مغترب …
في طيف الذكريات , للتفاصيل الصغيرة التي لا نلقي لها بالا وهي تغمرنا , النبع والأزقة والدرج ورائحة الياسمين , والخبز والهيل وقهوة الصباح , واللعب والحلوى الجميلة التي تزين العيد , وجارتنا التي تشارك الحي من فيض مائدتها , والعم أحمد على كرسيه يتعكز بين المسجد والباحة , لم نكن نهتم إلا بقضاء وقت ممتع , كل الأبواب كانت مفتوحة , والشبابيك تزينها الورود , وتحايا الصباح وتنوع الاحتياجات , وطلب الحكايا بالسؤال عن الغائب الذي تنتظر حلقة الباب أن يطرقها , وأم أو أب أو زوجة أو خطيبة , تتحسس القادم الذي ما انفك حلما يعطر بالشوق الليالي , جميلة هي الحياة بتنوع ما فيها , فقطة الحي تسعى بين البيوت تطوف تؤنس وتسلي وتنعم بما تمنح , قانعة تلك الدار حتى عندما فقدت موسم من الفرح ,
لم تعد البنت الصغيرة صغيرة ولم نعد نحن الصغار صغارا , صارت الأبواب تغلق , واختفى كرسي العم أحمد , وودع الحي جارتنا التي ترسم بما ترسل من الأطايب فرحتنا بالكعك والحلوى وطيب الطعام , تطلب دعاء بعودة الغائبين وسلامتهم , حتى القطة غادرت المكان , جال هذا الشريط في ذهني عندما وقفت ذات صباح , بارد من أيام الشتاء على نافذة غرفتي المطلة على ساحة السوق , اسفل منزلي في الغربة , رأيت كل هذه التفاصيل عبر شخصيات في السوق , تتمثل بالعم أحمد وجارتنا وأطباق الطعام التي يحملها الأطفال فرحا بعاشوراء , تاهت دمعة قبل أن تسيل , على خطى الذكريات وافقت على صوت إبني يناديني لنذهب لما وعدته ونزلنا مسرعين للسوق وعند عربة الحلوى , منحت جارتنا إبني قطعة ورفضت أن تأخذ الثمن , وحضنت فيه الغائب الحاضر …….
بقلمي … محمود محمد … فيض من الغربة ….







Discussion about this post