بعد خصخصة (البريد الخارجي) ..
(مطار دمشق الدولي) عليه السلام .
تتوالى أنباء استثمار شركة أو شركات خاصة (مجهولة) ، لمطار دمشق الدولي وكلمة (استثمار) هنا يتراوح معناها بين (خصخصة) وبين (بيع) كما يتم الترويج إعلامياً ٩تى أن هذا الخبر بات يحتل كل مواقع التواصل الاجتماعي و المواقع الإلكترونية ويتصدر الواجهة .
ومما لاشك فيه أن المعلومات المسربة حول التوجه إلى نوع من (التشاركية) بين الخطوط الجوية السورية – وليس المطار فقط – يثير الدهشة والريبة أيضاً لاسيما وأن هذه المؤسسة العامة تكاد تكون المؤسسة الوحيدة الرابحة بالمطلق في القطاع العام ، كما أنه من البديهي أن تقتضي الأولوية في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة إبرام عقود تشاركية مدروسة بدقة لاستثمار (الشركات الخاسرة) وليس الرابحة ، وهنا يحق للمواطن السوري أن يتساءل عن أسباب طرح مطار دمشق الدولي وغيره من المرافق الحيوية (الرابحة) للاستثمار طالما أنها تدر ربحاً معقولاً لرفد خزينة الدولة ، وهل عجزت الحكومة (الرشيدة) عن ايجاد الحلول لتطوير خدمات المطار وشركة الطيران حتى تلجأ للقبول بشروط استثمار غير موفقة ضررها أكثر من نفعها على المديين القصير و الطويل معاً !!.
ذلك لأن اللجوء إلى خيار (التشاركية) في استثمار منشآت حيوية – كالمطارات – يطرح إشارات استغراب كثيرة ، لأن عرض الاستثمار المطروح من قبل الشركة الطامحة لهذه التشاركية الرابحة لها ، يبخس الخطوط الجوية السورية حقها كشركة رابحة ويمكنها بكل بساطة تحسين خدماتها رغم بدعة (العقوبات والحصار) التي لاتتوقف اسطوانتها شرط منحها صلاحيات أكبر في إدارة مواردها المالية والفنية والبشرية .
وإذا لم يكن من بد من عقود (التشاركية) والتي تعني بمضمونها الخصخصة الكاملة بسبب الظروف الاقتصادية الحالية التي تؤثر على أداء كل المؤسسات فمن المفترض أن يكون ذلك مع شركات مساهمة عامة مغفلة وليس وضع هذه المرافق المهمة بين أيدي الشركات الخاصة – إذا كانوا ينفون نية الخصخصة حالياً – وذلك مع التدقيق المطول من قبل الجهات المعنية في شروط عقود (التشاركية) المبرمة ، والتي تفترض طرحها على مجلس التشاركية ، لينشر بعد ذلك على موقعها لإطلاع الرأي العام على كامل تفاصيلها كون ذلك يمس الأمن القومي ، ويدحض في الوقت ذاته شائعات (بيع المطار) وخصحصة شركة الخطوط الجوية لمجرد رغبة شركة خاصة في الاستثمار علماً بأن أي شركة ترغب الدخول في هذا المجال يفترض امتلاكها المؤهلات والمقدرات مالية والخبرات اللازمة ، وربما تكون الشركة المستثمرة قادرة على امتلاك ذلك بل وتملكه فعلاً ، لكن يجب الإعلان لمعرفة اسم المستثمر وتاريخه وثقله المالي والاجتماعي وارتباطاته لإزالة اللبس والغموض حول هذه الشركة وكما تنص قوانين (التشاركية) المعمول بها .
فهل تكون الشركة المستثمرة شركة سورية ، أم أجنبية ، أم أنها أجنبية بلبوس سوري ، والإجابة عن هذه التساؤلات هي من حق كل مواطن سوري ولد على أرض سورية وصمد مدافعاً عنها ولم يغادرها رغم كل المغريات ورغم كل التضييق الذي يتعرض له (وليس كما يدعي البعض أن الصامدين بقوا في سورية لعدم تمكنهم من الخروج منها) وذلك منعاً للوقوع في مطب تسليم هذه المرافق الحيوية إلى شركات خاصة مجهولة الولاء والانتماء ، والافضل هو دخول شركات وطنية عامة مغفلة على خط استثمار هذه المواقع الهامة ، مع التشجيع على جذب أموال السوريين في الخارج المقدرة بالمليارات ، والتي يمكنها عند حسن استثمارها تطوير المطارات السورية لتعود إلى تصنيفها وتكون من مصاف المطارات العالمية .
إن (التشاركية) بين القطاع العام وبين القطاع الخاص تعد بلا شك خياراً جيداً لتحويل المؤسسات الخاسرة إلى رابحة بامتياز ، رغم أننا لم نشهد حتى الآن أي حالة إيجابية في هذا الإطار ، واننا لانرى سوى تشجيع واضح وتسهيلات حكومية واسعة لأصحاب رؤوس أموال طارئين من الأثرياء الذين أنجبتهم الحرب على سورية على حساب القطاع العام رغم أن معاملاً ومنشآت عامة كثيرة تضررت بفعل الحرب باتت بإدارة هذا القطاع ، وهنا تظهر إشارات الاستفهام الكبيرة حول صيغة (التشاركية) المتبعة وبصورة خاصة حول منشآت انتاجية كان من الممكن إنقاذها وإعادة تأهيلها دون الحاجة إلى تسليمها إلى القطاع الخاص (الطارئ) ، لأن ذلك سيحمل المخاطر مستقبلاً نتيجة التفرد في تحديد أسعار منتجاتها واحتكاراتها !!.
لاشك بأن الواقع الأخلاقي يفرض التدقيق والتمحيص الجيدين عند إبرام أي وزارة عقداً من عقود (التشاركية) بغية الحفاظ على حق الدولة وملكيتها لهذه المرافق والحيلولة دون تمرير الخدمات للمصالح الشخصية التي باتت عنوان المرحلة الحالية ، والتي تكشف انطواءها على ملفات فساد كبيرة فيكون الثمن كبيراً إلى درجة تصل لبيع المنشآت الحيوية بأثمان بخسة مقابل أرباح كبيرة للمنتفعين عند التعتيم على الشروط المبهمة في عقود (التشاركية) ، ويكون المواطن هو الضحية وكذلك خزينة الدولة ، التي تشكو قلة مواردها في الوقت الذي يمكن فيه رفدها بأموال طائلة في حال استثمار وإدارة موارد البلاد الكثيرة بأخلاقية جيدة .
وإنما الأممُ الأخلاقُ مابَقيتْ
فإنْ هُمُ ذهَبَتْ أخلاقُهُم ذهبوا







Discussion about this post