قراءة موضوعية بنيوية في القصة القصيرة جدا ( قصيدة هاربة )
للكاتبة المصرية ( سماح رشاد )
أقرأ قصة ( قصيدة هاربة ) قراءة موضوعية بنيوية لمنهج الناقد الفرنسي ” رولان بارت “، ووفق فرضية ” غريماس” التي اعتمدها رولان بارت وهي أنّ :
( المقصوص جملة هائلة، وأنّ الجملة مقصوص صغير )
وتتحدد هذه الفرضية عبر الحديث عن محاور متعددة مثل : المساندون ، المعارضون ، الفاعل ، موضوع البحث.
أما الجملة التي تلخص موضوع البحث فهي :
( ألقت قصائدها الفاضحة، ثم تعثرت بواحدة باكية هاربة من الديوان (
هذه العبارة تشع على النص بأكمله، وتحدد علاقات النص وفق أنسقة منسجمة، كالدال والمدلول، والزمن والتزمن ..
ولأنّ المنهج البنيوي الذي نادى به رولان بارت، وليفي شتراوس، ينطلق من بنية الكلمة في النص بعيدا عن ذات الكاتبة، وبعيدا عن إبداعها .. فإلى أين سنصل ؟؟
تتماهى شخصية الشاعرة والقصيدة في النص، حيث بدأ النص بوصف شاعرة متحجبة حجاباً أسود، والحجاب قطعة قماش تمنع الرؤية عن العين وقد تمنعها عن الفكر وعن الحرية أيضا .. فالحجاب كل ما يمنع الرؤية .ارتقت المنبر وهنا تظهر شخصية الفاعل، وهو الشاعرة الحيية، حياؤها المنتقب من كلمة ” نقاب” الذي يغطي الوجه، تلك الشاعرة ارتقت درجتين إلى المنصة، وكلمة ” ارتقت ” تشير إلى الفعل المقدّس الكبير للشاعرة، صاحبة الكلمة والرأي والموقف، لذلك ذكرت كلمة ” ارتقت” وليس ” صعدت ” ، وقد ألقت أولى نصوصها على الحضور في هذا العام، فكانت قصيدة عارية، ربما أريد من معنى عارية التجرد والمباشرة، أو خدش الحياء، أو الشيء البسيط السهل غير المتكلف على الإطلاق، ثم ألقت قصيدة أخرى فاضحة، وقد يكون فعل فضح آتٍ من خلو القصيدة من الجمال والأفكار السامية .. وقد تكون جرأة لدى الشاعرة للبوح والتعبير من غير رادع أو لجم لمكنوناتها الداخلية .. وأخيرا أنهت الثلاثة بأكثرهم وقاحةً ..؟؟؟
هل استطاعت الشاعرة أن تبوح عما في داخلها بأريحية وبحبوحة …؟؟!!!
وهل يتقبّل المجتمع هذا البوح الشفيف ؟؟ لطالما كان البوح بتلك الشفافية وبذلك العمق من مهمات الرجل الذي لاتتأثر رجولته بهما على الإطلاق .. أما أن تبوح المرأة بعواطفها من غير حدود أو خطوط حمراء فهذا مثار ذم واستهجان ورفض ..لم نصل بعد إلى تلك الجندرية الراقية التي تجعل المرأة تختار نصوصها وتعبر عنها بشفافية وبراءة .. بل؛ نحن – مازلنا – محكومين بعادات وتقاليد وضوابط اجتماعية تمنعنا من البوح كما نريد .. ولكن؛ ما الذي قادنا إلى هذا التفسير ؟؟ وماهي الجملة التي دلت على هذا المعنى.. ؟؟ إنها كلمة ” ترجلت ” وهي بمثابة معارض هنا، فالفعل ارتقت قابله فعل ترجّلت، تراوح بين الصعود والهبوط، بين الفوز والخسارة، هذا التفسير مأخوذ من المنصوص الأول وهو موضوع البحث، والجملة المفتاح للولوج إلى عمق النص ..
تلك الشاعرة ترجلت، ونزلت على الدرج نفسه، فتعثرت وهي تنهض بواحدة، بقصيدة متدثرة بثوب باكٍ، فهل الثوب رمز للستر والجمال ؟؟!! وهل البكاء رمز إلى الصدق والشفافية ؟؟!!
تلك القصيدة الحزينة الباكية هربت من بين طيات الديوان لأنها لم تُقرأ .. أو لأنها لم تُسمع ..أو لأنها لم تكن حاضرة موجودة …
المفارقة أنّ جميع الحضور ” وهم بمثابة المعارضين هنا “صفقوا مشدوهين، وربما غير عارفين لماذا صفقوا ..أو ربما مستائين رافضين مستهجنين تلك الحالة غير المألوفة، وهي جرأة امرأة شاعرة تبوح بمكنونات نفسها، فتلقي تلك القصائد العارية والفاضحة والوقحة، على حين تبقى القصيدة الحزينة حبيسة رهينة القيد ..
لقد اتبعت الكاتبة من خلال تسلسل الأفعال التي ذكرتها في قصتها خطاً لسيرورة القصة القصيرة جدا، وصولاً إلى صيرورتها في النهاية . تبدأ القصة صعودا وارتقاء، لتتهاوى بعد ذلك نزولا وترجلاً ثم تعثراً ..
ومن خلال استقصاء الأفعال في القصة القصيرة جدا ” قصيدة هاربة ” نستطيع وضع منصوصات تلخص القصة وفق هذا المنهج :
ارتقت درجتين إلى المنصة .
ألقت أولى نصوص شعرها الوليد لهذا العام .
قرأت قصيدة عارية.
أنهت الثلاثة بأكثرهم وقاحة وسكتت.
صفق الجميع مشدوهين .
ترجلت على الدرج وانكبت على وجهها .
تعثرت بواحدة متدثرة بثوب باك.
هربت من بين طيات الديوان لأنها لم تُقرأ .
فماذا أراد نص الكاتبة أن يقول من خلال مفرداته وجمله.. ؟؟
هل الجندرية متحققة بين الرجل والمرأة في التعبير والبوح عن المشاعر ؟؟
هل حققت المرأة حريتها ووجودها باختيار نصوص عارية وفاضحة ووقحة ؟؟
هل مازلنا نخبئ أحزاننا ونكبتها حتى تكاد تهرب منا للحظة عابرة ؟؟
هل استطاعت القصيدة أن تملأ تلك المساحة البيضاء الواسعة في حياة المرأة ؟؟؟
شكرا للقاصة المبدعة ( سماح رشاد ) على قصتها القصيرة جدا، والممتلئة جدا جدا .. مع دوام التألق لقلمها المتميز.
بقلم رولاعلي سلوم
Discussion about this post