نحن كأُمةٍ إلى أين ؟ .
بقلم : د . أنور ساطع أصفري –
**********************************************************************
بعض المنابر القائمة على بث الشعور الوطني والقومي بين الناس عليها أن تتدبر أمورها بشكل تستطيع من خلاله إصلاح الواقع المأساوي الذي يعيشه المواطن العربي بشكل عام وفي كل مكان، بسبب جهله أو تناسيه لحقوق الامة.
فنحن شئنا أم أبينا \ أقولها بكل صراحة \ لا نستطيع إصلاح أمور الأمة بالمدى المنظور أو القصير من خلال عقلية البعض الحالية التي يتعاملون فيها مع الآخرين – كتيارٍ نقي – بعيداً عن التفهم والبساطة والاعتدال ، لذا فأنا شخصيا أرتقب بزوغ أجيال جديدة قد تتفهم واقع الأمّة بشكل أفضل ، وقد تكون لديها أساليب أجدى من الأساليب المستخدمة حاليا في مقاومة الواقع المُعاش إضافةً إلى القمع والاستبداد ومصادرة الحريات ، وقد تكون لديها أيضا تماسك وتكاتف وترابط وتوحّد في الخندق الواحد وفي الموقف الموحّد ، أكثر مما نراه الأن على الساحة العربية بشكلٍ عام .
وقد تكون تلك الأجيال أرجح عقلاً وأنقى فطراً وأبعد مسافة من هذه الصياغات الذهنية والمزاجية والنفسية المشوّشة التي تتم على أعين الغرب الطامع بثرواتنا والمستعمر لها بتدبير منه ومن سواه كالفاسدين أناء الليل وأطراف النهار وما بينهما !.
فنحن ندرك كم من الجهود بذلها حكماء ووطنيون وقوميون ومثقفون ” بعيداً عن ذكر الأسماء ” بهدف إنقاذ الأُمّة ،ومن أجل فضح كل الممارسات والتحالفات المشبوهة التي تضرّ بالأُمّة .
ونحن ندرك أيضاً ونعرف تماما أن كيد الذين يستغلون ثرواتنا ويستعمروننا بشكل حديث من خلالها ، هو كيد ضعيف رغم كل المليارات التي يملكونها والتي يصرفونها على الآخرين الصغار ، ورغم كل صنائعه فهو آيل الى خذلان وإحباط وهبوط على الرغم مما يتعهد به من تمكين لمصالحه وعلى كل الصعد .
فالعربي يدرك تماما أن صنائع الناهش لثروات الوطن والمعتمد على الخداع تارة وعلى التلاعب بالشعارات وعلى التلويح بأدوات القمع ، هي صنائع باطلة وساقطة لا محالة .
آخذين بعين الاعتبار أن كل عربي نقي يرفض رفضاً باتاً كل أشكال التبعية التي تُصادر حتّى قراراتنا .
مع الأسف إن الساحة العربية المترامية الأطراف تعشعش فيها الكيانات البوليسية ، التي تصادر السلطة من أبنائها الحقيقيين ، وهناك تلاعب في القوانين وفي دساتير البلاد ، ومن خلال أجهزتهم فإنهم بكلِ أسف يصلون حتّى إلى أسرار المنازل وخفاياها ، من خلال جيشٍ من المخبرين ضعفاء النفوس والذين هم في الأساس أشباه رجال ومنتشرين في كل صوبٍ وجانب .
إضافةً إلى ذلك فإن الساحة العربية قد تفشّى فيها الفساد واستشرى ، وأصبح المواطن هو الضحية باستمرار ، وهذا الفساد المتفشي يفسح المجال أمام أجهزة مراكز القرار بتمرير كل الصفقات المشبوهة التي تُنهك المواطن والوطن .
كما أن الميدان العربي مليءٌ بحالات الرعب التي تنتاب المواطن من خلال مصادرة الحريات وفرض حالات الطوارىْ . كما أن حجم وعدد المعتقلات والسجون على الساحة العربية لا تُعدّ ولا تُحصى .
وأصبح المواطن العربي مهتمّاً فقط بلقمة عيشه ومتابعة صحته إذا استطاع .
ماذا قال زعيم الهند \ المهاتما غاندي \ في إحدى رسائله لزوجته من داخل سجنه في بومباي في الثلاثينات من القرن الماضي، فقد كتب لها يقول ((اريد أن اذكرك بأن تنقلي إلى جموع الفقراء الهنود بأن يتشبثوا بالأرض، ويتذكروا دائما بأن قمع رأس المال أثقل على النفس البشرية من وطأة أعتى الأنظمة الدكتاتورية.)) هذا ما قاله محرر الهند وزعيمها الروحي الذي ما زال الشعب الهندي يعتز بذكراه وبمسيرته النضالية حتّى اليوم ، ويجسّد تعليماته ونظريته في العلاقة مابين الانسان والارض والمعيشة ورأس المال .
