الحبيب الكبير والكبير قلباً وإنساناً وخلقاً وفناً محمود جركس ( أبو منذر ) في قلب الله .
1933 – 2023
هذا أنا .. هكذا كانت عبارته الأولى بنبرة استثنائية معهودة بإلقائه الآسر أمام المرأة في بيته .. وكانت العبارة عنوان الفيلم الذي بدأ مع وقوفه في اللقطة الأولى لبدء عمليات تصوير سيرة حياته الأسرية والأاجتماعية والفنية والتي عرضت تحت عنوان ( حياتنا .. حكاية عمر ) ، يوم كنت أطلب من نجوم الأفلام التي اخترتها وضع عنوان خاص بكل نجم ..
وهكذا كان وعاش هو ذاته المعدن الأصيل خلال أكثر من أربعين سنة رافقته خلالها في الكثير من يوميات المسرح والإذاعة والتلفزيون ..
ولأنه القدوة في التواضع كان من الصعب إقناعه بأن أنجز عنه بعد بضع سنوات فيلماً آخر ، ضمن سلسلة أفلام ( موانئ ) .. وكان كما كان دوما يردد عبارته الشهيرة بيننا ( جدي لعب لعقل تيس ) ثم يختم العبارة بضحكته الحنونة معترفاً دوماً أنني أستطيع إقناعه في تغيير اتجاهه .. وعلى سبيل المثال نخرج من الإذاعة ليذهب كل منا إلى بيته فأقنعه أن نذهب إلى الميدان لنتاول وجبة شهية من السجقات والكوراع والمقادم .. أو إلى السوق العتيق في الشاغور لنأكل وجبة من لحم الجمل أو يريد أن يذهب إلى مقهى الروضة فنصل إلى النقابة .. لكن لم أستطع مرة واحدة أن أجعله يتأخر عن موعد بروفة مسرح أو عرض أو تسجيل إذاعة أو موعد تصوير .. وهكذا كنا شريكين في دروب الحياة والفن والمشاكسة اللطيفة من أبن مع أبيه الروحي .. وكان بالنسبة لي وللكثيرين القدوة في السلام والإيمان والفعل الإنساني واللغة العربية .. وكان القلب الدافئ لكل من عرفه ..
** ولد الفنان الكبير الحاج محمود جركس في دمشق عام 1933 في حي قديم عرف بحي الأكراد، درس حتى الشهادة الابتدائية في مدرسة الحي، عاش في طفولته محروماً من أبيه، كانت أمه المعيل الوحيد للأسرة، غير أنها مثالاً للأخلاق الحميدة والمبادئ السامية، ولها خبرة واسعة بشئون الحياة، وهذا ما ساعده على كسب المعارف، بدأ في تكوين ثقافته من خلال قصص شخصيات مسرحية، وساعده حبه للمسرح والتمثيل على ذلك.
كانت بدايته الفنية في سنة 1958 حين كان في الجيش السوري، وفيه تعلم فن التمثيل في المسرح العسكري، و في الستينات انضم إلى نادي اسمه الأزبكية، بعدها قدم بصحبة مدير النادي مسرحية بعنوان “أريد أن أقتل” وبمشاركة العديد من الأدباء والكتاب، وقد انتسب هذا العمل لقطاع المقاومة الشعبية، وكانت حينها ثورة الجزائر مشتعلة في نفوس الجماهير، فبدأت الأعمال تتوالى عليه إلى أن أصبح لديه الآن في رصيده أكثر من 60 عملاً مسرحياً وعشرات الأعمال التليفزيونية والإذاعية، وقد كان ولا يزال اسمه لامعاً في عالم المسرح
وشارك بمسلسلات عديدة منها بقعة ضوء الجزء الثالث، عمر الخيام، صقر قريش، الخوالي، الجمل، العبابيد، ياقوت، قانون الغاب، أحلام مؤجلة، طرابيش، أشياء تشبه الفرح، أحلام مؤجلة، أيام أبي المنقذ، شجرة النارنج، نساء بلا أجنحة، عز الدين القسام، وغيرهم.
كما شارك في عدد من الأفلام، أبرزها فيلم لقاء في تدمر، عاريات بلا خطيئة، سفر الأجنحة، وغيرهم.
** أبا منذر … أشتاقك كغيابك الحاضر بقوة في قلبي منذ أن غاردرتنا إلى السويد ملتحقاً بعائلتك ..
أشتاقك بحجم الحزن والقهر الذي آلمني في رحيلك وإن لم ترحل من ذاكرة وجداننا ..
أشتاقك .. بحجم إيمانك الصادق في حسن الخاتمة ..
تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته ..
تعازينا القلبية لعائلتك وكل من عرفك وأحبك وما أكثرهم ..
Discussion about this post