شاطئ اللوعة
كانت عيناها تلتهمان صفحةالماء أثناء كل زيارة للبحر ويسترخي بصرها عند هدوئه ويتأهب ساعة الأمواج ..كأنه يطويها ليتصفح ما بعدها ويخفق قلبها بشدة كلما لاح مركب وتوقعت أن المتهور المجهول يقوده ..
فتعود بها الذكرى إلى أختها الهالكة وهي غارقة في دمها المنسكب في شكل دائري يتسع كلما أكمل المركب دورة ..ليصدم رأسها بقوة فيرسب.. وتعلو ضحكات الشاب …
تساؤلات عديدة وتصورات لم تفارقها
– من هو ؟
– لماذا قتل’ أمل’ بقصد ووحشية ؟
–هل كان قادما للمصيف من بلاد بعيدة ؟
-الأكيد أنه لا يقطن قريبا لأنها بحثت في كل الشوارع والأسواق ….
مازالت تتذكر ملامحه كما لو أنها تراه الآن رغم مرور الأعوام ..
رسمته بوجدان ذاكرتها شريطا بكل التفاصيل ..يوم تجمع الناس حول الأخت الهالكة ..ويوم تم تسجيل كلمات غريبة : حادث دون قصد ..قتل خطأ في وثائق رسمية…
لم يكن صباح الأحد الأول من العطلة في بدايته مختلفا ..على رمال الشاطئ وحدها كانت “عاشقة البحر ” واقفة تستحضر الشّريط كعادتها وفجأة تسمّرت في مكانها وأنفاسها تكاد تتوقّف.. تهاوى جسدها فبدت جاثية على ركبتيها ونظرها عالق بالزّائر الذي وصل الشّاطىء غير مهتمّ بماحوله …إذ كان في رفقة … يحدّث طفلا صغيرا تارة ويداعبه تارة أخرى …
كان الرّجل يلهو مع الصّغير في صخب وانعتاق غير عابىء بنظراتها المدهوشة المحدقة بهيأته الطريدة وحركاته وكل ما يصدر منه..حتى أَلْفَت، حزنها الممزوج بالغيظ والنقمة متماهيا مع المشهد الطفوليّ اللّاهي.. جلس الزائر تحت مظلة..أشعل سيجارة وجعل ينفث دخانها وهو يتأمل البحر الذي بدا مستعدّا للصّدام بأمواجه المتلاحقة في تدرّج نحو الارتفاع والمدّ والجزر العنيف
تحوّل ببصره عن البحر إلى مرافقته وقد نزعت ملابسها ودنت منه شغلته بجسدها العاري ..بتفاصيله وما كشفته قطعة القماش المنزاحة بوقفتها وحركاتها..سارت خطوات فتبعها وشرع يلامس رقبتهاو ثديها… وعانقها في همس.. وغفلة عن موجة عاتية ابتلعت ولده بعد أن جذبته إلى الأعماق ،لحظات ..واستدار مذعورا منتبها لغياب الصّغير …ركض نحو” عاشقة البحر” يسألها.. لم تجبه..لم تكن تسمعه لقد كانت في عالم أشدّ اضطرابا من البحر آنذاك كان شعورها يثور ندما في هدأة الغيظ والارتياح..
إنّه صراعها المرير مع ذكرى جريمته المأساة الذي شلّ أقدامها على حافة الموج فلم تهرع إلى الصّغير ولم تنقذه
نزهة المثلوثي تونس
Discussion about this post