قراءة سليمان جمعة في رواية ميلانين للكاتبة
فتحية دبش
_________
لماذا كتبت فتحية دبش روايتها ميلانين ؟
بالتأكيد
ليس لتفوز بجائزة كتارا ..
او لتخبرنا بما نعرف من احوال الشرق والغرب ؟
وليس ايضا للتسلية ..وملء الوقت والفراغ..؟!
البناء مختلف ليس فقط بتعدد الاصوات انما كذلك بتناسل الشخصيات ..الراوية الضمنية ..من فتحية الى انيسة الى رقية . وقد تكون لورانس وجه مرآة آخر ..وكذلك شيماء ..
فازهار مزهريتها عدا ما ذكرت تضم سهيلا واحمد وانطون.. وكلها تتآلف وتتنافر . او تقتل او تنفى الا فتحية واحمد واهل انيسة ال هم معادل لاهل فتحية..
كلها شخصيات تنتمي الى عصر اللامعنى واللايقين . واللاستقرار ..
السؤال :
هل الرواية قصة افراد ام هي حياة شعوب على ضفتي الكرة شرق وغرب ؟
تدخل الرواية تستشعر
من العتبات انك متهم او انك ستعيش فلسفة
ابن الرومي في التحرر من الاغلال او ستكون في ازمات ستضطر للاختيار مع سارتر .. وكذلك ستقابل عند مفارق الكتابة دريدا ونتيشه وبارت .. وهادغر .
ولكنك ستكون في اسر
انيسة عزوز رسولة فتحية دبش ..
الصحفية التي تعيش مع من يعيش افكار ما بعد الحداثة وتحمل في هيئتها افكار مسبقة عنها ..
كتبت روايتها باسلوب الصحفية مقالات وملفات واوراقا .. ودبجتها
بفزلكة شعرية لانها في فضاء الادب ..وجزاتها بعيدا عن المتتاليات السردية لانها ما بعد.حداثية ..ولم تصل الى النهايات لانها لا تؤمن ان هناك معنى ثابت ففي التصدير الذي اثبتته في النهاية قالت انها ستبدأ. اي نهاية فضاء مفتوح .. لتعود من جديد ..مما يعني ان ذلك كان اشهارا صحفيا اي هي مثلت المثقف العضوي الغرامشي.. فجعلت من القضية قضية رأي عام
او على الاقل لترى وتسمع وتثبت ..ليقرؤها الناس
تلك كانت قصدية واضحة …
اذن بذلك تحقق سلاما نفسيا انها اخرجت ما بها الى العلن . .. فهي قد سردت التشظي على ضفتي الشمس ..
فحاصرها ذلك ودخل هما جعلها متشظية كالفكر الذي تعيشه وكالمكان الذي هاجرت منه وحملت هويته والمكان الذي وصلت اليه ومنحها من هويته المتعالية المثالية ..
فهنا ندرك ان هوية مثالية لم تتحقق في بلادها بل طمستها هوية اخرى وفي الغرب وصلت اليه فكريا هوية مختلفة عما يسلك اتجاه شعبها المهاجر من ملاحقة ومضايقات..
لذا اقترحت لفكرتها حياة تخيلية من هنا الى هناك ..لترصد هذا المأزق الانتمائي ..
فكانت “ميلانين” الاختلاف بقدر يخفت هنا ويشتد هناك ..
فما هي البنى المعرفية التي شكلت حركة الحياة المقترحة . .؟
هما هويتان في الشرق ثابتة
واخرى في الغرب مكتسبة ..
في الشرق:
الفقر
وذاكرة الرقيق وتجارته وقوافله التي تعبر بالناس الى الغرب بأيد شرقية..فهي ذكرى حكايات دامية من القهر
“ولا ننسى ان دولة انشأت ما يشبه مزارع لتوليد ذوات البشرة السمراء ..فتيات وجنودها برعاية رسمية.”
وكذلك سطوة الفقه والتفسير والفتاوى .. والعمق الفكري في مسألتين يشكلان من بنى هذه الهوية هوية قاتلة صدامية متعالية رغم قهرها ..هي التسخير والتمكين .. وكذلك العادات والتقاليد والختان ..
واللون ..
والاستبداد السياسي ان من احتلال او حكم امني ..
والقيم القبلية
كل هذا جعل منها او منه كائنا مغيبة انسانيته
تحت وطأة ثقافة الطاعة
هذه الهوية
سفينة هذا المهاجر
الذي تحمله الى الهجرة
انيسة عزوز او الراوية الضمنية تعي هذه الهوية ويسكنها منها اشياء ستحاول اخراجها
..اما الهوية التي تقابلها للغربي فهي
اشد فتكا وضراوة ..
فما هي بناها المعرفية
التي تريد من المهاجر ان يعتنقها تحت مسمى الاندماج ..
فالثقافة سلطة ليست فردا وحسب ..وهي وسائل قوة ..
