المواطنة والانتماءللهوية ..
د.علي أحمد جديد
يمكن تعريف مفهوم (الهوية) بأنها مزيج من الخصائص الاجتماعية والثقافية التي يتقاسمها الأفراد ويُمكن على أساسها التمييز بين مجموعة وأخرى ، كما أنّها مجموعة الانتماءات التي ينتمي إليها الفرد وتُحدّد سلوكه ، وإدراكه لنفسه .
وتتأثّر الهوية بعدّة خصائص خارجة عن سيطرة الأفراد كالطول ، أوالعرق ، أوالطبقة الاجتماعية ، وكذلك الآراء السياسية ، والمواقف الأخلاقية ، والعقائد الدينية .
ومعرفة الشخص لهويته لايمكن أن يكون واضحاً ومنطقياً إن لم يكن شعوره (بالمواطنة) كاملاً ، لأن الإيمان بالمواطنة الخالي ما الشعور بالطبقية أو بالدونية تجاه الشركاء الآخرين في الوطن الواحد يزيد من احترام الفرد لانتمائه ومن فهمه لذاته ، إذ لا تُعدّ هوية الفرد ثابتةً لأنها يمكن أن تتغيّر وتتطوّر مع الزمن وحسب الظروف المحيطة .
وقد كانت الهوية في الأصل قضيةً فلسفيةً ومنطقيةً غرسها العالم (سيغموند فرويد) في علم النفس ، وطوّرها العالم (إريكسون) الذي بَيّن :
“أنّ الهوية ليست فرديةً فحسب ، بل هي قضية جماعية واجتماعية ، تجمع الاختلافات والشعور بالانتماء بين الأشخاص وبين المجموعات” .
وتتكون الهوية – وفقاً لعلماء النفس – بأنّها العثور على الذات وفهمها من خلال مطابقة مواهب وقدرات الفرد مع الأدوار الاجتماعية المتاحة ، ولذلك فإن إحساس الفرد بانتمائه الوطني أي إحساسه بمواطنته ، وتعريفه لذاته هو خِيارٌ غايةً في الصعوبة ، نظراً لاتّساع العالم الاجتماعي ، وذلك من خلال اكتشاف وتطوير مهارات الفرد الشخصية والفكرية ، ويُمكن ذلك من خلال عملية (التجربة والخطأ) ، لأن تطوير هذه المهارات واكتشافها يتطلب وقتاً ، وجهداً ، وصبراً في مواجهة العقبات والإحباط الذي يُمكن التعرّض له أثناء ذلك .
وكذلك معرفة الحاجة والهدف من الحياة شرط أن تكون هذه الأهداف متوافقةً مع المعطيات الاجتماعية ومع المواهب والمهارات الشخصية لكي يتجنّب الفرد الإحساس بالإحباط والشعور بالفشل في خلق الفرص المناسبة لتجربة المهارات والأهداف .
وتختلف أنواع الهوية بين هوية فردية ، وهوية اجتماعية ، وهوية جماعية .
فالهوية الفردية هي الهوية التي تُوضّح ماهية الإنسان للدلالة على شخصه ، وتشمل الرقم الوطني ، وبصمات الأصابع ، وجواز السفر ، وشهادة الميلاد ، والتاريخ الشخصي ، والأصدقاء ، والعائلة ، والعلاقات .
أما الهوية الاجتماعية وهي غير اختيارية لأنّها تلتزم بمفهوم الأدوار الاجتماعية وطرق التصرّف المفروضة على فئة محددة كالأطفال – على سبيل المثال – .
بينما تكون الهوية الجماعية هي الهوية التي تتشاركها المجموعات الاجتماعية ككل والتي تُعرَف بالهوية الوطنية .
ويُجادل علماء الاجتماع بأنّ الهوية أعقد ممّا سبق ، ذلك لأنّها تتأثّر بعدّة عوامل ترتبط بالقضايا الاجتماعية المحيطة كالطبقة الاجتماعية ، والجنس ، والعِرق ، والعمر ، والجنسية ، وغير ذلك .
