في مثل هذا اليوم5 يونيو1916م..
بدء الثورة العربية على الدولة العثمانية بقيادة حاكم مكة الشريف حسين بن علي.
الثورة العربية الكبرى، هي ثورة مسلحة ضد الدولة العثمانية، بدأت في الحجاز، حينما أطلق الشريف الحسين بن علي طلقة واحدة من بندقيته، وذلك قبل فجر يوم التاسع من شعبان 1334ه – 10 يونيو 1916م في مكة المكرمة. وكان لدوي تلك الطلقة صدى في جدة والطائف والمدينة. وامتدت الثورة ضد العثمانيين بعد إخراجهم من الحجاز حتى وصلت بلاد الشام، وإسقاط الحكم العثماني فيها، وفي العراق؛ وذلك نتيجة للسياسة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، والتي تمثلت بالتجنيد الإجباري، ومصادرة الأملاك والأرزاق، ومن ثم مجاعة 1915، والسياسة القمعية لجمال باشا، الحاكم العسكري للولايات السورية العثمانية، إلى جانب تراكمات العلاقة المعقدة بين العرب، والأتراك منذ أواسط القرن التاسع عشر، وحتى مؤتمر باريس عام 1913.
هدفت الثورة، كما نصّ عليه في ميثاق دمشق، وفي مراسلات الحسين – مكماهون التي استندت إلى الميثاق، على خلع طاعة الدولة العثمانية، وإقامة دولة عربية، أو اتحاد دول عربية يشمل شبه الجزيرة العربية نجد والحجاز على وجه الخصوص وبلاد الشام عدا ولاية أضنة التي اعتبرت ضمن سوريا في ميثاق دمشق مع احترام “مصالح بريطانيا في جنوب العراق” وهي المنطقة الجغرافية التي تبدأ في بغداد وتنتهي بالساحل الشمالي للخليج العربي.
تمكن جيش الثورة العربية الكبرى بقيادة فيصل بن الحسين، وبالتعاون مع مسلحي القبائل، من تحقيق انتصارات عسكرية، وكسر الجيش العثماني على طول خط القتال الممتد من المدينة المنورة وحتى دمشق؛ وتمكن بعد تجاوزه العقبة من تسريع تقدمه مع دخول الجيش البريطاني بقيادة الجنرال إدموند ألنبي من سيناء إلى فلسطين ومنها على طول الخط الساحلي حتى لواء إسكندرون؛ وفي آخر سبتمبر 1918 انسحب الأتراك من دمشق، وقبلوا بهدنة مودروس، ثم نهائيًا في معاهدة سيفر التنازل عن أملاكهم في نجد، والحجاز، وبلاد الشام، والعراق، وقيليقية، ومصر.
في مرحلة ما بعد الانتصار العسكري للثورة، اتجه الرأي لإقامة اتحاد أو تحالف دول عربية بدلاً من دولة عربية واحدة، على أن يرأسها الهاشميون، فيكون الشريف الحسين بن علي ملكًا لشبه جزيرة العرب، والأمير فيصل ملكًا لسوريا، والأمير عبد الله ملكًا للعراق؛ إلا أنّ عداء الفرنسيين للأمير فيصل، واحتلالهم سوريا، منعه من تحقيق غايته، فتوّج ملكًا على العراق، وتمكّن الأمير عبد الله من انتزاع تاج الأردن بوصفه “سوريا الجنوبية” وما فتِئ يطالب بمشروع سوريا الكبرى حتى وفاته، وأما الشريف الحسين بن علي، فقد زالت مملكته في الحجاز عام 1926 على يد السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. اعتُبرت الثورة العربية الكبرى، أحد أبرز تجليات القومية العربية بشكلها المعاصر، وختام مرحلة النهضة العربية في القرن التاسع عشر، وشكّلت محطة مفصلية في تاريخ المنطقة، ووعيها، ولا تزال ألوان علم الثورة العربية الكبرى، أساس أعلام عدد كبير من الدول العربية، والحركات السياسية فيها. على الصعيد الفني، أنتجت عدد من الأعمال الدرامية التي تؤرخ لمرحلة الثورة العربية الكبرى وما تلاها، ومنها حمام القيشاني، وإخوة التراب.
