لأن الأمير السعودي (محمد بن سلمان) يطمح بأن يكون رجل التوازنات بالمنطقة ، ولديه رغبة جامحة نحو هذا الهدف بعد قيامه بعدد من المغامرات الفاشلة .. أولها كان دعم الحرب الكونية على سورية حيث كانت الرياض من الدول الداعمة الأساسية للحرب على سورية مادياً وسياسياً ولوجستياً بوجودها الرئيس في غرفة العمليات (موك) وتكليف الإرهابي (عبد الله المحيسني) بقيادة العمليات الإرهابية والقتل والتخريب في سورية دون التفريق بين البشر وبين الحجر .
وكذلك مقاطعة قطر وحصارها ، ومخاصمة تركيا والخلاف الشديد مع مخططهما الأخواني للمنطقة حيث دعم السيسي وحفتر و بن سعيد ..
أما حرب اليمن فكانت بذريعة أن السيد “عبد الملك الحوثي” هو رجل ايران ..
ومواجهة ايران اقليمياً في محاولة تشكيل جبهة عربية وإسلامية ضدها بما أسموه يومها ( ناتو عربي ) .. وكذلك محاصرة لبنان سعياً لتفجير حرب أهلية ثانية فيه لإشغال حزب الله عن مواجهة الكيان الصهيوني !!..
لكن (واشنطن) خذلته في كل مساعيه بل أن (بايدن) وقبله (ترامب) تعمّدا إهانته شخصياً وتوعد (بايدن) أن يجعل المملكة بلداً منبوذاً وكأنه (ربكم الأعلى) الذي يحيي ويميت !!!..
تخلت عنه واشنطن في حرب اليمن ومنعت التسليح النوعي للجيش السعودي كما أنها تقاعست عمداً عن حماية السعودية من الصواريخ اليمنية وحتى عن الدفاع عن النفط ، فخفضت وجودها العسكري بالسعودية وهاجمته بقضية مقتل الأخواني (خاشقجي) وحقوق الإنسان .
حتى أنه شكل تحالفاً مع (بن زايد) ضد الأخوان المعادين لنظامهما ، ومن هنا عادت العلاقات بالكواليس مع دمشق وبدأ يتغير الموقف منذ ذلك الوقت .
استغل (ابن سلمان) الطَموح تصاعد المواجهة بين الشرق والغرب وتقلُّص اهتمام واشنطن بالمنطقة فسارع إلى الصين يعقد معها اتفاقاً استراتيجياً أدخلها إلى الشرق الأوسط من أوسع أبوابه وجعلها الوسيط الفاعل في حلِّ خلافاته مع ايران وحلفائها ، ووطد علاقته مع (بوتين) ونسق معه في الملف السوري وبات الآن موقفه معلناً على الملأ ، حيث قاد الحملة لإعادة سورية إلى الجامعة العربية ونجح في ذلك محقِّقاً اختراقاً غير مسبوق لم يستطع أحد تحقيقه غيره .
وعمل على استضافة المفاوضات بين طرفي المواجهة في السودان اليوم ، وصالح (تميم) القطَري و”الحوثي” اليمني محققاً بيئة سلام وتسوية في المنطقة ككل .
ولأنه يريد تحقيق مشروعات من الوزن الثقيل مثل (نيوم) مدينة الحلم المستقبلي ليجعل المملكة وجهة الشركات العالمية كسوق اقليمية عابرة للقارات في بناء الموانئ والأسواق الحرة الكبرى التي تنافس اسواق الإمارات وموانئها ، ودعم القطاع الصناعي وغيره لتقليل إعتماد المملكة على ايرادات البترول .
فما هي أهداف (ابن سلمان) في سياساته القادمة ؟!..
