وريقات
مبدعون غادرونا في صمت
لكنهم في الذاكرة يقيمون :
الشاعرة رقية بشير
عرفتها في بداية ثمانينات القرن الماضي في بعض الملتقيات الأدبية ثم في الملحق الأدبي لجريدة الحرية الذي كان يشرف عليه الشاعر عبد السلام لصيلع .
وهي شاعرة تونسية من مواليد مدينة المنستير في 25 أكتوبر 1949 ,حيث تلقت تعليمها الابتدائي في مدارس (المنستير)، ثم التحقت بمدرسة ترشيح المعلمين وحصلت على شهادة إتمام الدروس الثانوية الترشيحية، وبعدها التحقت ب(دار المعلمين) بمدينة تونس (العاصمة) فحصلت على الإجازة في تدريس اللغة العربية وآدابها.
في البداية اشتغلت معلمة في المدارس الابتدائية، ثم ترقت إلى أستاذة بالمعاهد الثانوية ثم ألحقت بعمل إداري .وكانت عضوًا في اتحاد الكتاب التونسيين (فرع المنستير) ولها مشاركات عديدة في المهرجانات والأمسيات الشعرية في تونس وخارجها . وهي شاعرة ملتزمة في كتابة الشعر على النمط العمودي والتقليدي وذلك راجع إلى تأثرها وتشبعها بالثقافة الشعرية القديمة.
من أهم مؤلفاتها :
(1) لم الحزن؟ : مجموعة شعرية صدرت عن دار المعارف للطباعة والنشر – سوسة سنة 1996
(2) عبير الروح : مجموعة شعرية صدرت عن دار المعارف للطباعة والنشر – سوسة سنة 1997
(3) ظلال أرجوانية : صدرت عن دار المعارف للطباعة والنشر – سوسة سنة 1999.
كما نشرت العديد من القراءات النقدية في الملحق الثقافي بجريدة الحرية .و لها العديد من القصص والمراسلات – مخطوطة، لم تنشربعد .
وقد قال عنها بعض النقاد :
“هي شاعرة وجدانية، اهتمت بعالمها الداخلي الحقيقي والمتخيل، كتبت الشعر العمودي في الأغراض المألوفة من وصف وحنين ومدح وشعر مناسبات. نزعت بشعرها إلى الدفاع عن المرأة وقضاياها ورفض نظرة الرجل الدونية إليها. كما كتبت عن الطفولة بلغتها الرقيقة العذبة ومعانيها الواضحة وخيالها المزدحم بالخصوبة والجدة.
توفّيت الشّاعرة التّونسيّة رقيّة بشير يوم 2 أوت من سنة 2000 بمسقط رأسها بمدينة المنستير وهي في الواحدة والخمسين من عمرها. ولم يتفطّن جيرانها وأفراد عائلتها إلى وفاتها إلاّ بعد مضيّ يومين أو ثلاثة، لأنّها كانت تسكن في شقّتها بمفردها .وقد عثر على جثّتها في بيت الاستحمام والتّفسير الذي قُدِّم وقتها لذلك الموت المفاجئ هو سكتة قلبيّة .
كتبت قراءات حول دواوينها ونشرتها في بعض الجرائد التونسية و في مواقع التواصل الإجتماعي.
واليوم أعيد نشرها لمزيد التعريف بها والإستفادة منها .
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
“عبير الروح”
للشاعرة التونسية المرحومة رقية بشير .
عبير الروح بمواقف الشاعرة تبوح .
قراءة بقلم الشاعر عمر دغرير:
عن دار المعارف للنشر صدر كتاب ” عبير الروح” وهي مجموعة شعرية للشاعرة المرحومة رقية بشير وقد جاءت في طبعة أنيقة أرادتها صاحبتها في ستة أقسام ضمنتها كل أتعابها ومعاناتها وأحزانها وأفراحها فكانت على النحو التالي :
(1) أشداء الوطن
(2) وجدانيات
(3) شكر وتحايا
(4) قصائد متنوعة
(5) من وحي الخيال
(6) تقاريظ
وكلها قصائد تضوع مسكا وريحانا رغم صبغة الحزن الذي يخيم عليها .هي رسومات بالحروف والكلمات في شتى المواضيع والحالات رسمتها الشاعرة بكل عفوية ودون تكلف ولا معاناة متمسكة بأوزان الخليل في زمن ضيع الشعر فيه هويته وأضحى عاجزا عن الصمود والوقوف بندية مع القصائد الخليلية والمعلقات العربية للشعراء الفطاحلة .