وما ظاهرة إرتفاع الاسعار وخاصة للمواد الغذائية والوقود والطاقة الاّ ظاهرة مرتبطة مباشرة بعقلية المؤامرة ضد الشعب ، والعابثين بلقمة عيش المواطن وحريته وكرامته والمحتكرين للسلع الأساسية التي تعتبر خطاً أحمرا ًلأمن الشعب.
عندما كنا في أيام شبابنا أتذكر:
كيف استبسل الشهيد السوري جول جمال وقام بعملية استشهادية ضد العدوان الثلاثي على مصر ، وهبّ الشارع العربي كله هاتفاً باسم جول جمال .
* حدث زلزال أغادير في المغرب فهب كل الشارع العربي لنجدة المغرب.
وعندما توقّفت إذاعة القاهرة عن البث أثناء العدوان الثلاثي ، إنطلق راديو دمشق ، ليعلن ” هنا القاهرة من دمشق .
* وعندما اغتيل الشفيع الشيخ في السودان هبّ الشارع العربي لنصرة الشفيع الشيخ محتجا على اسلوب الجريمة.
*وعندما اعتقل أعضاء جبهة التحرير الجزائرية ومن بينهم أحمد بن بيلا قام الشارع العربي غاضبا محتجا على إعتقال المناضلين الجزائريين.
* وعندما قامت أمريكا بعدوانها على لبنان في عهد كميل شمعون لدعمه، أيضا تحرك كل الشارع العربي غاضبا فسقط شمعون وانسحبت أمريكا.
إنها شواهد لا تنسى وكثيرة هذه الشواهد ونحتاج إلى مجلدات لجمعها، وتعبّر هذه الشواهد بشكل واضح على سيطرة الشعب على الشارع السياسي العربي وتأثيره على القرار السياسي. ولو حدثت مجازر غزة ومجازر العراق في زمن صحوة الشارع السياسي وتأثيره على القرار السياسي لكانت كل العواصم العربية مغلقة بسبب المظاهرات، ولسقطت وزارات، وهربت سفارات!؟.
هكذا كان حال الشعب العربي، أمّا اليوم لا ندري ماذا حلّ بحسه القومي، فهناك أراض عربية مغتصبة يجب علينا أن نذكّر بها كي تبقى حيّة في الذاكرة العربية كي لا تنسى!
** (الجولان) تحتله إسرائيل ويجب أن يبقى حيا في الذاكرة العربية وفي ذاكرة كل عربي إلى أن يتم تحريره كاملا غير منقوصا.
** ( لواء إسكندرون ) تحتله تركيا .
**(الأحواز) تحتلها إيران بكل طمع وتشبث وهذا تعبير عن سياستها التوسعية التي تستهدف من خلالها العالم العربي.فعلينا العمل على الدوام بالتذكير بهذه المنطقة إلى أن يتم استعادتها .
**(سبته ومليله) تحتلها أسبانيا مستغلة نفوذها الاوروبي وصمت الشارع السياسي العربي، ولو تكاتف العرب وعبّروا عن تضامنهم وتحرّك الشارع السياسي ضد هذا الاحتلال لاختلفت الأوضاع، فقط علينا أن نذكّر كي لا تنسوا أيها العرب.
**(الجزر العربية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) والتي تحتلها إيران أيضا بكل عنجهية وتمرد على القانون الدولي، وترفض من مبدأ القوة والسيطرة إعادة الحق العربي إلى أصحابه الشرعيين .
لو كل مثقف وكاتب ومهتم بحقوق الانسان ذكّر بهذه الامور حينما يتحدث عن أوضاع بلده وظروفه والأمّة السياسية، فإنها ستبقى حيّة في نفوسنا وفي فؤاد كل عربي حر.
أعود وأقول نعم ” لأننا ضعفاء ومتفرقون ، لذا نحن نرتقب جيلا فارساً جديداً مفاجئاً في سعة عقله ورحابة صدره ووجدانه واستعداده الفائق لأن يكون شاهداً على كل ما جرى ويجري وسيجري ، وسيكون هذا الجيل هو طلقة الرحمة لهذه الأمّة والسلام المنشود والأمان والاستقرار لأمتنا الحبيبة.
جيل يملك فكرا وطنيا قومياً صافياً ، وانتماءً قومياً لا يوصف، واعتدالاً وقدرة على التنازل عن المواقف الشخصية الباهتة، وتضحية ليس لها حدود في بناء
الأمة من جديد بشكلها الديمقراطي وبنهجها المعتدل المعهود بها ، بعيداً عن سياسة التهميش ، ليكون المواطن العربي مُشاركاً حقيقياً في صناعة القرار السياسي والاقتصادي في الميدان ، والاعتماد على الحكماء و ذوي الخبرة والتجربة والحكمة والحنكة في المواقف من أجل بناء نهج قومي سليم في ظل قيمِ العدل والسلام والحرية .
وبكلِ تأكيد إذا لم نستطع التحرر من تبعيتنا ، وإذا لم نصحو قبل فوات الأوان ، فإن السفينة ستغرق بمن فيها مع الأسف .







Discussion about this post