١. يريد أن يجعل قمة العرب التقليدية حدثاً استثنائياً يظهر مدى قدراته على حل أعقد وأصعب الملفات من خلال المصالحات والتسويات وقد نجح بهذا من خلال المصالحة مع قطر و وقف حرب اليمن والمصالحة مع إيران وسوريا وجعل العرب المعترضون(قطر والمغرب والكويت ومصر) يوافقون على عودة دمشق إلى الجامعة العربية وسيسعى أن تكون هذه القمة مختلفة عن مل القمم السابقة التي تمت في العقد الأخير من السنوات .
٢. يطمح (ابن سلمان) أن يكون القائد الذي ترتبط به مصالح الدول الأقليمية الرئيسية (سوريا وإيران وتركيا ومصر) وكل الملفات المرتبطة بهذه الدول حتى يكون أمام الدول الكبرى الشخصية ذات الأولوية التي يمكن الإعتماد عليها بأهم الملفات السياسية في منطقة الشرق الأوسط .
٣. إنشاء قوة اقتصادية مرادفة للبترول تجعل من المملكة قبلة للسياحة وللشركات ولرؤوس الأموال ، لذلك فهو يحتاج إلى هدوء المنطقة وإلى حل كل الإشكالات ، وبصورة خاصة ، مع إيران وحلفائها .
٤. يريد تشكيل تحالف عربي يكون درعاً للمنطقة ضد الأطماع الأخوانجية التي يظهرها العثماني الجديد لذلك فهو يحتاج (مصر وسورية والجزائر) بالدرجة الأولى لإنها دول عانت الأمرين من الأخوانجية وإرهابهم التأسلمي والعثماني .
٥. يريد (ابن سلمان) أن يظهر كرجل دولة متزن وغير مرتهن للخلافات الدينية ، لذلك فهو حارب ويحارب التطرف في المملكة فسجن الدعاة الراديكالين وخفف من سطوة المتأسلمين الوهابيين وغيرهم والذي يخشى أن يكونوا حجر عثرة في مشروعه من خلال استخدامهم من قبل أعدائه خاصة بعد أن تم الإنتهاء من مرحلة (الهجمة الطائفية) التي اجتاحت المنطقة ، وبذلك انتهت مهمتهم فجمدهم كما أنه يتسامح مع فكرة (الدين الإبراهيمي) حتى يجعل دول العالم تتقبل مشاريعه الإقتصادية في المملكة ضمن وضع اجتماعي بعيد عن التطرف والإرهاب .
٦. يريد أن يستغل دور المملكة المهم كسوق رئيس للطاقة العالمية خاصة بعد حصار روسيا ، وبناء علاقات متوازنة مع دول العالم وتحقيق استقرار بالمنطقة بعد توجه امريكا نحو مواجهة حلف الشرق (الصين والهند وروسيا وإيران) ليهيئ أجواءً تناسب طموحه الكبير ونجاح مشاريعه الترليونية ، إذ لايمكنه أن يحمي استثماراته الهائلة ورؤية ٢٠٣٠ إلا بإفشاء السلام والاستقرار ، لذلك فهو يحتاج بناء علاقات وثيقة مع الصين و موسكو وطهران وحلفائها ليحمي نفسه من أي غدر أمريكي .
وبذلك فإنه يقول للأمريكان :
– إذا كنا حلفاءكم فليس بالضرورة أن نعادي أعداءكم .
كما أنه يريد من (واشنطن) أن تحافظ على العلاقة التاريخية مع (بني سعود) بمنظور مصالح جديد .
وكل هذا لم يكن ليحدث لولا صعود حلف الشرق وانعكاس صراع قطبي العالم على المنطقة بشكل إيجابي بعد انشغال (واشنطن) التلمودية عن المنطقة التي دمرتها بمشاريع حروب الوكالة والطائفية
وصارت سوريا تمثل الحضور الروسي الرسمي في المنطقة
والسعودية تمثل المصالح الأساسية لأمريكا في المنطقة من خلال البترودولار .
أما الصين فتربطها علاقة جيدة بكل من سورية والسعودية وتعمل على انجاز مشروعها ( الطريق والحزام – طريق الحرير) الجديد الذي يربط مصالح العالم الاقتصادية .
