قراءة تحليلية حداثية .
بقلم :حبيبة المحرزي
للقصة القصيرة جدا “عري”
لمحمد البنا
ق ق ج “عُرْيُ
ذاع صيته في أنحاء المعمورة كفنانٍ ضرير، وجد فيه ضالته المنشودة، فأتى إليه بزوجته كي يرسمها.. لمّا تسلّمَ اللوحة، دُهِشَ لبراعته في إبراز أدق تفاصيل جسدها
!محمد البنا…القاهرة في ٢٠١٦
المعقول والممكن في “عري”
اذا كانت القصًة القصيرة جدًا حمًالة لما يبطّن من الصًور والمعاني في ضبابيًة متعمًدة من كاتب يزرع الشًكً والرًيبة في ذهن القارئ ليغوص حينا في الكلمات ودلالاتها بحثا عن مدلول احكم اخفاءه بين طيًات حرف أو كلمة أو تعبير ملغًم يفتح باب التأويل على مصراعيه دون أن يقرً قرار لقارئ وقع في المصيدة بقراءة القصة القصيرة جدا الكثيفة المتشعبة الدلالات .
والأديب محمد البنا أحد من ينصب الشرك للمتلقي منذ العنوان .
“عري “.عتبة مرعبة بكل تصنيفاتها ودلالاتها ووفق كلً المذاهب والملل والنحل خاصة وأنه ومتذ الصدمة الأولى سيلتصق بالانثى دون غيرها .
مصدر دالّ على مطلق الحدث وزاده اطلاقا وشيوعا وتجبّرا على المتلقي التنكير. “فعري ” عرت الحدث من كل إمكانية لنسبيّة تنزل به إلى درجة الممكن المعدًل الظًرفيً.
و”عري” وان تنوًعت شروحها وتفسيراتها في المنجد والمعجم تعريفا واشتقاقا فإن ذهن القارئ ،ذكرا أو أنثى، سيتملًص من المعاني الفلسفية السيملوجية ليقبع في بوتقة ,عري المرأة , لا غير .والكاتب تبرئة للذمًة ترك الكلمة مفردة نكرة لا هي موصوفة ولا مضافة ولا منعوتة .ليتكفًل ذهن القارئ بترميم ما لا يرمًم الا بالغوص في النصً
المتن مختصر مختزل مرعب .
قام على الاخبار بأحداث تتالت وتسارعت بفعل فاعل.
البداية بداية اصطلح على المنحى الخيريّ الايجابيً “ذاع ” وتناولته الاخبار إيجابا “صيته” : الذكر الحسن المنتشر بين الناس ، ويطلق اليوم على ما اشتهر عن الإنسان من خير أو شر. والتعميم سيؤكًده المكان”في أنحاء المعمورة” الذي ينبئ القارئ أنه إزاء حدث غير عاديً بل هو استثنائي متفرًد .
الكاتب همه الأوحد إرباك المتلقي إذ لا يجزم في نقل الخاصية بل يجعلها محل ريبة “كفنان ضرير” الكاف حرف جر تحيل على وضعية تحتمل التأويل والتكذيب والتصديق .إذ أرجحت دلالة الصفة”ضرير” بين الإمكان والامتناع.
بيد أن دخول شخصية ثانية على الخط “هو” ما كشف عنه السارد أنه مذكر عاقل حضر من خلال فعل اليقين “وجد”الذي يتعدى إلى مفعولين بحكم المنطق والعقل والذي تعمد الكاتب أن يجعل من فنان بنقيصة لا تتلاءم مع “الضالة المنشودة “الا بقصدية تاويلية مارقة عن المألوف “فالضالة ” تحيل على ماسبق من بحث مضن طويل.
الجملة الثالثة اقترنت بقاء النتيجة الترتيبية والتي حددت سبب التكليف بالمهمة استباقا “الضرير” يصبح ضالة زوج غيور يبحث عن رسام لا يرى .مفارقة فيها من الغرابة ما يربك المتلقي وان خزًن بعض الدلالة منذ البداية .فالرسام ضرير .اي قد يكون النقص حدث مؤخرا والذاكرة عند الإنسان أمًارة بالتخزين لمستقبل قد قد تجري رياحه بما لا يشتهي المبدع.
وفعل” أتى إليه بزوجته” شيّأ المرأة وسلبها الفعل وجعلها مفعولا لفاعل اكتسب الفاعلية من العلاقة الشرعية الاجتماعية “زوجته” ليكون التعليل وبيان الغرض مربكا للمتلقي .
إن انتقال الكاتب من المفعول لأجله الدال على الغرض إلى المفعول فيه المحدًد للتًزامن بين الحدث الرئيسي والحدث الفرعي يقفز بالمتلقًي إلى ما لحق بالغرض وما وقع قبل “لمّا”
لتغيب “الزوجة الشيء “ظاهريا وتحضر في ذهن المتلقي بتدبير من الباثّ .وتتقافز الاسئلة حول ما غلًفه الكاتب بمصطلحات لا تتلاءم مع الوضعية الممهًدة للحدث الرئيس “براعة في أبراز أدقً تفاصيل جسدها ” والدهشة لم تصب الزًوج المغدور في كلً الحالات الممكنة والتي سيلوب ذهن القارئ لتحديد الوضعيًة المهدية ب”رسام ضرير يرسم زوجة عارية” مفارقة خطيرة لبعدها عن المعقول والممكن” أدق تفاصيل الجسم” لتتراصً الاحتمالات والوضعيات بشيء من الاباحية “بالاسود والابيض” سيتورًط القارئ في تشييد حيثياتها .
الاحتمال الاول قد يكون لعلاقة سابقة انطلت على الزوج وقد يكون للزوجة يد خفية في اختيار الرسام .
احتمال ثان أن الرسام اعتمد اللمس كطريق لتنفيذ المطلوب .
الثالثة وهي التي يرجًحها القارئ والمتمثلة في الادًعاء .وان الرسام لم يفقد بصره وهذا ما يتلاءم مع تعريفه من خلال العاهة”كفنان ضرير” والتي ترجح الادعاء بالباطل
ومهما كان الأمر فإن الكاتب وبحنكة تدبيرية ترتيبية اوصل القارئ إلى التوقف عند كل كلمة وكل حرف عله يهتدي إلى أكثر السبل إقناعا وفق منطق المألوف والمعروف والمعقول
في الختام نجد انً “عري” ازدادت غموضا من حيث الزمكان .فأين كان العري الاول ؟ اهو في المرسم أو في بيت الزوج الغيور ام …؟ اهو وليد اللحظة الحاضرة أم أنه تم وانتهى منذ زمن وعري اليوم ليس إلا حلقة جديدة من سلسلة “تعرً” بدأت تصدأ.
قصة قصيرة جدا تصلح مشروع رواية تيمتها الخيانة والعري .
حبيبة المحرزي
تونس
Discussion about this post