الأسباب:
كان لسياسة التتريك الدور الأساسي في اشتعال الثورة. حيث استطاع القوميون الأتراك الوصول إلى السلطة بقيادة الباشاوات الثلاثة وقاموا باضطهاد القوميات غير التركية لاسيما العرب، ويذكر الضابط العثماني تحسين علي أوجه هذا الاضطهاد:
من أمثلة احتقار حكومة الاتحاديين للعرب والنيل من كرامتهم أنه كان في جملة ما يدرس في منهج المدرسة الحربية درس تشكيلات الجيش العثماني والذي من ضمن مباحث الكتاب العناصر والشعوب التي تتألف منها الدولة العثمانية وفيه أن أول هذه العناصر التركي ويشيد المؤلف بشجاعته وبسالته، ثم العنصر الألباني والشركسي والكردي وغيرها، ويطري الكتاب كلاً من هذه العناصر، ثم يقول “ما عدا هذه العناصر توجد أيضاً عناصر الغجر والعرب واليهود”، مما كان يوغر صدور أبناء العرب ولا سيما أن الكتاب يدرس في أكبر مدرسة في تركيا وصادقت على مادته وزارة المعارف العثمانية. الثورة العربية الكبرى
من جهة أخرى ساهم تردي الوضع الاقتصادي، والنهضة العربية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر في بروز حركة عربية للاستقلال عن الأتراك، وكانت مبادئ الثورة العربية قد وضعت بالاتفاق ما بين الحسين بن علي وقادة الجمعيات العربية في سوريا والعراق في اتفاق شفهي غايته استقلال العرب وإنشاء دولة عربية واحدة، وقد وعدت الحكومة البريطانية العرب من خلال مراسلات الحسين – مكماهون (1915) بالاعتراف باستقلال العرب مقابل اشتراكهم في الحرب إلى جانب الحلفاء ضد الأتراك.
كان العثمانيون الأتراك حلفاء للألمان في الحرب العالمية الأولى ؛ لذلك كان القضاء عليهم من مصلحة بريطانيا، وعليه قامت الحكومة البريطانية بتسليح العرب ودعمهم لخوض الحرب ضد العثمانيين، إذ أن استمرار الأتراك في التوسع في شبه الجزيرة العربية كان يهدد دول الحلفاء.
تكمن بذور هذه الحركة في التطلعات القومية العربية والرغبة في بناء دولة عربية ناهضة، تنقل العرب من عصر الانحطاط والتخلف إلى الارتقاء الحضاري. من جهة أخرى لدى العرب موقف معادٍ لسياسة قادة الأتراك، خصوصاً بعد انقلاب جمعيات عربية على الدولة العثمانية.
