لهذه الأسباب فازت رواية ميلانين بجائزة كتارا العالمية
___________________________________________
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
كيف تقدر رواية ما على أسر القارئ منذ العتبة ( العنوان) وحتى الخاتمة ( النهاية) ؟
-لابد أنها تحمل صبغيات زائدة متفوقة على أقرانها ( كصباغ الميلانين) الذي تفوّق على غيرهِ وبرزَ بقوّة راسماً السّواد ( كبشرة وشعر وقزحية ) …
نعم هي برزت باختلافها، بتفوّق اللّون ومعانقته للشمس دون خوف ( كالشّهرة والإشهار) ” الموضوع مهمّش ، مسكوتٌ عنه منذُ القدم على الرّغم من وضوحهِ كالميلانين تماماً ( التمييز العنصري المعتمد على اللّون)…
وهذه عتبة موفّقة جدّاً ونجاحٌ أوّلي قبل الولوج إلى عمق الرّواية ( الأحداث).
قالت الأستاذة فتحيّة في الرواية /ص١٢/
————————————————‐–
” ويسألني بريبة :
” أنتِ متزوجة من عربي؟
: لا
يستميت في السؤاب : ” عربية؟ لا؟”
هناك دائماً حدث ما أو شخص ما أو عبارة ما يذكرك الآخرون من خلالها بأنك مختلف .لابدّ لك من تبعية ما حتى يستأنسوا إليك إن استطاعوا، ألملم شظاياي ، أستعيد اختلافي، وأختفي من هرج الأسئلة بين الدّفاتر…هناك فقط تكمن النجاة ….”
————————
السبب الثاني / نجاح أسلوبي على مستوى السرد :
الساردة هنا ( الراوية ) كالأم تماما تراعي شخوصها وتتفقدهم ، تسافر معهم ، تركب الميترو وتنام بجانبهم متفقدة أدق التفاصيل والمتغيرات ، لابل واتّبعت أسلوباً أشد قرباً إذ قررت بناءهم – كالأم تماما- وهي تكبر أطفالها حتى لا يشذوا وبدورهم ( الأبطال / الأطفال) لايعجبهم هذا الحرص الزائد الأمومي فيتفلتون من الرعاية لينتشروا ويختاروا ..
وهذا تفوق آخر صبغي يضيف شهرة من نوع آخر وبرأيي هذا هو التفوق الرئيسي ..
مشهد حادثة/ موت رقية /
———————————–
“من أين ظهرت هذه السيارة الملعونة ، كيف لم يتحكم بعجلاته والمقود عند الإشارة الضوئية..
كيف تسلل إلى النشهد هكذا دون أن أهيأ له ولا أن أحسب له حساباً، هل طفت هواجسي على الورق وارتسم لاوعيي المذعور الخائف أبداً من حوادث الطرقات منذ أن فتفت جرار الحظيرة أبي ونثره أشلاء، فتمثل لي حادث السيارة بينما أقتفي أثر رقية وهي تشق الطريق إلى العمارة حيث شقتها؟ هل يلتبس الأمر هكذا على الكاتب فيخلط بين شخوصه وبينه وبين التخييل والواقع فترتبك خبكته بارتباك أفكاره؟….”ص٥٢-٥٣
السبب الثالث/ المعالجة الموضوعية
التي تفوقت على مستوى اختيار الموضوع وحبكته ”
صحفية باحثة عن تفوق صحفي تبرز من خلاله آهات المختلفين المطحونين بين فكي ( اللون / الشرق)
في رحلة الاندماج والبحث عن هوية وطنية غير موجودة إلا على ورقة ، تلفظهم الأوطان وتتخلى عنهم الأقدار والذنب الوحيد هو ذاك الصبغي المتفوق…
تقول الكاتبة :
” تلك المرارة التي أورثنيها ذلك الاختلاف الذي لا أستطيع إخفاءه ، بل أؤكده بأضمومة ضفائر إفريقية ، شعور لا أستطيع إلحاقه بشيء خالص من الرضى ولا من الرفض” ص٤٣
وتقول أيضاً :
( الذين يدافعون عن هوية ثابتة يسيرون عكس الحتمية، فالخوية متحركة متحولة، شأنها شأن كل مايتأثر بعوامل بعضها من الداخل وبعضها من الخارج ، ومن الظلم أن تتجاهل الصحافة موضوعاً كهذا وتكتفي بإثارته في الأزمات، غالباً ماحوكمت هذه الأجيال هنا وهناك وقوبلت بالتهميش) ص ٤٠
السبب الرابع / المعالجة غير النمطية المعتمدة على الأسلوبية الشعرية في أغلبها والتي تأسر المتلقي ببلاغتها وتقذف به بعيداً طالبا الاستزادة والرواء..
