آخر الخطوط الحمر بقلم د علي جديد سورية

آخر الخطوط الحمر ..

لم ينجح أي وزير للتجارة الداخلية خلال الاثنتي عشر عاماً الماضية باجتثاث الطوابير من أمام الأفران ، وهذا بالطبع إخفاق غريب .. ومريب أكثر !!.. لأن كل وزير على كرسي التجارة الداخلية يجعل من حل أزمة وصول الرغيف المدعوم إلى المدعومين بطريقة سلسة وآمنة خلال بضع دقائق مهمة مستحيلة!.
والسؤال هنا :
لماذا يبقى الحصول على الرغيف المدعوم صعباً ومنهكاً مثل الحصول على الرغيف السياحي ، أو الربطة المدعومة نفسها حين تكون معروضة بعشرة أمثال سعرها الرسمي من قبل النسوة والأطفال على الأرصفة القريبة من الأفران؟.

لقد بات حل أزمة الرغيف من أشد المعضلات المعقدة ، أو من المهام المستحيلة ، والمشكلة أنه مامن جهة حكومية خلال العقد الماضي امتلكت الحد الأدنى من الجرأة على التصريح بحقيقة تجاهل المشكلة ، غير أن مدير عام المؤسسة السورية للمخابز (مؤيد الرفاعي) قال صراحة :
” إن عدد المخابز العاملة خلال النصف الاول من العام الحالي بلغ 209 مخبزاً ، و271 خط إنتاج تنتج يومياً حوالي 2634 طناً أي مايعادل مليونين وثمانمائة ربطة من الخبز المدعوم وهو متوفره المخابز الحكومية وبنسبة 51% من حاجة المواطنين اليومية إضافة إلى 49% من الانتاج الذي توفره مخابز القطاع الخاص التموينية ” !!!.
وهذا مايدعو إلى وجود
فرضيتين لاثالث لهما :
الأولى :
أن ماتنتجه الأفران أقل مما تحتاجه الأسر السورية وعن سابق إصرار و تخطيط .
والثانية :
أن الخبز المنتج يساوي أو يزيد قليلاً عن الطلب ، لأن جميع المسؤولين في وزارة التجارة يؤكدون في إطلالاتهم الإعلامية والإعلانية أن الأفران تحصل على حاجتها من الدقيق بما يكفي حاجة الأسر السورية، وتنفي بشدة وجود أي نقص في المادة !!.
فلماذا إذن لاتزال الطوابير تتكدس أمام الأفران والمعتمدين و تُدرج في قائمة المهام المستحيلة بالنسبة لجميع الوزراء المتعاقبين على احتلال كرسي وزارة التجارة الداخلية ؟!.
خاصة وأن المسألة باتت في غاية الوضوح إذ أن أفران ”السورية للمخابز“ والأفران التموينية الخاصة تنتج يومياً بحدود 5.5 ملايين ربطة من الخبز المدعوم ، وبالمقابل توجد 4 ملايين بطاقة ذكية يستفيد منها 14 مليون مواطناً ، فإذا كان وسطي حاجة الأسرة الواحدة ثلاث ربطات يومياً ، فهذا يعني بأن كمية الربطات المدعومة بجب ألا تقل عن 12 مليون ربطة ، وفي حال الاحتياج الى ربطتين فقط للأسرة الواحدة يومياً ، فإن الحاجة يجب ألا تقل عن 8 ملايين ربطة أي أقل من الخبز المدعوم المُنتَج بما لايقل عن 2,5 ـ 6.5 ملايين ربطة ، وبالتالي فإن هذا يعني استمرار تكدس الطوابير أمام الأفران والمعتمدين ، وحلها مهمة شبه مستحيلة طالما أن الأربعة ملايين أسرة التي تحمل البطاقة الذكية دخلها أقل من محدود بكثير ولايكفي لشراء الخبز فقط دون أي رفاهية أخرى حتى لو كانت الزيت والزعتر أو العلاج بحبة أسبيرين يومية ، ولا يتيح لها ترف شراء الخبز السياحي أو المدعوم المهرب بألفي ليرة للربطة الواحدة !!.
وكالسؤال: لماذا لاتنتج السورية للمخابز حاجة الـ 4 ملايين بطاقة؟
ومرة أخرى نجد أننا أمام فرضيتين اثنتين :
* – إما أن طاقة الأفران غير قادرة على تأمين احتياجات الأسر من الخبز المدعوم !!..
* – أو أن الحكومة ليست مستعدة لتحمل مبالغ الدعم المطلوبة لتأمين الرغيف المدعوم لمستحقي الدعم الذين حددتهم لجانها المتعددة !!.
وكذلك هو السؤال :
= ماالحل؟..
وهل أزمة الرغيف ستُبقي الطوابير أمام الأفران ومراكز المعتمدين ، وبالتالي ستبقى لجميع وزراء التجارة الداخلية مهمة مستحيلة ؟!.
وإذا كانت المشكلة بارتفاع تكلفة إنتاج الرغيف الذي يكبّد ”السورية للمخابز“ خسائر جسيمة كما يقول المسؤولون في تصريحاتهم ويحمِّلون المواطن (منيّة) دعم الرغيف وكأنهم يطعمونه من جيوبهم الخاصة !!. فلماذا لاتستثمر السورية للمخابز إمكاناتها لتنتقل من الخسارة إلى الربح وتقوى على تقديم الرغيف المدعوم لكل المدعومين دون إرغامهم على الوقوف لساعات بالطوابير ؟!.
وواحد من هذه الحلول يبدأ من أكياس الخبز التي تكلف السورية للمخابز – كما يقولون – المليارات سنوياً رغم أن الأفران والمعتمدين يتقاضون ثمنها وتأمينها المجاني متاح من خلال الدعوة لوضع الإعلانات على أكياس الخبز ، بل إن مديراً سابقاً للمخابز أكد منذ أربعة أعوام بأن أكياس النايلون الإعلانية ، سينقل المؤسسة من الخسارة إلى الربحية !! وكان بإمكان أي وزير تموين سابق خلال العقد الأخير إقناع الحكومة بهذا المشروع الربحي لحل أزمة الرغيف عموماً ، ولكن مامن وزير سبق أن فعلها !!!..
فلماذا ؟!!!.
ولكن من المؤكد أنه سيتم التجاهل قائماً من أجل أن تلوِّح وزارة التجارة الداخلية بين الحين والآخر بخيار رفع سعر ربطة الخبز بذريعة تكلفتها الباهظة !!..
وهكذا سيكون إلغاء آخر الخطوط الحمر التي يمكن أن تحفظ للمواطن شيئاً من كرامته المهدورة بذرائع الحصار والعقوبات والتي لن يكون آخرها الزلزال بالتأكيد !!.