هل السعادة خلقت للذكور ؟
إذاً لمَ لم أخلق ذكراً؟
قراءة لنص ( حكايات خزانة مغبرّة )
للكاتبة إيمان السيد
——————————————–
أسئلة مشروعة بلسان فتيات عانين أحكاماً جندرية قاسية من مجتمعات لم تنصف الأنثى واعتبرتها عيباً يتم إخفاءه عن العيون، لاحاجة لتعليمهن، ينظرن بعين الحسد والغبطة والحزن للذكور الذين يمارسون ألعاب الطفولة صغاراً ( كرة قدم/ لبس ملابس رياضية ) وكباراً دور السيد الذي يحق له الأمر والنهي والتسكع في الحانات ومع الغانيات …
هذه الطفلة / تصبح زوجة وأم تنتظر كالعادة عودة الرجل ليلا / كما كانت تنتظر ابتسامة أو ضحكة عند طفولتها وهي داخل معتقلها (خلف النافذة) تشاهد ولاتستطيع المشاركة ….
الطفل الذكر / الرجل المتفوق/ الزوج السيد الذي يحق له كل شيء/
ينصفه المجتمع حتى وإن كان ماجناً لاهياً فاسداً ، ستنتظره زوجته باكية ليعود منتصراً فقط لانه خلق ذكراً متفوقاً …
ما الفرق بين الأنثى وأي من أثاث المنزل ( خزانة مغبرة مثلاً )
عبر الأزمان لم يوجد اي فرق
نعم مازالت تعتبر كالمتاع / جماد / أثاث/ خزانة …
تراقب ولادور لها
ثنائيات المقارنة في النص :
———————————
طفلة بضفيرتين تلهو / طفل يلهو
هي تعاقب / هو يستمتع
هي تراقب / هو يفوز
هي تحرم من التعليم الثانوي / هو يصبح مستشاراً
هي تتزوج وتنتظر زوجاً خائنا حراً / هو يسهر ويعربد دون قيود
هي مقيدة / هو حر
هي تتخيل / هو ينفذ
هي مسلوبة الإرادة كخزانة / هو متفوق حر
هي بيلسان ( زهرة بريئة ناعمة / هو قيصر متحكم متفوق)…
في الماضي كان يتم وأد البنت حية ، لم يختلف ذلك كثيراً باتت ميتة وهي حيّة ( لاحول لها ولاقوة)
*متى يلجأ الانسان للخيال؟
عندما لايستطيع تغيير الواقع ، يستسلم لتحقيق أحلامه ولو عن طريق خيال مجنح …
تفوق الأسلوبية في النص :
———————————
اعتمدت القاصة أسلوباً مميزاً في السرد اعتمد على ( التخييل ) لعرض فكرتها ، و نجحت في إمتاعنا بأسلوب مميز يجعل المتلقي مشدوداً حتى النهاية ، ثم بعد أن ينتهي يعيد القراءة بتأن واضعاً خطوطاً عريضة تحت ما جعل هذا النص مدهشاً في إيصال الفكرة .
ترى ماهو الذي ميز الطّرح هنا ؟
إلباس السارد شخصيتين ( صبي / بنت)
( رجل / امرأة)
الروح هنا خيالاً تجولت بين الشخصيات وكأن المكان مسرح فيه المؤلف يوزع الأدوار البطولية على الممثلين كل بحسب فاعليته والاهم هنا الرجل باختلاف أعماره منذ الطفولة وحتى المراحل المتقدمة …
التقنية :
———————
استعملت القاصة الأسلوب القريب من المجتمع لتصل الفكرة مباشرة لأكبر شريحة ( اسم مسرحيات مشهورة / المطرب الأصيل صباح فخري وأغنيته الذائعة الصيت)
أما بالنسبة للأسلوب الأدبي المليء بالمحسنات البديعية والتشابيه الموظفة بطريقة رائعة في المتن ..