أسرٌ يليه آخر دون كلل أو رتابة، كأنه سحر شرقي يغتال أنفاسك ويقودك مرغماً مشدوها لتتابع أدق التفاصيل وتعيدها مرةً إثر مرة ، لنجاح وتفوق على مستوى الأسلوب.
تقول الكاتبة :
” منذ أدركت نجاتي بموتك قررت الكتابة عنك وإليك، ومنذ قراري ذلك وأنا كالذبيحة على الورق، كلما سال حبري سال دمي وكلما كتبتك محوتني وكلما محوتني محوتك في وماعدت إلى نفسي…
منذ انتهيت منك وأنا أهزم خواطري بالنسيان ويهزمني النسيان بالدموع.”
ص ١١٢
———
التفوق الخامس / هذه القصاصات المرمية في المتن السردي كأنها الفواصل تحيط بالأمكنة والأزمنة وتسبل عليها ستارة مذهبة من دهشة ، جاءت متقنة أسلوبياً وكأنها لوحات فسيفسائية على جدران ملكية ، أما وظيفيا فقد قامت بدورها بكل براعة في الربط والإدهاش دون تكلف كنشرة أخبار مسائية ينتظرها الجميع ويتابعونها عن كثب ، هنا القارئ يعيد قراءتها وحتى بعد الانتهاء ستبقى عالقة في ذاكرته….
قالت الكاتبة:
“القصاصة قبل الأخيرة
لاتحبّ النّساء إلا أبطال رواياتهنّ، ولا تستقرّ الحياة إلا لمن أحبّ مخلصاً، تزني أوطاننا بنا، وتنجبنا مسوخاً، تبسطُ ذراعيها للغريب وتضنّ علينا بالحبّ، لم تحبنا مخلصة ولم نحبها مخلصين!
نغادر بحقائب خفيفة من كلّ ذنب ونعود مثقلين بذنوب الغربة والموت…
ستغلقين الرّواية وتخلفين وعداً قطعته بإيقاظي في الفصل الأخير، لن ينفخ الرّب في صورتي، لن أنبعث نبيّاً، لن أحتويكِ وطناً من ورق ولا من سراب، ستغلقين الباب وستلتحقين بالمطار من جديد….كُتب عليكِ السّفر كما كتب على النّساء من قبلكِ، وكُتبَ عليّ الموت بجرعة حبرٍ كما كُتب على كلّ أبطال الحكايات من قبلي.
باريس، سهيل”
التفوق السّادس /صبغي بالمطلق وهو الخاتمة السّريعة الجامعة للمتن والموضوع والحبكة والأسلوبيّة والعتبة النثرية البليغة بصبغي متفوق جامع وهو ذاك اللقاء الصحفي ( للبطلة مع العائلة ) جمعت به بسلاسة ودون إطالة أو مبالغة ( أزمة المواطنة والهوية ) وتبهاتهل بأسلوب بعيد عن الحشو ومتميز…
فكان الصبغي المتفوق ( الميلانين) قد ظهر بارزاً معانقا للشمس متفوقاً ونصّب على المنصّة ببشرته المختلفة وهمومه ومشاكله بموضوعية …
فهنيئاً لك أ. فتحية دبش كل هذا الجمال
رواية تستحق الإحتفاء تتويجاً ومناقشة
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
Discussion about this post