وللهوية (وصمة) ترتبط بأيّة صفةٍ للشخص سواء كانت جسديةٍ أو اجتماعية غير مرغوب فيها .
ويمكن للفرد تطوير هويته من خلال تغيير هويته الدينية ، أوالهوية السياسية ، أوالهوية المهنية ، أوالهوية العرقية . ويتضمّن تطوير الهوية جانبين رئيسيين ، هما :
1 – مفهوم الذات :
وهو الذي يُشير إلى قدرة الشخص على بناء معتقدات وآراء شخصية بثقة واستقرار وقناعة كاملة ، لأنّ التطورات المعرفية في مرحلة المراهقة المُبكرة تُساهم في زيادة الوعي الذاتي ، والوعي حول الآخرين وأفكارهم وأحكامهم ، إضافة إلى القدرة على التفكير في الاحتمالات المجردة والمتعددة .
2 – احترام الذات :
وهو مايُشير إلى أفكار الفرد ومشاعره تجاه مفهوم ذاته وهويته الشخصية وإحساسه بالمواطنة وتعزيزها وحمايتها .
وتُشير الهوية الاجتماعية للفرد إلى المجموعة التي ينتمي إليها ، والتي تُعرّف عادةً بِناءً على الخصائص البدنية ، والاجتماعية ، والعقلية ، للأفراد كالعِرق ، والجنس ، والطبقة الاجتماعية ، والدين .
وتتمثّل نظرية الهوية الاجتماعية بدراسة التفاعل بين الهويات الشخصية والاجتماعية ، كما تهدف إلى تحديد الظروف التي يُفكّر بها الأفراد كأفراد أو كأعضاء في الجماعات والتنبؤ بها . وتُصاغ نظرية الهوية الاجتماعية من خلال عوامل مختلفة منها :
* – التصنيف الاجتماعي الذي يشير إلى تحديد الهوية الذاتية للفرد مع مجموعته الاجتماعية .
* – الإيجابية داخل المجموعة التي تُشير إلى العواطف الإيجابية واحترام الذات الناتجة عن الانتماء للمجموعة .
* – المقارنة بين المجموعات التي هي التصورات حول وضع المجموعات المختلفة .
* – العداء خارج المجموعة وهو ماينتج عن المقارنات والتصورات بين المجموعات حول شرعية أوعدم شرعية المجموعات في المجتمع .
وقد شغل موضوع الهوية معظم الأقليات في الوطن العربي .. بين متمسك بهوية الوطن أو هوية الدين ، وبين آخر يفضل الانسجام في المجتمع الذي يمنحه الحرية والأمان لاسيما بعد استفحال الهجرة إلى الغرب .
ويظهر التعصب للهوية بين الأقليات الصغيرة وذلك بسبب تنامي الشعور بأن كيانها مهدد ، أو تخوفاً وهمياً (فوبيا)من اضمحلال الهوية .
وكان هذا موضوع محاضرة استاذ علم الاجتماع (د.حميد الهاشمي) في مؤسسة الحوار الانساني في لندن . والذي قدّمه الكاتب المغربي (ابراهيم القادري) بدراساته في الهوية التي يقول فيها :
” مصطلح الهوية مأخوذ من الضمير . ومعناه الإتحاد بالذات ، ويشير مفهوم الهوية إلى الشيء من حيث تحققه في ذاته وتميزه عن غيره ، فهو وعاء الضمير الجمعي ، بما يشمله من قيم وعادات تشكل وعي الجماعة وإرادتها” .
والهوية الثقافية لأي شعب هي القدر الثابت والجوهري من السمات العامة التي تميز حضارته عن غيرها من الحضارات . ومن العسير تصوُّر أي شعب بدون هوية ، أوالاقتناع بما يزعمه (داريوس شايغان) :
بأن الهوية“صورة مغلوطة للذات” .