والشاعرة رقية بشير اختارت القلم والقرطاس وأحبت الشعر حبا جنونيا فتاهت في متاهاته :
” قال لي من علموني …
احذري الشعر ,
أفيقي
ليتني صنت الوصايا ..
تهت في نصف الطريق” .
ورغم ذلك فقد عزمت على مواصلة المشوار متسلحة بقلمها يحدوها أمل الحياة والإنتشاء :
” بيراعي تنطفي نيران حزني
به أحيا في انتشاء …
في تمني
مثل طير فوق أفنان تغني
قلمي إن هاجت الأشواق كوني” .
والثابت أنها تنفرد بأشعرها العمودية وتنفرد كذلك بالوحدة والعزلة في كونها الذي اختارته لنفسها وأغلقت ابوابه عليها .
والله خلق النفوس للتداني لكنها فضلت الإبتعاد وحضنت حزنها و أوجاعها خوفا من الجميع :
” إنهم أعداء حرفي ويحهم
يبطنون الحقد لي كي أنصهر” .
وهي تحاول جاهدة أن تسترق البسمة والفرح من حواليها لكنها لا تقدر خوفا من كيد الناس :
” وإذا هلت بصدري بسمة
خفت كيد الناس ألوانا …
خطر” .
بحيث كانت ترى الناس أعداء لبعض وهم ذئاب بالرياء تستروا . حتى الأحباب والأقارب تخافهم وتتجنب اللقيا بهم وهي تتحسر لذلك وتتساءل :
” أين الأحبة ؟
فالأحزان تخنقني
ضاعت مسالكهم ما السر ما السبب ؟
فهل لقيت من الأحباب
وا أسفي ,
غير الجراحات في الظلماء تحتدم ؟” .
لقد جربت حظها وتعددت تجاربها في معاشرتها للجميع : الناس والأهل والأحباب وكانت في كل مرة تصطدم بالسقم والجراحات والأحزان وكان الله ملاذها فراحت تشتكيه :
” لمن أشتكي يا إلاهي
الأهالي
أهالي البليدة زادوا سقامي ؟”
ويصل بها الحال إلى الطعن في الإخوة والأبناء كذلك :
” أخوكم خصم لدود
من أجل مال قليل
والإبن لص لبيب
إذا نما بالدليل”
ورغم أن المال في كل الحالات كان سبب شقائها ومعاناتها فهي تقر بأن المال ليس كل شيء :
” المال يفنى
ويبقى حب الموالي الأثيل
النقد يفنى
ويبقى نجل وفي ودود” .
وتواصل الشاعرة التعبير عن مواقفها تجاه بعض القضايا وبعض الجوانب الحياتية فتقول عن الرجال :
” إن الرجال صغار في حقيقتهم
أين المروءة
والإخلاص والذمم” .
والأكيد أن فشلها في التقرب من الرجل هو الذي بعث فيها هذا الشعور لأنها والحق يقال عبرت في البداية عن تعلقها بالحبيب وعن سعادتها في كل لقاء به :
” كلما كنا معا
غارت غيومي
زخرف الحب سنيا والجمال” .
وفي موقع آخر قالت :
” تذكر حبيبي
تذكر مليا
بأنك كنت الأبرّ لديّا” .
ويهجرها الحبيب فتنقلب أفراحها إلى أتراح وتتحول البسمة والضحكات إلى نواح:
” غدا العمر منذ ارتحلت
ضبابا
وكان زهورا …
غراما …
نشيدا” .
وقد يغدو حبها كرها دفينا يلازمها في كل الأوقات وتتحول عواطفها الجياشة و وفاؤها لشهريار الرجال إلى نقمة وغضب مسكون بالجراحات فتصيح في وجهه وتقول :
” لأنك يا شهريار الرجال
تراني كجل النسا
لست شيّا
ستندم يوما
على ما اقترفت
وتبقى كئيبا
غريبا شقيّا
ستندم جدا
إذا ما وهنت
بلغت من العمر حالا عتيا” .
وفعلا يعترف الحبيب ويندم على ما اقترف من ذنب تجاه الحبيبة ويحاول جاهدا التقرب منها وإصلاح ما كان سببا في تحطيمه فيقول على لسانها :
” خذيني
لأفقك أرتاح فيه ,
خذيني
دعيني ألملم
أشتات روحي ..
فقد بعثرتني الديار” .
