للحس الوجداني حركتان
قراءة تحليلية حداثية
بقلم / الأديبة السورية / ميلو عبيد
لنص / حفاةٌ في ضمير الزيف /
للشاعر مهدي سهم الربيعي
==================================
النص/ قصيدة النثر الحداثية
حفاةٌ في ضمير الزيف
============
خَيالٌ مُجَرَّد..
وَهمٌ مُنْصبٌ في الحقيقةِ
إِذْ أَمُدُ يَدي
لا أَجدُّ غَيرَ زَعيقَ الرّيحِ الباردةِ
يُمرِغُ وجهَ الأرضِ ويُغرِّقُها
حُفَاةٌ ولُدنا وسَنبقى
إيماناً زائِفاً ..
فَقدْتُ السَّبيلَ إِلى نَفسي
فَقدتُ الخَيطَ الأخير
الَّذي يَشدُّني إِلى اللَّه
في روحِ هذا العالمُ المُلتاع
رُبَّما كُنتُ في ضَميرِ الهَلعِ
في مِعْصمِ نَجْمةٍ طافيةٍ
في مَجرَّةٍ تائهةٍ
في كَونٍ .. لا يَعرفُ حُدودَهُ غيرُ خَالِقه
شَظَّنِّي الأمرْ..
أبواقُ مَنائرِهِمْ تَنْمُو
على بَقايا أَطْلالي المُهَلهَلةِ
بَعدَ أَن اُتخِمَّ السَّوطُ
بِحراشفِ الجِلدِ الفاقدِ لِلذَّاكرةِ
رَغمَ نَشيدي للأشْجارِ الخُضرِ
والقِممِ المكسوةِ بِالضَّبابِ
عُقْبانُ النُّجومِ الجارِحةِ تَدنو مني
أُصْفِدَتْ كُلُّ الأيادي
صَيَّروا كُلَّ حَديدِ الدُّنيا قيودا
لَمْ تَعُدْ الرُّموش .. تَلتقِطُ الأحْلامَ اللَّذيذَة
اِنْهَمرَتْ السُّيوفُ ..ألوفٌ منَ البَرْقِ المُكَثَّف
تُقطِعُ الجُدْران .. مثلَ أَوْراقٍ بَالِيَةٍ
كُنَّا غُرباء .. في فَلاةِ المِلحِ القَاحِلَة
حِينَ دَبَّ العَطَش
أَهرَقتُ دِمائي في أفواهِهِمْ
نَزفتُ حتَّى آخِري .. دَمَّ صبَارٍ أبْيَض
وحِينَ أَهْلَكَني الظَّمَأُ
لَمَحْتُ قَطرَةً مُتبَقِّيةً مني هُناك..
على بَوَّابَةِ رِحْلتي الَّتي .. لابدَ مِنها.. !
لِأَرحلَ معَ صوْتي
أَكْتسِحُ ديدانَ الأرضِ والمَواسِم
سَأَرحلُ معَ الرّيحِ
تَرتجِفُ أَجزائيّ يَقينًا
لكن.. ؟
لا يَسْتقِرَّ الفزَعُ في قَلبي
في زَمنٍ..
لَيسَ لي مَكانٌ في دَقَّاتِ سَاعتهِ
……………
مهدي سهم الربيعي
===================
الدراسة :
تقدير الكلام :
حفاة : مفردة دالة للقدمين وكونهما بلا نعل دلالة على أن عائق ما يمنعهما من عبور الطريق( المسيرة ) لكن أقدام من ؟ هي ليست فقط أقدام الكاتب فلقد جاءت جمعا” ثم عاود تأكيد جمعيتها ب /نا / الدالة على الجماعة ( حُفَاةٌ ولُدنا ) والإنتقال من التكلم بضمير المفرد أنا ( إذ أمد يدي ) إلى التكلم بضمير الجمع نحن ( حفاةٌ ولدنا ) إنما هي حركة توسعية /إنتشارية / أراد بها تأكيد الحضور/ فكري أو حتى عددي / القوي لهم فيما بعد .
في : بإعتقاد
ضمير الزيف : الضمير / أساس/ و مرفوع لقوة / أس / تساوي الصفر /مزيفة/ وبالتالي رياضيا الأساس سيكون لا قيمة له هش لا يبنى عليه،قابل للزوال وهي حركة تقزيمية / تلاشية / أراد بها التحجيم /فكري .معنوي /. لهؤلاء
وعليه فإن اعتبار الكاتب / ومن يمثلهم / قد جردوا فتقطعت بهم السبل /الإمكانية / هو ظن عابث هراء لا أساس له من الصحة (خيال مجرد ) وصل حد الوهم والحقيقة الوحيدة في كل هذا زيف هؤلاء وفسادهم (وهم منصب في الحقيقة ) حقيقة فسادهم الملموس( إِذْ أَمُدُ يَدي ) المستشري الذي طال الكل ( لا أَجدُّ غَيرَ زَعيقَ الرّيحِ الباردةِ يُمرِغُ وجهَ الأرضِ ويُغرِّقُها )
– يُمرِغُ فعل مبني لمعلوم /تأكيد إدراك هوية الغير وهنا تجدر بنا الإشارة إلى طواعية اللغة لدى الشاعر
وبالمتابعة لهذا التناوب ما بين ذات الكاتب وجمعيتها/أَمُدُ . أَجدُّ . فَقدْتُ . يَشدُّني . شَظَّنِّي ……ولُدنا وسَنبقى/ من جهة و هؤلاء الغيرييين / مَنائرِهِمْ
صَيَّروا. أفواهِهِمْ / من جهة اخرى ، نجد أن القصيدة عزفت على وترين من المعاني /القصديات/ وكل وتر/جهة / جاءت معزوفته على درج / باتجاه / وكأنه صراع بين قطبي الهوية والغيرية في جدلية الأنا و الأخر .
