمم العالم العربي وتاريخها وتمايز بعضها عن الآخر !!.
وهذا الاتجاه الفكري مايزال يقف بعجز أمام أسئلة تاريخية موجودة وحاضرة ، منها مثلاً :
كيف يقارب مسألة أن أهل بلاد الشام منذ نشأة حضارتهم الكنعانية والفينيقية وحتى العهد المملوكي ، حين كان المسيحيون يشكلون 70% منهم ويتكلمون اللغة السريانية ، ويكون الإدّعاء بأن بلاد الشام عربية ، بينما غالبية السكان غير مسلمة ولا يتكلمون العربية ؟!..
ومايناقض منطق القائلين بالأمتين (العربية والإسلامية) ، نفسه ، هو ما تتبناه نصوص الإدّعاء بأن الأعلام والعظماء والقادة والمفكرين المسلمين ، هم في أغلبهم من أصول غير عربية !!!..
والواضخ أن القليل من التعقل البعيد عن التعصب الأعمى ، لابد وأن يكشف للمتعقل الحقيقة بكل وضوح . وبصورة خاصة ومستفيضة ماجاء في كتاب
” الإسلام في رسالتيه المسيحية والمحمدية ” للزعيم الخالد ذكره (أنطون سعادة) .
Discussion about this post