غير أنها تصده بعنف وترفض مطلبه لما عرفته فيه من قساوة وافتراء وترد عليه بنصيحة أشد قسوة من قسوته عليها :
” نصيحة بألا تعود
فبيني وبينك
برد الجليد
ولا من جديد …
خبرت هواك
إذا كنت تحسب أني أحب
فدعني أقول
بأنك لست جديرا بذاك” .
ورقية بشير قدرت حق المرأة في المجتمع وأعطتها المكانة التي تليق بها فهي الرؤوم وللأجيال راعية تسموا بها البلاد ويعم الخير بعطائها ومشاركتها الفعالة في رقي الأمم :
” لولا النسا
ما شدا طير الربى طربا
جرى اليراع هوى …
لم ترتق الأمم” .
لكنها تبدي موقفا مغايرا تجاه بعض النساء أطلقت عليهن نساء مارقات :
” تتثنى في غرور
في زهاء
تحسب الدنيا قشور
من طلاء
وثياب
وعطور
ليلها رقص وخمر
وقتها الغالي يمر
من حبيب لحبيب
جهلت معنى الأصالة
والشقاء …
فهي عار للنساء” .
وبالرغم من الحزن واليأس والتحسروالعزلة فهي لم تنس وطنيتها وحبها الجارف لمسقط رأسها وبلدها :
” أتونس هذا صوت قلبي مغازلا
محيا
إلتقت فيه المحاسن والطهر
فلا تلفظي حبي
فحبك قاتلي
فإن جناني دون حب
خوا قفر” .
والشاعرة خرجت من قرطاج وسلكت نفس المسلك الذي مرت منه عليسة عندما جاءت إلى تونس وأرست بشراعها الشعري على الساحل الشرقي للمتوسط و بالتحديد على الأرض الفلسطينية وعايشت معاناة الشعب الفلسطيني فهتفت كما تهتف بالحياة الشعوب :
” فلسطين يا كعبة الوالهين
أرى السلم فيك
سناه انتثر
فددتك الطفولة دون سلاح
وأودت نسا
والشباب اندثر” .
ولم تنس في رحلتها تلك ” تحية الأردن ” :
” حيوا معي الأردن
النبراس للأمم
فخر العروبة مهد العز والشمم
إني عشقته
في سري وفي علني
عشقا سنيا فذا غير منكتم ” .
وهكذا نكون قد تعرضنا لبعض مواقف الشاعرة رقية بشير من خلال سفرنا في مجموعتها الشعرية “عبير الروح “.
وأستسمحها في نهاية هذه الرحلة للإدلاء ببيت ورد على لسانها في المجموعة :
” فإن بان تقصير
فعفوك بلسم
وإن كنت قد أبدعت
منك خواطري” .
رحم الله الشاعرة رقية بشير .
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
“ظلال أرجوانية ”
للشاعرة التونسية المرحومة رقية بشير
” ظلال أرجوانية ”
بالقلب الطيب فاحت و بالوطنية الصادقة لاحت …
قراءة بقلم الشاعر عمر دغرير .
الشعر جهد انساني خلاق ربما نكون أخذناه بعنف أو بجهل أو بلهو وهو في نهاية الأمر فن جميل لا غاية له الا تعزيز الجمال في الأرض ولا هم له الا أن يبهج النفس البشرية ويزيد في غناها الانساني هدفه الأوحد أن يعيد خلق الأشياء من خلال تجربة الشاعر الشخصية فتصل الى الآخرين عن طريق العاطفة والبصيرة .ولست مع أو ضد نوع خاص من الشعر لأنني أقر بأن الشعر هو شعر الآونة وأن الحداثة لا تكون باتباع أشكال تعبيرية شعرية معينة بل باتخاذ موقف حديث تجاه الحياة ومنها تجاه القصيدة . والشاعر له الحرية المطلقة في التعبير كيفما يشاء عما يشاء والقضاء على قداسة الشكل الموروث واغناء القاموس الشعري وتفجير اللغة العربية .
لقد سبق أن كتبت عن الشاعرة المرحومة رقية بشير وقلت في مجموعتها الشعرية الثانية : “عبير الروح بمواقف الشاعرة تبوح “. وخصصت جانبا هاما لوطنيتها الصادقة وحبها الكبير لمسقط رأسها وبلدها وحنينها لكل الأماكن التي تزورها داخل وخارج الوطن . وهي الشاعرة الرقيقة الملتزمة بأسلوبها وبطريقة تبليغها واقتناعها بالشكل الذي ميز قصائدها وجعلها متفردة عن بقية الشعراء . فقد أخذت عن أبي القاسم الشابي رومانسيته واعتمدت على تلقائيتها وبراءة الطفولة المتمسكة بها رغم تقدم الزمن ورغم الظروف المؤلمة التي مرت بها وهي القائلة :
” بوزن الخليل نسجته لحنا
بوقع القوافي يهز الشعور …
ومن نبع قلبي أردته رسما
لعزم يغيض الحسود الحقير” .
