في مثل هذا اليوم13 يونيو2014م..
علي السيستاني يفتي بالجهاد الكفائي ضد تنظيم داعش بعد أن سيطر على معظم مساحات شمال وغربي العراق لتندلع بعدها حرب الأهلية العراقية.
“من هنا، فإن المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح، ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم، عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية”.
جُملٌ صغيرة، في خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها يوم 13 يونيو 2014، في مدينة كربلاء العراقية، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل المرجع الديني السيد علي السيستاني.. هذه الجُمل كانت كافية بدفع عشرات آلاف الشباب العراقي للتطوع وحمل السلاح دفاعاً عن وطنهم في وجه قوات تنظيم “داعش” التي اجتاحت عدداً من المحافظات والمدن، كون “العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً”، بحسب بيانِ المرجعية، التي أوضحت أن “الإرهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط، بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم”، معتبرةً أن “مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم، هي مسؤولية الجميع، ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر”.
الخطبة التي تناقلت تفاصيلها – حينها – وكالات الأنباء الدولية، وشكلت منعطفاً مهماً في تاريخ العراق السياسي، عرفت تالياً بـ”فتوى الجهاد الكفائي”، وهي التي كانت مدخلاً استغلتهُ بعض القوى السياسية لتشكيل مجاميع مسلحة خارج إطار “الدولة”، رغم أن المرجع آية الله السيستاني أكد على أن “التطوع” يجب أن يكون تحت سقف الدولة العراقية، وليس خارج أُطرها القانونية.
-لم تستخدم المرجعية مسمى “الحشد الشعبي”.
-لم تدعُ المرجعية إلى تكوين تشكيلات مسلحة خارج إطار الدولة العراقية.
-الدعوة كانت صريحة بأن يكون التطوع للانضواء في أجهزة الأمن الحكومية الرسمية.
-الخطاب لم يكن موجها لطائفة أو مذهب محدد، بل لجميع العراقيين بمختلف مكوناتهم الدينية والعرقية.
-حثُ المرجعية الشباب للانخراط في الدفاع، لم يكن ذا صبغة مذهبية، للدفاع عن “العتبات المقدسة” أو “الأماكن الدينية”، بل للدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته، أي جميع مقدرات الوطن”.
النقاط الخمس التي أشار لها المصدر العراقي العارف بطرائق تفكير “المرجعية” في مدينة النجف، يضيف إليها في حديثه لـ”العربية.نت”، موضحاً أسباب وحيثيات صدور “فتوى الجهاد الكفائي”، قائلاً “الدفاع عن النفس طبيعة بشرية، وقبل الفتوى كان هنالك انهيار معنوي واضح في صفوف القوات العراقية، وتقدمُ سريع لعناصر داعش، إضافة لحدوث عدد من حالات الخيانة والرشاوى في صفوف بعض القيادات العسكرية والأمنية العُليا.. بمعنى آخر كانت الدولة عاجزة”، من هنا يعتقد مُحدثنا أن “ضعف الدولة العراقية أدى لأن يتدخل المرجع الديني السيد علي السيستاني كي يحفظ كيان الدولة، ويحقن الدماء، ويحفظ أعراض وأموال العراقيين، خصوصاً أنه لولا الفتوى لوصلت داعش إلى بغداد”.
هل الفتوى محددة بزمن معين؟ يجيبُ المصدر “الحكم تابعٌ للموضوع، وكل حكمٍ ينتفي بانتفاء موضوعه؛ ولذا، إذا زالت داعش وخطرها، تنتفي مسببات الفتوى، وهذا أمرٌ تقرره الدولة العراقية وأجهزتها الأمنية”.
من جهته، رئيس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي، وفي مقال سابق نشره في موقع “المنتور” في مارس 2015، رأى أن “مفهوم الجهاد الكفائيّ الذي أطلقه السيستاني ليس مفتوحاً، بل إنّ جوهر الفتوى وتصنيفها، يضعان سقفاً طبيعيّاً لنهايتها، فالفتوى مرتبطة بدفع خطر داعش، وإنّ انتهاء هذا الخطر يعني انقضاء الفتوى أيضاً”.
من هنا، وفي ذات المقال، طالب الكاظمي الدولة العراقية بـ”معالجة مرحلة ما بعد نهاية صلاحيّة فتوى السيستاني، وهي بالفعل تتّجه إلى ذلك عبر قانون الحرس الوطنيّ، الذي يفترض أن يستوعب المقاتلين المتطوّعين ضمن آليّات واضحة للمراحل المقبلة”.
المفارقة أن مصطفى الكاظمي الذي لم يكن رئيساً للوزراء حين نشره للمقال، أُعطيت له المهمة التي نادى بها، حيث يتولى الآن مسؤولية رئاسة الوزراء في العراق، ويعمل بحذر شديد على الحد من تغول قوات “الحشد الشعبي”، والسعي لدمجهم في القوات الرسمية القانونية، وإن كانت هي في ظاهرها “تحت نظام الدولة”، إلا أنها عملياً خارج سيطرتها!
سنوات حاسمة مرت على فتوى المرجع السيد علي السيستاني، تحررت فيها معظم أراضي العراق من “داعش”، إلا أن المرجع الذي “دافع عن جميع العراقيين” يودُ أن يكون السلاح بيد “الدولة” وحدها، إلا أن ضعف الأجهزة الحكومية من جهة، وتوغل الفصائل المسلحة من جهة ثانية، والفساد الإداري والسياسي من جهة ثالثة، تجعل تطلعات المرجع السيستاني بعيدة المنالُ، وهي المهمة التي ينوء بحملها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي دخل معركة “كرٍ وفرٍ” مع الفصائل المسلحة، ومن يقف وراءها من قوى سياسية وأمنية، وهي المعركة طويلة الأمد، والتي سيكون المنتصر فيها محدداً لمستقبل العراق للسنوات القادمة.!!
Discussion about this post