وجدت هذه الجمعيات في الشريف الحسين بن علي وأولاده حليفا لها في أهدافها. وكانت اتصالات الشريف الحسين بن علي بالإنجليز قد بدأت قبل قيام الثورة، عندما اجتمع الأمير عبد الله بن الحسين باللورد كتشنر، المفوض السامي في القاهرة، خلال شهر شباط 1914، حيث اتفق على استمرار الاتصالات بين الطرفين. تتابعت المفاوضات لاحقاً على شكل مراسلات بين الشريف الحسين بن علي وبين المعتمد البريطاني في القاهرة السير هنري مكماهون. تضمنت الرسالة الأولى التي بعثها الشريف الحسين بن علي نصوص بروتوكول دمشق، كأساس للتحالف بين بريطانيا والعرب ضد الأتراك، بالإضافة إلى مطالبة بريطانيا بالاعتراف بخليفة عربي للمسلمين. ومن خلال المراسلات المتبادلة (1916 – 1917) تعهدت بريطانيا بالاعتراف بالاستقلال العربي وتأييده، كما أبدت بعض التحفظات التي تساعدها على التملص والتهرب من التزاماتها مع العرب؛ وذلك بغية تحقيق مصالحها ومطامعها في المنطقة العربية. ففي الحقيقة كل هذه التعهدات كانت تغطية للخداع البريطاني على العرب، فقد كانت لبريطانيا مخططات مع حليفتها فرنسا لاقتسام الأراضي العربية لضمها إلى الممتلكات الاستعمارية عن طريق اتفاقية سايكس بيكو وأيضًا إقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين تحت الحماية البريطانية، وذلك في الوقت نفسه الذي التزمت فيه بالاعتراف بدولة الاستقلال العربي التي تضم فلسطين. ومعروف أن الأتراك حاولوا جذب الشريف حسين بعد فضح الاتفاقيات السرية بين بريطانيا وفرنسا، واستمر في التعاون مع بريطانيا والحلفاء الذين كانوا يمولون جيشه من الخزينة المصرية، ويزودونه بالسلاح والخبراء مثل لورانس العرب.
وفي الوقت الذي كانت فيه المراسلات تبلور أسس التحالف بين بريطانيا والعرب كان الوضع صعباً ومتدهوراً في سوريا، حيث صب جمال باشا (ضابط في الجيش العثماني) جام غضبه على الضباط العرب، وأعدم كثيراً منهم بعد فشل حملته على قناة السويس، مما دفع قادة الحركة العربية إلى الضغط على الشريف للتعجيل بإعلان الثورة وتم ذلك في العاشر من حزيران/يونيو 1916.
بدأت المعارك الحربية في جدة 13 حزيران، وانهزمت الحامية التركية وتمت السيطرة على مكة في 9 تموز في عام 1916، وبعد شهرين تقريباً حرر العرب ثغري “الليث” و”المويلح” على البحر الأحمر، وفي 23 أيلول 1916 استسلم الأتراك في الطائف، وفي تموز 1917 تمت السيطرة ميناء العقبة وقلعتها وقلعة المدوَّرة إلى الشرق. وعندما احتل البريطانيون بغداد احتج الحسين، ولكن بريطانيا علقت أنه تدبير عسكري مؤقت وغير مهم سياسياً. وبين عامي 1916 و 1917 انضم للجيش العربي عدد من الضباط الوطنيين من سوريا وفلسطين ممن كانوا في الجيش العثماني، وتطوع كثير من العرب؛ فوصل الجيش العربي إلى 70,000 مقاتل، وبعد ذلك حُررت بيروت وحلب وحماة وطلس وصيدا وصور وحمص. وفي تشرين الأول تم تأليف الحكومة العربية الأولى في بيروت، ورفع العلم العربي على سرايا بيروت.
تمكنت الثورة من طرد القوات التركية من الحجاز، ومن مناطق في شرق الأردن، وساعدت المجهود الحربي البريطاني عسكرياً وسياسياً في المناطق العربية. اقترب العرب من إقامة الدولة العربية الموحدة، إلا أن بريطانيا بدأت تنفذ مخططاتها في التجزئة والاحتلال والإلحاق، فقسمت البلاد إلى 3 مناطق عسكرية: جنوبية وتشمل فلسطين تحت الإدارة البريطانية، وشرقية تمتد من العقبة جنوباً حتى حلب شمالاً تحت إدارة فيصل، وغربية تضم المنطقة الساحلية من سوريا ولبنان؛ من صور جنوباً إلى قيليقية شمالاً تحت الإدارة الفرنسية. وأتبع ذلك بالغزو العسكري الفرنسي وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين (وشرق الأردن) والعراق، كما فرض الاحتلال الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.!!
Discussion about this post