هكذا حددت الشاعرة دربها . وتمردت على النسق الذي سار عليه الشعر الحديث بحيث صار للقراءة والتأمل أكثر منه للخطابة واثارة العواطف والأحاسيس الجماعية .
ورقية بشير التي نثرت الأحزان جميعها في ” لم الحزن؟ ” ووزعت عبير المواقف في
” عبير الروح ” نجدها تنشد الراحة تحت ” ظلال أرجوانية ” وهو عنوان المجموعة الثالثة لشاعرة المنستير التونسية وقد صدرت عن دار المعارف للطباعة والنشر في شكل أعتقد أنه سوف يِؤثر بصفة ملحوظة على الاقبال على قراءته والتعمق في محتواه. وسوف أتعرض الى هذه النقطة بالذات في وقت لاحق . أما الآن فسأكتفي بذكر وطنية الشاعرة في أشعارها وخاصة فيما ورد من قصائد في ” ظلال أرجوانية ” .
والثابت أن رقية بشير أحبت باخلاص هذا البلد الأمين وعبرت بصدق عن شغفها بالوطن وبالناس المخلصين في هذه الأرض الطيبة وهي القائلة :
” أتونس هذا صوت قلبي مغازلا
محبا التقت فيه المحاسن والطهر …
فلا تلفظي حبي فحبك قاتلي
فان جناني دون حب خوا قفر” .
هكذا بصوتها الرومانسي المتهدج تعبر عن تعلقها بالأرض مقتفية أشعار اشعار القدماء الذين جعلوا من المكان ذلك العرين الذي يلجؤون اليه للاحتماء من جور العباد والزمان ومن ثمة يتبين لنا مدى الأهمية التي أعطتها الشاعرة لوطنها حيث أصبح جنانا . لو حذفنا الحب منه لصار قفرا . وقد جعلته وطنا متكاملا تريد العيش فيه حرة سعيدة بعيدة كل البعد عن السيطرة والاستغلال وما أروعها وهي تقول :
” أحبك فوق العشق فوق حدوده
وفوق خيالي حين أسعى لأنشدا …
اذا قيل قد أسرعت قلت تمهلوا
فان قضاه أن أحب وأسجدا …
وان هوى الأوطان في الدين نفحة
وأن هواه في هواك تجسدا” .
ومن الوطن الكبير تونس الى مسقط رأسها المنستير هذه المدينة الساحلية الجميلة التي منحت لها الدفئ وبها أتقنت القراءة والكتابة وتعلمت الحب والصدق وكان لها أن تحلم كما تشاء وبما تشاء :
” منحتني الدفء والعلم المنير
علمتني الصدق والحب الكبير
علمتني الحلم في كون ضرير” .
ولأن المنستير هي ” روسبينا ” الشامخة في التاريخ وهي أرض الملاحم وأخت لبغداد وتوأم لقرطبة فان الشاعرة حبتها بقصيدة لا تخلو من صدق المشاعر والرومانسية :
” حييت روسبينا من حصن مدى الحقب
مهد العلوم ومثوى السادة النجب …
البحر يحرسك والسور يحضنك
وداخل السور أسوار من الذهب …
جدرانها تسرد التاريخ عن أمم
للسيف عاشوا وللأحكام والأدب” .
والملاحظ أن الشاعرة تتنقل كثيرا داخل وخارج الوطن وفي كل مكان تحط رحالها فيه تسجل بكل اعتزاز مشاعرها وعواطفها الجياشة تجاه هذا المكان . وما أكثر الأماكن التي خلدتها في قصائدها فنجد على سبيل الذكر : ” قصر هلال ” ” بنان ” ” قليبيا ” ” قرطاج” …..
وقد جاءت كلها غارقة في المشاعر ومعرفة بتاريخها المجيد وبنبل وكرم مواطنيها .
كما ذكرت رقية بشير بكل فخر مواقع خارج حدود الوطن بحيث نجد فلسطين والأردن وكذلك العراق الذي خصته بقصيد مطول نسجته بعشقها اللامتناهي للفرات ودجلة ولعهد الرشيد وللبصرة والمربد وبغداد :
” وبغداد أم العواصم تبدو كفردوس عدن جلا للعيان …
كستها الحضارات تاجا فأضحت على عرشها الفذ أحلى الحسان ” .
