الرسول
– قصة قصيرة –
زائري هذا الصباح كان مختلفًا، غير متوقعًا، لم يطرق باب المنزل و لم يستخدم النوافذ مع أنها كانت مشرعة.
استقبلته بالرضا هذه المرة وابتسامة عريضة، حق الضيف علينا أن نفعل ذلك، أشرت إلى مكان الكرسي الهزاز وأخبرته بإمكانه الجلوس عليه.
جلس ضيفي بعباءتهِ السوداء. اعترف، لم يكن ودودًا، لم اهتم، فمهمة الرسول إيصال الرسائل فقط.
شعرت بالضيق منه، في نفسي أعرف أن التذمر سيصعب الأمر عليّ، يزيد شعور القلق الذي بدأ ينمو داخلي ويضخم من حجم خوفي، خوفي غير المبرر من كل شيء، حاولتُ الهرب ، تساءلتُ بعد هنيهة: متى كان الهرب حلا؟
شعرتُ بحكمة الرسول كأنني أقابله لأولِ مرة، لذلك لم أقاومه، لم أعترض ولن أختبئ مع أن شحنات من العواطف ذبذباتها قادمة من أزمان قديمة قد بدأت تجتاحني وتملأ وجهي بالعرق.
مرتْ دقائق خلتها زمن بأكمله، يا لهذا الزمن الذي يتخذ الوانًا مختلفة! .. فعند الخوف يصبح كلون الدخان وعند الفرح يتحول إلى ضوء!
نظرتُ ثانية إليهِ، هل أقتله كما أفعل في كل مرة يزورني بها ؟ أعرف أن هذا السؤال غبيًا، فكلما قتلته عاد أشد قوة وأكثر وحشية، بعد كل قتلة يعود شامخًا هازئًا مني.
سألته وأنا أحاول التحلي بالهدوء:
– ماذا تريد؟
– ثمة رسائل لكِ عندي.
– لا أريدها! قلت له وصوتي بدأ يرتجف.
– لا تكوني غبية كالمرات السابقة! سكت لحظة ثم استأنف بسرعة:
– اقرأيها، تمعني فيما ورد فيها.
سألته:
– من أرسلها؟
أجابني بينما جسدهُ يحرك بقوة الكرسي الهزاز ومعه الكون يتحرك.
– لا أعلم، أنا رسول فقط.
اقتربت منه ، أخذت الرسائل وفككت الشرائط السوداء التي تلفها، قرأت العناوين .. الأولى كانت من ذكريات الطفولة والثانية من الأسى وأخرى من أفكاري المجنونة ورابعة من أحكامي على الناس وخامسة من الأحزان التي نسجتها قميصًا ولبستها طوال عمري وسادسة من الحب الذي أبحث عنه.
عناوين كثيرة تربك الحياة التي أعيشها والغريب أن بعضها من الماضي و الآخر من المستقبل .. أما الأخيرة كانت من الآن .
قَبلتُ الرسائل وقبّلتها .. ضممتها إلى صدري، شعرت بوهج ينبعث من ذاتي، من إدراكي لوجودي وكأنني كنت مسافرة وقدمت للتو من حلم مظلم. أغمضت عينيّ وأخذت نفسًا عميقًا لألتحم مع جزء مني كان مفقودًا.
فتحت عيني والتفت إلى الرسول لأشكره .. كان الكرسي فارغًا لكنه ما يزال يهتز .
Discussion about this post