قراءة في (نسيل الرؤى)
للأديب التونسي محمد الجدي
Hamma Jday
—————————
—-يقول الكاتب الجزائري واسيني الأعرج
(أن تكون كاتبا بكل ما تحمل الكلمة من نبل، عليك أن تتحمل قدرك ألا تلتفت وراءك أبدا، وتمضي في سبيلك، فما ينتظرك أهم بكثير …)
ومحمد الجدي كاتب كتاباته مفتوحة دوما على الآتي ولا يلتفت وراءه إلّا اذا استبد به الحنين والنوستالجيا
أديب تستفز قلمه المراة فيكتب عنها ولها
أديب يستفزه حال الوطن فيبكي معه ويستعير كل مناديل الكون ليجفف دمعه لانه يحبه بحجم جبل الشعانبي أبو الأنفة التونسي-جبل صمود الكواسر
رجل يكتب ليقول انا موجود وعلى بينة من كل ما يدور ويحاك حولي
كاتب ياخذك من يدك الى موطئ القدم الاول الى(الكسرة) وريحة سخاب الأم
وحفريات الذاكرة الراكدة يحركها فتنشط
وتسرد كل تفاصيل الحكاية
عناوين كثيرة تمر امامك فارة الى الوراء وكانك تركب قطارا سريعا ووجدانك يلتقطها يحتضها ويوسع لها في ذاكرة مخيلتك حتى لا تضيع منك وحتى تتمكن من امتصاص جمالها على مهل
فخواطره :حالمة /متمردة/غجريات متسكعة تثير شهوة القلق/أنثى القصيدة عرافة/ورجل القصيد منجّم/معربدة ثائره/هادئة مستكينة تراقب من وراء الحجب عواصف الحياة التي تفرق لتجمع وتجمع لتفرق….
—-المراة عنده إمّــا ان تكون أو لا تكون…
إمّــا ان تكون سيدة نفسها صاحبة قرارتها وخياراتها
أو كهوف القبيلة قبرها حيث الخنوع والاستكانة-ويحثها صراحة على ان تكون الصرح لا الظل(كوني سيدة نفسك او لا تكوني)في كوني كما أنت
فهو يريد امراة عقلها متصالح مع عاطفتها ليبرز
اروع ما في روحها من جمال وما في فكرها من حكمة وجلال —امرأة تتقن لعبة الحب مع شرقي الهوى بلا عقد يريد ان يموت واقفا -يريد ان يكون
علما يرفرف على قمة الشعانبي الشماء رجل يطربه كلام العرافات ويؤمن ان الموت ما هو الا عودة الطين الى التراب وذوبان الفرع في الأصل
—امراة من فيض هي الشاعرة والقصيدة لانها من رحم الوجع تولد وفي رحم الالم تقيم وحديث الروح يطول كتراتيل في محراب العشق وكنف الجمال
—كما يخاطب الرجل في دعوة انيقة للنفاذ الى روح المراة وفكرها ويشاركها النقاش في قضايا جادة
ترقى به وبها معا والمرأة امنيات فوق القانون وخارج النص في سراب وتقاطع
—-فالمراة عنده هي الأم في اعلى المراتب حيث يذبحه الحنين الى حضنها الدفيء
وصدى الغياب موجع ودامي ،
ومنها هي يطلب ان تكون له مرافئ أمن وسكينة
اليها(أخبريه انه ما عاد في العمر متّسع للحياة)
—امراة في خيالي هي حلم صادف حقيقة ومرآة عاكسة لحب عظيم ضاقت به الضلوع هو فيض نور وبهاء
—ومن الايام يقدس الاحد لان فيه يقيم مع الحبيبة
قداس الحب ولا يتورع عن اطلاق عقيرة معزوفة الحنين المرصوصة نوستالجيا
—ومع سمعت صوتا تاتي تفاصيل مبعثرة فنشرب منها مرارة وحسرة ممزوجة بعلقم على كراس ذكريات مُزٍّق وضاع قراطيس هدرا -وبنات الليل عنده روح هائمة وقلب مفقود فاقد لصلاحيات الحب
وللعاشق ترانيم وللروح ظلال رغم غياب الضوء
—الى وصايا بوذيٍّ جلس على قمة الشعانبي يتفيّأ حكمته وعمق معارفه
____وبتبصر المطلع وعين الحصيف يطلعنا على حال الحركة الادبية التي لامستها الشوائب والعوالق في غياب عين فنية خبيرة تنقي الساحة من الدخلاء والدعاة وفتاوي انصاف المثقفين الذين يؤسسون للتطبيع مع أدب الرداءة
—اما هو وهي فتلك قضية اخرى فهذه خاطرة بالنسبة لي شطحة صوفية في رحاب ملكوت الحرف هي القريحة هي الالهام هي الصحو هي المنام هي البعث من رفات الابجدية وتثمر فاكهة الحب انجذابا وانصهارا ونبيذا حلالا.