لأن الدراسات السوسيولوجية تؤكد على أن لكل جماعة خصائص ومميزات اجتماعية ونفسية ومعيشية وتاريخية متماثلة تعبّر عن كيان ينصهر فيه قوم منسجمون بتأثير هذه الخصائص التي تجمعهم . والعولمة اليوم تكاد تلغي الهويات كما في (ثورة المعلوماتية) التي جعلت من العالم قرية واحدة ، مثل مجتمع الفيسبوك الذي يجمع بين مختلف الأفراد على اختلاف هوياتهم الوطنية أو القومية !!.
وحسب الدكتور (الهاشمي) :
“فإن الهوية تقوم على التصنيف والتفريق والمقارنة . وهناك أنواع عديدة للهوية ، فردية وجماعية مثل الهوية الوطنية أو الانتماء لمجتمع أو طائفة ، وهذه لا يمكن تغييرها ” .
وهناك هويات يسعى لها الفرد مثل الهوية المهنية ، والهوية الفكرية ، أو الهوية القومية .. وهذه الهوية أمكن التخلي عنها لفترة طويلة من الزمن عندما شكلت الهوية العمالية طبقة ساهمت بالتاثير على مجتمعات عديدة اتسمت في بعض الدول بتضامن منتسبيها كدول (الإتحاد السوفيتي ) السابق لكن مفهوم الهوية الوطنية كان من الصعوبة بمكان القضاء عليه قضاء مبرماً وعاد التمسك بالهوية الوطنية لدى كل دول الاتحاد السوفيتي السابق .
كما أنه هناك هوية عمرية أي كبار السن أوالشباب أو الأطفال . وهويات جنسية مثل الرجال والنساء .وحتى أنه يمكن أن نطبق مفهوم الهوية على مشجعي كرة القدم ليكونوا مجموعة ينطبق عليها شروط الهوية. وقد لا يتفق الكثيرون على ذلك باعتبار أن تلك التصنيفات يمكن أن تكون فئوية ولا علاقة لها بالهوية الجامعة .
ومؤخراً لاحظنا جميعاً أن ثورات (الربيع العربي) قد أدّت إلى صراع على الهوية وتشظيتها ، وانقلب
الصراع إلى صراع عصبيات لاعلاقة له بالهوية وبات يتسبب بتدهور المجتمعات وتخلفها وتقسيم البلد الواحد ونسف مفهوم التشاركية والتعايش والمصير الواحد فيه . كما حصل في رواندا بين التوتسي والهوتي . والصراع الحالي في العراق وسوريا بين عرب وأكراد الذي يقضي على الهوية الواحدة . بينما نرى العامل الاقتصادي السبب الأهم للثورات والصراعات في التمسك بالهوية أو التخلي عنها .
وتاريخياً نرى أن يهود العالم تخلوا عن الهوية الوطنية لصالح الهوية الدينية ومنهم من يقول أيضاً لمطامع اقتصادية ، وهذا مادفع بأكراد العراق على سبيل المثال ومايدفع بأكراد سوريا للتخلي عن الهوية الوطنية بحجة الهوية الإثنية أو القومية ، إلى درجة المضرة بمصلحة الوطن الجامع للكل .
والخطير الأخطر ، هو مايعيشه المواطن السوري اليوم ، ومايعمل جاهداً على التعايش معه رغم كل الضغوطات المتوالية – داخلياً و خارجياً – التي تهدف إلى إفقاده الشعور بالإنتماء من خلال خلق الهوة الساحقة بينه وبين لقمته من أجل الترسيخ للمفهوم الطبقي الذي كان معروفاً في التاريخ الغابر ، والذي بات يتمثل بوجود طبقتين اثنتين لاثالث لهما :
( السادة و العبيد )
Discussion about this post