ان خاصية الشاعرة هي هيامها بالوصف . وشعرها الوصفي ليس صورة وصفية خارجية باهتة بحيث نجده ممتزجا بوجدانها وعواطفها الداخلية مما جعلها تحتفظ بأصالتها الابداعية في اطار شعري تقليدي عمودي حيث حاكت الأقدمين دون الذوبان فيهم . وبالإضافة لحبها الصادق لهذا الوطن فقد أحبت من خلاله رجاله المصلحين ونوهت بالخير الذي عم البلاد في عهدهم وبالعيش الكريم الذي نعم به المواطنون وبالأمن والأمان في عهد التغيير المجيد وهي القائلة :
” لنوفمبر عندي اذا هل فرحة
بقلبي بأفراح الورى لا تقدر …
ففي السابع انجابت وولت سحائب
وأشرق فجر عن جديد يعبر” .
لقد تلألأ لها نوفمبر الخلاب كنجم ساطع يشع بأنواره على ربوع هذه الأرض الطيبة مشكلا لها علامة مضيئة في التاريخ فاستبشرت به ورأت فيه النور الذي سوف يضيء كل الزوايا المعتمة في الحياة القادمة .هكذا كانت وطنية الشاعرة صادقة وعميقة وهي برومنسيتها ورقتها كانت تشكل أجمل القصائد وأروعها .
وقبل أن أختم هذه القراءة لا بد أن أوجه بعض اللوم لدارالنشر التي أخذت مستحقاتها كاملة مقابل نشر المجموعة ورغم ذلك أخرجتها في طبعة لم أر أردأ منها ,الأمر الذي أغضب المرحومة وزاد في أحزانها وقبل أن تمر سنة على صدور كتابها الأخير توفيت في ظروف غامضة , فلروحها السلام .
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
“رثاء ذات مساء” للشاعر عمر دغرير :
قيلتْ هذه القصيدة اثر وفاة الشاعرة التونسية رُقيّة بشير
رقيّةُ ماتتْ…
و ماتَ الخليلُ
و ماتَ جميلُ
و قيسٌ توفاهُ ربٌّ جليلُ…
و لكنْ قصائدهمْ
سوفَ تبقى أصيلهْ…
“لمَ الحزنُ؟”
صاحتْ رُقيةُ يوما
و في الحزن أمضتْ سنينا طويلهْ…
تجوبُ البلاد بباقات ورد
و تهدي لنا في الفيافي خميلهْ…
لها في ظلال القوافي حنينٌ…
الى حضن أمّ
و لهو الطفولهْ…
و في حبّ ” تونس ”
لها طوق ورد…
و “روسبينا”
تبقى الرؤى و الخليلهْ…
أحبتْ بصدق بحورَ الخليل
فجاءتْ قصائدها عذبة سلسبيلا…
بصدق الكلام…
و فيض الهيام…
و طير السلام
أنارتْ عقولا…
أضاءتْ بها الشعراء زمانا
و كانتْ لهمْ في القوافي رسولا…
بسيل العبير
من الروح تسقي
عطاشى بها
قدْ أحبّو الفضيلهْ…
و جار الزمان
و فاضتْ دناهمْ
بجوْر القريب…
و غدر القبيلهْ…
تقول :
” أحبائي كانوا هنا ثم راحوا”
و ما تركوا في الحياة بديلا…
و أهلي مسالكهمْ دجنٌ
و جرحٌ فضيعٌ يؤرقني
مذْ أضاعوا السبيلَ…
فلله أشكو
عداءَ أخ لأخيه…
و مارقةً تتبنّى الرذيلهْ…
و لله أرفع كلتا يديّ
لتمسح جفني و تشفي الغليلَ…
رُقيّةُ ماتتْ…
دموع على قبر أم توارتْ…
و أخرى على روح خلّ
وافتهُ المنونُ
و ما أخّرتْهُ قليلا…
رُقيّةُ ماتتْ…
و ما ماتَ شعرٌ بوزن الخليل
أنار العقولَ…
رُقيّةُ ماتتْ…
“لمَ الحزنُ ”
يَبقى جميلاً جميلاً…
و يبقى العبير المثير
و تبقى الظلالُ الظليلهْ…
مؤلفات الشاعرة رقية بشير
لم الحزن ؟
عبيرالروح
ظلال أرجوانية
Discussion about this post