-وذات عودة نعيش ادب الرحالة ونلف نصف العالم في دقائق مع استرجاع نوستالجي لطفولة لن تعود
—وحديث طويل نفذ لباطن الطلاق العاطفي
بين الزوجين في منعرج ما من مؤسسة الزواج
——حفصية ظهرت في قلب المجموعة فكانت مكانتها في (نسيل الرؤى)
بمثابة سورة ياسين في المصحف الشريف
حفصية هي(دادا—هي يمّه-هي الوطن)—وهي الحكمة وفلسفة حياة بحالها —وحفصية حكاية البدايات التي لا ترسو على نهايات ومن وحي حضورها والغياب يكتب محمد الجدي
—وللصدق كذب وللكذب صدق اما اجراس الفاتحة فتعددت ساءاتها لدرجة التسويف(سانسج سأرسم—)—والأمنيات عجاف-ومولد الحب مواكب مجنونة في كنه الحب- سلة اعترافات الماضي أمام الحاضر تثقل كاهل القلم ببوح مبتور
—-وسجل في دائرة المحظور هي نقمة خفية على تعاليم واهية من وهم الخرافة والتزييف
—- بعض الخواطر موجوعة حد الخدر على ناصية الانتظار
—ورسالة الى الله وتوبة غير نصوح من خمرة الحب
التي تذهب عقل المصلي وليس على العاشق حرج
خاطرة تعلوها مسحة صوفية عميقة
—-تفاحة المعصية كانت تفاحة لقاء الشفاه في عناق كتبه الله
لان الله ترك القبلة والتفاحة عصا يتوكأ عليها الحب وله فيها مآرب أخرى وعلى راي
الشاعر الإغريقي يانيس ريتسوس
هل عشت القبلة والقصيدة
فالموت إذن
لن يأخذ منك شيئاً”
—-شقوق الذاكرة ترشح حنينا والوعد حلم لا ينتهي
يطارد الصحو لحد الانبلاج ويحب الحياة مع سبق الإصرار
——ترتفع حدة التهكم لتبلغ الذروة في المتسول والسياسي لان الهدف واحد مع اختلاف الواسطة
والمستهدف واحد مواطن استباح غباءه من هب ودب ليسمع ليناير نشيج يغرق الوطن ومصطلحات الرياضة موجودة في حلبة الحب مع شوط ثالث او حتى لعب الوقت بدل الضائع…وتبقى الكتابة مشتهاة
—من القراءة السابقة يمكن ان اقول ان(….)اقوم رؤيته على الحنين لذكريات الطفولة البكر في خواطر قامت على الثراء الفني من خلال توظيف المجاز والتجديد في الصور السردية بشاعرية عالية
مع توظيف طابع المونولوج الداخلي
اضافة الى التكثيف الدلالي الذي يعكس تمكن الكاتب من التعامل الجيد مع اللغة….
