ارتحال
ويحدث كثيرا ان يسألني قلبي عنه ‘ فمن تراه ذاك الذي أوقفت العمر لأجله ؟!
هي الدنيا تدور بي ‘ ولا تفاصيل عندي تفيء إلى مخيلتي الحرى والحرون
لا صور تمكنني من تدبيج تلك الحكاية أو رسم تفاصيلها ‘ فقط أنا أتذكر – على نحو مبهم – بأنه كان محطتي الأولى في دنيا الحلم !
واليوم .. هي ذي الليالي يبيض شعرها لطول ما انتظرت ! هناك حيث توهم القلب مستراحه ‘ واستسلم لقيلولة رحيمة
ليستيقظ – من ثم – في اللحظة الخطأ ! لكن القلب غافلني اليوم ‘ وراح يضج بالأسئلة ويلحف : هل كان الرجل الحلم يستحق ذلك الانتظار كله ؟! تلك السنوات الضنينة ؟! الموسومة بالقلم والتوجس واللهفة والانكسار واللا يسمى من الأحاسيس ؟!
وها أنا أتهجد في رسم خيال رجل الحلم ذاك .. لأقف – ملجومة – بهيئته الضبابية ‘ رباه .. لا عين يرى بها ولا فم لكي يتكلم ‘
كيف تهت عن جوهره .. عن جوهر المسألة ؟! وأي سحر مارسه هذا الرجل علي ‘ حتى صيرني أنثى محتكمة للأخيلة وأضغاث الأحلام ؟!
هل كنت أهرول خلف سراب تراءى لي ماء فراتا ؟!
كيف توهمته ارتحالا عذبا نحو مدن عشقتها ؟! هناك .. حيث كان للعصافير زقزقة أخرى ‘ وللماء خريره الأعذب والأكثر بهاء ‘ وللكائنات التي تخلقت برغبة الخالق صفاؤها !
أذكر أني سألته مرة :
– أما أنهكك هذا التسكع في أزقة الذكريات ؟!
فأجابني :
– وأنت معي .. لا
ثم حل بنا خريف أشعث .. فذبلت أوراقي على شجرتها العجفاء
ثم إنه رمى ورقة منها في الجدول ‘ وطلبت إلي أن أتبعها
لكنها تأبت على الإمساك ‘ وأردف بتثاقل :
– نحن كما تلك الورقة ‘ قد يذكرنا النهر ‘ وقد تتذكرنا الشجرة ‘ لكننا مجرد ذكرى .. كنا وسنظل !
وعلى إبهام أدركت بأن العمر قد لصنا ‘ ليس هذا فحسب .. كانت ظلال الغربة القاتمة تختم على قلوبنا بميسمها
فناس قلبي بين اليقظة والوسن ‘ وراحت عيناي تحدقان في سماء الغرفة كما لو كانتا تنتظران ماردا ينشق عنه السقف الترابي ‘ ويجيء راكعا !
سمية جمعة سورية
Discussion about this post