تبدأ من داروين والانتقاء الطبيعي ولا تنتهي بصفاء العرق النتشوي
وما تأثرت به من اخبار معاداة السامية ..والغويم..اي ما عداهم هو شبه بشر خلق لخدمتهم فهو كالتسخير والتمكين فالتقيا ليجعلا الاخضاع بالقوة هو سبيل جائز
وكذلك اللاهوت الذي يعتبر ما عداه هرطقة وكفرا ….
وكذلك الرأسمال المتوحش والعولمة والشركات العابرة .. التي
فتتت عالمنا فايقظت الاعراق والمذاهب والطائفيات ..
ولا ننسى النزعة الاستعمارية ..
كل هذه البنى شكلت هوية الفرد والسلطة الغربية ..
فوقعت انيسة بين حضارة تريدها ولكنها متوحشة نحوها باحكام مسبقة ومثالية في مكانها ..وبين حضارة منفية جاءت منها بهوية يرفضها الغرب ..ولا يتخلى عنها المسلم ..
فهي في ازمة مكان وهويته ..ترى المكان المنتمي للغرب المثالي فتمجده بابنيته وشوارعها فينبهها المكان الذي جاءت منه وكذلك معاملة الغربي ..فتهاجمه
كثعبان واخطبوط..
عالمان ..هويتان تتصارعان في داخلها ..
فانعكس ذلك بينها وبين القارىء الناقد وبينها ككاتبة ..فتمجد القراء يمنحونها اجنحة تحلق فيها الى فضاء لانهائي
وتهاجمه كي لا تدعه يملي عليها ما يريد لتكون كائنا حرا تكتب من صفر..فههي لا تميت المؤلف وتنحي القارىء وقت الكتابة ولكنها تريده وقت القراءة ..
فقد وجدت فيها من هويتها الطاعة فنسلت منها شخصية رقية واطلقتها في فضاء الهوية التي ترفضها ..وذلك بوسيلة الراوي العليم بعد ان كانت تعتمد الراوي الضمني ..لتقول ان رقية تنتسب لها ولتقول الروائية ان انيسة تنتسب الي كذلك ..تناسل شخصيات
..فقتلت الطاعة بقتل رقية التي قتلت بدورها سهيل الذي كان يخونها ويمارس فحولتها عليها اي يزيدها طحنا ..
وكذلك جاءت بشخصية مندمجة فكانت منكسرة ..مرايا اخر لشخصيات تسكنها ..فهل هذا الوعي للبنى التي شكلت حركة الحياة المقترحة ستمنحها ثقة بذاتها ؟
احمد الذي يناحيها وتناجيه ينطلق من البداية معها انهم في اسرة علمية تضحي وتعطي لنجاح العمل بحب كما صرح انه يهتم بمرضاه ..ولا يترك فرصة ليتصل ويطمئن عليها..ويجلس عاريا وهو يافع محب في الشمس ليكتسب سمرة حبيبته.. هل الرمادي يحل الاشكالية؟
هل المختلط كذلك يداوي ما هو متمكن في النفس فما كان مصير شيماء؟
لنرى ان الزمن ليس متعاقبا فأين اليوم الثاني من روزنامتها ؟
ففي اليوم الخامس تشهر التصادم .
فتزور عائلة مهاجرة عملت كما عمل غيرها في بناء وازدهار الاقتصاد ..ولكن ابنها قتل والثاني سجن ..وهي تعيش وطأة المساءلة والتضييق والاستجوابات المتكررة اي كانها الآن قد دخلت فيمحي الظلم زمنها وتعبها ..فالمكان كان نابذا لها بقوة الاحكام التي تسيرها ثقافة العنصرية المتأصلة ..من عدة بنى معرفية ..
ووترجع بالذاكرة الي بيت اهلها في مكان ولادتها . فترى الام والاب يجاهدان بكل حنان لتأمين سلام الابناء الجسدي والنفسي ..فالمكان حاضن للهوية ..فماذا ارادت ان تقول بذلك ؟
هل نتخلى عن ثوابت في هويتنا او نراجع قراءتها على ضوء ادوات جديدة لحضارة منفية ؟
ام نعود ولا نعاني الموت بكراهية ونبذ ؟
هل نطالب الغرب بما يعامل ابناء هويتها ؟
اي نعتنق مبادىء لا تتوفر لدينا هيأة تحملها كاللون والدين ..؟
نعم الهوية تتحول ضمن فضاء عام
كما قال هابرماس ..او كما جاء في القرآن .. لتصل الروائية الى الكائن الحر الكوني ..
ميلانين
انتصرت بأحمد كرؤية
تبني اسرة تنتمي الى العلم كحداثة والى الحب كبعد حداثي فاذا ما كان العلمي والعقلي ساكنا فيه الروحي حققنا السلام الروحي والثقة باننا ننتمي الى قيم يقبلها كل عاقل..
سليمان جمعة
Discussion about this post