“يخبئها في جلباب المساء ”
“صارت الشوارع تمد ألسنتها”
أسلوب الأنسنة ( خزانة )
استخدمت اربع نسخ ومازالت تحتفظ في الخزانة بالمزيد…
نص مميز مضفور بتقنية سردية مميزة جداُ
دام الإبداع أستاذة إيمان السيد
النص:
——-
حكايات خزانة مُغبَرَّة
أريد مواجهة العالم بنُسَخِه المختلفة، علَّني أعرفُه على حقيقته دون رتوشٍ، أو عمليات تجميلٍ، كأن أصبح الطفلة ذات الضفيرتَين، تلك التي تتسلَّق أعمدة النور في وَضَح النَّهار متسابقةً مع أخيها، الذي يكبرها سنًا، فيعنِّفُها أبوها لقِصَر تنورتِها، وينهاها عن ممارسة اللَّعب البريء، ويخبِّئها في جلباب المساء خوفًا من الشاب الذي قد أكونه بعد عقدٍ ونصفٍ من الزمن، وقد صرتُه في نسخته الأخرى، فتاةً بهية الطَّلعة فحرمه/ حرمها أبي من الذهاب إلى المدرسة الثانوية، رغم تفوِّقها على أترابها، فصارت الشوارع تمدُّ لها ألسنَتها وهي تقول لها:
لقد فاتك الكثير!
كلما مدَّ/ مدَّت أختي رأسَها من نافذة غرفتها، لتراني، وأنا أمارس لعبة كرة القدم مع فتية الحيِّ، فيُغريني لباس أخي الرِّياضي الذي سرقتُه من خزانته قبل بدأ المباراة بين الفريقَين، صِبيةُ حيِّنا مقابل صبي الحيِّ المجاور، وقد غيَّرتُ اسمي من بيلسانَ إلى قيصرَ، كي لا يكلِّفني الاسم الأول ثمنًا باهظًا سأعجز عن تسديده لا محالة، ورغبةً مني في أن يدفعَ الآخرون تكلفة اسميَ الآخر.. سيَّما بعد أن صار بإمكاني تبادل السِّباب والشَّتائم مع أقراني لدى أول “فاول” أقترفه، أو في حال كَسِبَ الفريقُ الخصمُ “جول” بضربةٍ مباشرةٍ هزَّتْ شباك مرمانا بسبب ضعف تقدير قدمي في التشويط، فيضعوني في منتصف خط الدفاع كي يأتي الهدف مسدَّدًا إلى رأسي السفلي بدل من رأسي العلوي، وبذا أكون قد أدَّيتُ ثمن طيشي كاملاً، فأقرر- بعد توقيع الجزاء القاسي عليَّ- العودة إلى نسختي الجميلة إلى “بيلسان”، التي بقيت محبوسةً وراء النافذة “تفصفص” بزر عباد الشمس بين أسنانها الناصعة، وتقلِبُ رأسها إلى الوراء ضاحكةً بجنون، وهي تشاهد مسرحية (سُكّ على بناتك) وفوزية “سناء يونس” البنت البكر، تصرخ في وجه أبيها فؤاد المهندس:
” بابا يا باابااا احذر هذه المنطقة”
مشيرةً إلى مؤخِّرتها العريضة، بملامح متوجِّعةٍ بسبب قسوة الضربة المباشرة التي تلقتها توًا منه لعصيانها أوامره، فأخرج من النافذة لأجدَني مساءً في نسختي الثالثة، أبًا يستعدُّ للخروج مع أصدقائه للسهر والعربدة في أحد الملاهي الليلية، البعيدة عن منزلنا مسافة البعد عن نسختي الصباحية في عمله كمستشار، وأغتنم فرصة اقتراب الراقصة من أبي، بنهدَيها شبه العاريَيْن، لأقفز في جسدها وأعيش فيه نسخةً بشريةً غريبةً قد لا تهيُّؤها لي الظروف مرةً أخرى، وأبدأ بالتمايل والغنج على أغنية “قدُّك الميَّاس يا عمري” بصوت صباح فخري، وقد شَخُصتْ لقديَ المياس العيون، وشهقتِ الأنفاس مع التواءاته الأفعوانية، وامتلأتْ النفوس بالسُّكر ونشوة الاشتهاء، وبعد أن ينهيَ أبي نخب كأسه السابعة معي كراقصةٍ ماجنةٍ، أخرجُ من جسدها بسرعةٍ، وأستبقه إلى بيتنا؛ لأستقرَّ في جسد أمي التي كانت نائمةً على حافة السرير، وما إن استقرّتْ روحي في جسدها حتى وجدتني أبكي.. أبكي بحرقةٍ بسبب المنام الذي كنت أراه عن زوجي، وهو يداعب الراقصة التي كنتُها منذ قليلٍ، وما يلبثُ أن يلفظَني جسدُ أمي خارجه، وقبل أن أُكمل عيشَ نُسخٍ أخرى مازلتُ أتمنى أن أعيشَها، وجدتُني خزانةً مغطَّاةً بالأتربة، فيها كلَّ ألبسةِ النُّسَخِ التي أودُّ أن أرتديَها.
إيمان السيد
Discussion about this post