ولذلك لا بد من علاقة مميزة بين الرياض ودمشق لأنهما تشتركان بعدة أهداف آنية ومستقبلية مصيرية :
* . العداء للأخوان المستقوين بكل من تركيا العثمانية وقطر وحماس ومواجهة خطرهم وغدرهم .
* . لأن دمشق الحليف الثابت لطهران وستحتاج الرياض التعاون مع دمشق بقضايا تخص كلاً من (لبنان وفلسطين والعراق) للمحافظة على استقرار المنطقة وتثبيت المصالحة من خلال كسب سورية في خلق التوازن مع إيران لأن عزل سورية من قبل العرب سيجعلها توثق علاقتها اكثر مع طهران لعدم وجود بديل عروبي .
والأهم هو التعاون في مواجهة التنظيمات التكفيرية التي ممكن أن تنطلق من سورية نحو المنطقة بعد التغير بالتوجه السعودي ووأد هذه التحركات في مهدها .
كما ان العمل على تقوية سورية لمنع تقسيمها أو فدرلتها حسب المخطط الصهيو – أخواني ، وبالتالي فإن وجود كيان للأخوان في شمال غرب سورية سيكون بؤرة خطرة سيتم تفعيلها كلما اقتضت الضرورة
الصهيو – أخوانية ذلك .
وستكون المشاركة في إعمار سورية المتجددة من خلال بوابة عودة اللاجئين التي ستوجد نفوذاً اقتصادياً كبيراً ومهماً للرياض في سورية يوازن الحضور الإيراني أو التركي ، وهذا ما ترحب به كل من (واشنطن وموسكو وبكين) لأنه سيكون بوابة دخول العرب إلى سورية وقيام مصلحة مشتركة للجميع بقراءات مختلفة
وفي المقابل فإن السيد الرئيس “بشارالأسد” يحتاج لدور عربي يكون جسراً نحو كسر الحصار حيث بدأ منذ وقوع كارثة الزلزال يؤتي ثمار صموده وثباته في مواجهة الحرب الكونية التي استهدفت سورية لأكثر من عقد من السنوات . وكذلك فإن علاقة الرياض وأبوظبي المميزة مع (واشنطن واوربا) يمكن أن يتم استثمارها للوصول إلى رؤية مقبولة الحل بالملف السوري .
كما أن (موسكو) ترغب بتعاون وثيق بين (دمشق والرياض وأبوظبي) لأن ذلك يعزز نفوذها ويقوي موقعها في سورية وفي المنطقة ككل .
كذلك هناك فرص استثمارية واعدة في السوق السورية يمكنها أن تحقق عوائد جيدة للرياض من خلال إنشاء مدن صناعية بالإستفادة من الإمكانات السورية سواء من ناحية توفر اليد العاملة أوالخبرات الكبيرة في الصناعة التحويلية وفي القطاع الزراعي الذي يحقق الأمن الغذائي المشترك .
وواشنطن تريد حلاً للملف السوري ولو بالحد الأدنى ، ولذلك فقد وافقت على دخول العرب كوسطاء يبدأون الانفتاح على سورية لكنها تريد تحقيق بعض الخطوات التي تضمن خروجها من سورية بطريقة توافقية وبحلول وسط ممكنة ومقبولة . وهذا ما يفسر حرص الأمير (محمد بن سلمان) على حضور “الرئيس الأسد” قمة الرياض ومصالحته والإستعجال برفع وتيرة تطور العلاقة بينهما ،
وإلا كان ممكن أن يكتفي بعودة علاقات دبلوماسية عادية في أفضل الأحوال بين البلدين . أما ما نشهده من حراك محموم وسريع وعلى هذا المستوى الرفيع تجاه دمشق فهو ليس عادياً أبداً بل يحمل مضامين وتقاطع مصالح إقليمية ودولية نظراً لموقع سورية ومكانتها الحضارية والتاريخية .
Discussion about this post