أن نبقى عراة مجردين مسلوبين ( حفاة ولدنا وسنبقى ) لنكون مؤمنين !! ليس إيمانا بل هو خضوع سلبي للإيمان ( إيماناً زائِفاً ..) لجوء له خوفا” (رُبَّما كُنتُ في ضَميرِ الهَلعِ ) من العقل وقدرته على التغيير واحتماء منه / اعترافا” ضمنيا” بالنقص الفادح للفكر السليم نقص وصل او / كاد / حد ضياع ذات الكاتب وزعزعة مفهومه وادراكه لماهية الإيمان بحقيقة ما يجري له /لوطنه لشعبه /( فَقدْتُ السَّبيلَ إِلى نَفسي ، فَقدتُ الخَيطَ الأخير الَّذي يَشدُّني إِلى اللَّه ) بواقع مرير ملتاع ( في روحِ هذا العالمُ المُلتاع )
– ما يلفت الانتباه الحس الوجداني الخطابي لذات الكاتب / القصيدة / والذي تمثل بحركتين :
1 – ارتقائية : حياة صاعدة ،إيمانية ( يَشدُّني إِلى اللَّه . إيمان. روح ) فكرية ( فَقدْتُ السَّبيلَ إِلى نَفسي )
مترفعة حوارية ( رَغمَ نَشيدي للأشْجارِ الخُضرِ والقِممِ المكسوةِ بِالضَّبابِ ) معطاءة ( أَهرَقتُ دِمائي ) ، شكلت بمجملها الروح العامة للقصيدة .
2 – إنحدارية : تجسيد الحياة بأرض الواقع المرير
وما آل إليه ، راعه الأمر وكأنه كان يتأملُ حالا / النهوض / و عودة الحياة ،البناء ( نَشيدي، أشْجارخُضر ،
قِمم مكسوةِ بِالضَّباب ) و وجد أخرى (شَظَّنِّي الأمرْ )
– السَّوطُ يعني الجلد والضرب / الإستعمار/ = إماتة الحواس / مواطن لا يرى لا يتكلم لا يسمع لا يفقه نتيجة الطغيان لمدة طويلة ( بَعدَ أَن اُتخِمَّ السَّوطُ
بِحراشفِ الجِلدِ الفاقدِ لِلذَّاكرةِ ) وبالتالي بقايا وطن راحت تعتاش عليه الطحالب/ الإرهاب / الإستعمار بشكله الجديد ( أبواقُ مَنائرِهِمْ تَنْمُو على بَقايا أَطْلالي المُهَلهَلةِ ) بأساليب أشد سمية و وحشنة قمعوا حريات ،سلاسل إستغلال وعبوديات قهر /سياسي .اجتماعي .فكري .ووو /( أُصْفِدَتْ كُلُّ الأيادي ) ، حتى الأماني / تدمير أيديولوجي ممنهج / ( لَمْ تَعُدْ الرُّموش ..تَلتقِطُ الأحْلامَ اللَّذيذَة ) ، العقل الجاهلي ( السُّيوفُ ) ما زال حاضرا بقوة يبيد حتى الحجر/ بنى تحتية /( تُقطِعُ الجُدْران .. مثلَ أَوْراقٍ بَالِيَةٍ ) .
من الملاحظ ان الكاتب بحسه الوجداني تألم بالحركتين / واقعيا” و سايكولوجيا” / على حد سواء وغلب على فكره التروي المفرط والتحمل بصبر والمعانات الصامتة
وهنا إنما إبراز واضح للذات العاقلة ، الفساد لا يجابه بفساد بل بتضحية ( حِينَ دَبَّ العَطَش أَهرَقتُ دِمائي في أفواهِهِمْ نَزفتُ حتَّى آخِري .. دَمَّ صبَارٍ أبْيَض ) لكن هذا النوع من المواقف ربما يقضي إلى التعزي ثم العزوف والتراخي والإنسحاب ؟!!!!!! خاصة في مجتمع لا شراكة فيه لجميع حقول الحياة ( في زَمنٍ..لَيسَ لي مَكانٌ في دَقَّاتِ سَاعتهِ ) لكن رغمَ / الظَّمَأُ / لن يتوقف وسيبقى صوته صداحا . والإنسحاب هنا هو شوق إلى الصعود و الإرتقاء / النهوض / من العبثية في المدينة الأرضية .
خلاصة الكلام :سعي فكري ومحاولة رائعة لربط الوجدانيات /مضامين وقصديات / مع اللغويات أو اللسانيات / بنى / وعقد قرانهما لنحصل على بناية حديثة / قصيدة / تقليدية بغير تزمت ومنفتحة متجددة بغير إنفلات ، براهينها بحجج مزدوجة / عقلية وجدانية ، واقعية مرئية / .
تقديري واعتزازي.
ميلو عبيد….سورية في ٢٨ حزيران ٢٠٢٣
Discussion about this post