==فما موقع النوستالجيا في هذه الخواطر؟
_الحنين شعرا ونثرا، موضوع أثير في الأدب العربي
وامتد الاهتمام بشعرية الحنين في الأدب الحديث والمعاصر ومفهوم الحنين زاحمه مصطلح آخر استعاره الأدباء حديثا من الطب النفسي (النوستالجيا)والدال على ذكرى تحمل إحساسا ما بالسعادة اقتنصتها الذاكرة، وهذا الصيد – صيد الذاكرة – يعبر عن شعور جميل، يخالطه نوع من الإحساس بالألم أو الاغتراب وقد يبين عن حجب كثيرة تحول بين المرء وذكرياته
فالكاتب يقف في المسافة الفاصلة بين الإحساس بالسعادة والإحساس بالألم التي تبدو مرهونة بالذاكرة؛ فالذاكرة وحدها قادرة على ربط الماضي بالحاضر والمستقبل
اديب يلتقط صوره من كاميرا الذاكرة؟
ويبدو أنه يعول كثيرا على الذاكرة الفردية في رصد حالة النوستالجيا الأدبية،
فهو يكتب النص الشعري وليس القصيدة الشعرية
فيعيش حالة النوستالجيا من منظور الحاضر الذي لم يغب أبدا، وعبر عنه بكلمات ضمتهاخواطره (كتفاصيل مبعثرة واعترافات)
فتبدو القيم الإيجابية الفاعلة التي تسندها الذات الكاتبةإلى نفسها أكثر في الماضي
لذا كلما توغلت في مقاربةخواطر نسيل الرؤى
أتساءل: هل ينبغي دائماً الإحتفاء بإرث الذاكرة؟
والجواب في (نسيل الرؤى )حيث الكاتب يرسل لنا حديث الامس وفي الخيال ألـبـوم صورلأحبة أعزاء علينا وأماكن دافئة (الشعانبي)وروائح مألوفة وأصوات رنانة وأشياء تعيدنا إلى ماضٍ حقًا نحنّ إليه، ويبقى السؤال: إلى أي ماضٍ نحنّ ؟
هل نحنّ إلى طفولتنا حيث الأب والأم والاخوة والبيت القديم وبيت الأجداد وبساطة الحياة وكتابة الرسائل وصوت الراديو وأعراس الاقارب ؟أم نحنّ إلى أنفسنا القديمة حين كانت القلوب تهفو وتتأمل وتحب سرا وعلنا
والكاتب محمد الجدي يضعنا أمام كل هذا في حزمة خواطره حيث يرسم ويصور وينسج خواطر أصبحت جزءاً أساسيّاً من بانوراما الادب التونسي
حيث يقول لنا الماضي رحل والحاضر راحل لامحالة
وبعد اختفائنا تبقى الكلمات
لأنَّ الكلمة هي أهمّ شيء يملكه الإنسان الكاتب في حياته وهي طريقه الوحيدة للخلود بعد رحيله عن الدنيا
جل الخواطر هي من نتاج النوستالجيا، فالماضي دائما هو الأجمل والأكمل عند محمد الجدي
ولكنــه ما صور لنا الحاضر او المقبل على انه مصدر رعب وازعاج لأنه المجال الزمني لتبديد الشباب، وبلوغ الشيخوخة، وفي أحسن الأحوال هو قدر مُبهم لا سبيل إلى الوقاية منه أو استباقه
وما قال على لسان نبال قندس الروائية الفلسطينية(” أنا بخير، لكني أعاني من ذاكرة لا تكف عن العبث بتفاصيل الماضي” )
هو قال :أنا أعيش حاضرا ينفث في روعاتي روح الشجاعة لأكتب وأستمتع بالكتابة..
أليس هو القائل
{انا عاشق للحرف حد الهوس
راي امراة لا تقطف ثمرات الاشتهاء من أغصان سطوري لا تحرث عميقا في تضاريس روح كلماتي
لا تنفث في عقد نفسي المغموسة في دواتي
لا تفك طلاسم العطر المتدفق من مسامات قلبي
أتراها تكون حريّة بحبري وحبي؟
استفهام معلق…..
-باختصار
خواطر(نسيل الرؤى) تقاذفتني
داخل الزمن وخارجه، وداخل المكان وخارجه، ومحت الحدود الفاصلة بين فيزياء الزمن وكيمياء المكان…علما اننا لا نشفى من ذاكرتنا
لذلك نكتب ونرسم ونرقص ونضحك ونبكي ونعشق ونحب -ويموت بعضنا..
كاتب نسيل الرؤى ترجم ما عناه وقصده
(غوته)الاديب الألماني حيث يقول مايلي
-من أين ولدنا؟
من الحب
-كيف كنا سنضيع؟
من غير الحب
-ما الذي يساعدنا على الغلبة؟
الحب
-هل يمكننا أيضاً العثور على الحب؟
عن طريق الحب
-ما الذي لا يدعنا نبكي طويلاً؟
الحب
-ما الذي يوحد بيننا دوماً؟
الحب..» (غوته)
الى روح وفكر الكاتب فيك يا صديقي
اعلم ان قراءتي قاصر
وعلى امل بلوغ قراءتي سن الرشد. ها انا حاولت…}
وانا لست ناقدة ولا أملك ادوات النقد انا مجردة قارئة بوجدان شاعرة
فائزه بنمسعود
Discussion about this post